محمد الخولي إثيوبيا وأميركا ويتوقع المراقبون أيضا- على نحو ما توضح «نيويورك تايمز»- ان تظل اثيوبيا ما بعد زيناوي حليفا وثيقا للولايات المتحدة خاصة وأنها تتلقى معونات اميركية- تزيد على 800 مليون دولار سنويا.. كما أن المسؤولين الاميركيين- كما تضيف التايمز- «لايزالون يعّدون الطرف الاثيوبي- من عسكريين واستخباراتيين- من اقرب شركاء الاستخبارات المركزية الاميركية في محاربة التطرف في افريقيا..». مع هذا كله فثمة قانون غريب وفريد في مجالات السياسة الدولية بالذات ونستطيع ان نصفه من جانبنا على النحو التالي «قانون النتائج غير المتوقعة». ولعل هذا القانون كان في ذهنية واحد من كبار المسؤولين في ادارة الرئيس اوباما في واشنطن وقد عمد الكاتب جيفري جتلمان الى اغفال اسمه، ولكنه نقل عنه عبارة لها دلالتها يقول فيها: رغم ان رحيل ميليس زيناوي لن يؤثر على السياسة الراهنة في الأجل القصير، الا ان هناك عددا من المجاهيل ( او الغوامض التى يمكن ان تتكشف مع الايام). ويبدو ان الزعيم الحبشي كان مدركا لخطورة المرض الذي اصابه.. ففي شهر يونيو الماضي التقى في حديث صحفي مع الكاتب والاكاديمي الاميركي دان كونيل الذي صرح بعد رحيل زيناوي قائلا: يومها بدا الرجل وكأنه كان يستعد للرحيل .. بدا مهتما بتركيز شديد على إنهاء عدد من المشاريع الكبرى.. كما لو كان مدركا ان النهاية وشيكة القدوم. قيادة جديدة المهم ان اثيوبيا استعدت مؤخرا لاستقبال قيادة جديدة لإدارة دفة الحكم في اديس ابابا هكذا سلطت الأضواء في الايام القليلة الماضية على هيلا ميريام ديسالجين. عمره 47 عاما.. وكان مسؤولا عن حقيبة الشؤون الخارجية خلال حكم زيناوي الذي قيل انه اهتم بدفعه الى ساحة العمل العام.. وبترقيته عبر مناصب عديدة الى ان اصبح نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للخارجية. ورغم تحفظات عديدة فمازال من المتوقع ان يتولى ديسالجين رئاسة الوزارة الاثيوبية ليصبح المسؤول رقم واحد في البلاد في غضون شهر سبتمبر على وجه التحديد. وفيما يتوقف راصدو الشأن الاثيوبي والافريقي عند الشباب النسبي لحاكم اثيوبيا المستجد، فإن الإمعان في التحليل يفيد بأن توليه مقاليد الامور في بلاده يشير الى عوامل مستجدة بدورها على تقاليدها السياسية: ان ديسالجين لا ينتمي الى شعب التيغراي الناطق بالأمهرية وهي لغة الحبشة الأصيلة تاريخيا.. ومن أصلاب هذه الجماعات العِرقية جاء معظم حكام اثيوبيا.. في حين ان ديسالجين ينحدر من اصول إثنية مغايرة تنتمي الى جماعة «الولايتا» في جنوب البلاد. أول بروتستانتي ديسالجين اول مسيحي من معتنقي البروتستانتية ويصل الى هذا الموقع رقم واحد في اثيوبيا.. التي تستمد اصول كنيستها الحبشية من جذورها في الكراز المرقسية او كنيسة الاسكندرية ذات المذهب الارثوذكسي بكل ما تستند اليه هذه الكنيسة القبطية من عراقة وأصالة تمتد عبر الزمن الى ميلاد السيد المسيح عليه السلام.. هذا بينما لا يكاد يبلغ عمر المذهب البروتستانتي كما هو معروف- سوى 500 سنة او نحوها منذ اعلان المذهب على يد «مارتن لوثر» فى عام 1517 للميلاد. وليس لأحد ان يتجاهل مثل هذه الفروقات بالنسبة لمسؤولي القمة على مستوى دول العالم. لقد توقفت اميركا طويلا في عام 1960 عند المتغير الذي انطوى عليه وصول جون كينيدي الى سدة الرئاسة الاولى في واشنطن، حيث قالوا انه اول رئيس كاثوليكي يصل الى البيت الابيض في بلد يدين معظم مواطنيه بالبروتستانتية. وفي اميركا أيضا يصل التدقيق في عقيدة الرئيس الى الكشف لا عن ديانته وحسب بل عن المذهب الذي يعتنقه الرئيس فيقال بأنه مذهب الكنيسة المعمدانية او اللوثرية او الاسقفية.وكم حاول الخصوم السياسيون للرئيس اوباما ان ينشروا شائعات لا حول مذهبه، بل حول عقيدته الدينية من اساسها وخاصة في ضوء الايقاع الاسلامي لاسم والده «حسين».. وها هي اميركا تستعد لسباق رئاسي وشيك مع حلول نوفمبر القادم بين أوباما وبين مرشح منافس وخطير اسمه رومني ويدين بمذهب يكاد يختص به المشهد العام في اميركا دون غيرها ويحمل اسم «المورمون» وذلك أمر بات يستوجب إمعان الدراسة من جانب المحللين العرب ولا سيما في حالة ميل الكفة لصالح المرشح الجمهوري المذكور أعلاه. وبديهي ان الامر لا يتعلق بالتفتيش في عقائد أو ضمائر الناس.. العاديين او المسؤولين.. ولكنه يتصل بمدى ما يحظى به طرح اسم المسؤول وصفته وشخصيته ومؤهلاته على جماهير مواطنيه ومن ثم مدى ما يحظى به بين صفوفهم من رفض او من قبول. أديس أبابا وهموم القارة السوداء سلطت أضواء المتابعة والاهتمام فى الفترة القريبة الماضية على اثيوبيا بعد رحيل رئيس وزرائها السابق، او رجل اديس أبابا القوي ميليس زيناوي عقب مرض خطير ولم تكشف أسراره بعد وفيما كان في آخر الخمسينيات من عمره. وقد أثار ميليس زيناوي أسئلة وتوقعات بالنسبة للمهتمين بعلاقات إثيوبيا بدول الجوار، خاصة السودان بشقيه الشمالي والجنوبي، حيث يرى الكثيرون أن رحيل الرجل سيخلف أثرا واضحا -سلبيا أو إيجابيا- على علاقات إثيوبيا بكل من البلدين. ففي جنوب السودان يرون أن رحيل زيناوي سيترك فراغا كبيرا قد يؤثر على علاقات جوبا والخرطوم في الاستقرار والسلام، ويرى البعض أنه من المهم بالنسبة لحكومة جوبا قراءة الأوضاع السياسية المحتملة في الداخل الإثيوبي والتحرك في الاتجاه الذي يدفع نحو طي أي تحولات قد تكون سلبية على استدامة السلام بين الخرطوم وجوبا. في جنوب السودان زيناوي يعد صديقا مهما بالنسبة لجوبا، ويرون هناك أن رحيله سيترك فراغا في القرن الأفريقي، وأن إثيوبيا في عهد زيناوي أصبحت رائدة في مبادرات السلام وأن رئيس وزرائها الراحل كان أحد الوسطاء الدائمين في فض النزاعات وظل متمسكا بزمام المبادرة لتحقيق السلام ودعم الحوار السلمي بين جوبا والخرطوم.ويقال ان زيناوي كان يستعد لاستضافة قمة هامة بين الرئيسين عمر البشير وسلفاكير ميارديت.شخصية زيناوي الكارزمية وتمتعه بعلاقات شخصية مع قيادات مؤثرة في السودانين هي التي جعلت مبادراته تنجح في تحريك المياه الراكدة بين الطرفين ورحيله يشكل «مصدر قلق» بالنسبة للعلاقات بين الدولتين. وفي الصومال صدرت ردود متباينة حول وفاة زيناوي، حيث قدمت الحكومة العزاء في وفاته بينما عبرت حركة الشباب المجاهدين عن فرحتها بموت الرجل الذي قالت إنه أهلك الحرث والنسل في الصومال، وارتكب جرائم حرب بحق الشعب الصومالي، وشبهته الحركة بـأرييل شارون «في الظلم وارتكاب جرائم الحرب»، وقالت «إنه أحد فراعنة العصر الحديث». زيناوي كان ذكيا، يستوعب قضايا المنطقة، ويوظفها لصالح بلده كما كان لديه طموح سياسي، يتجاوز حدود إثيوبيا، بفضل علاقاته الواسعة مع الغرب، ودوره العسكري في منطقة القرن الإفريقي خدمة لأميركا، ولبلده أيضاً. وتستمد اثيوبيا اهميتها بالنسبة للشأن العربي بفعل الأواصر التاريخية التي ما برحت تربطها بالدوائر الاسلامية والعربية عبر التاريخ، سواء من ايام الهجرة الأولى للرواد المسلمين الى الحبشة، حيث قوبلوا بالحفاوة من جانب حاكمها في ذلك الوقت النجاشي، او من خلال شراكة اثيوبيا في مياه نهر النيل مع دولتي مصر والسودان وهي شراكة حيوية بكل مقياس، او بحكم اختيار عاصمتها «أديس أبابا» مقرا دائما لأهم آليات المنظومة السياسية الافريقية منذ عقد الستينيات من القرن الماضي. هذا فضلاً عن الموقع الاستراتيجي الحاكم لاثيوبيا- الحبشة من حيث وجودها في القرن الافريقي او اطلالتها على المحيط الهندي ومن ثم تفاعلها بالسلب وبالايجاب مع مقاليد ومقادير دول مجاورة وشعوب مازال في مقدمتها كل من الصومال واريتريا. وتعترف اوساط امريكية بأن زيناوي عمد الى تحويل دفة السياسة في بلاده الى حيث قامت علاقات وثيقة مع واشنطن- المخابرات المركزية الاميركية بالذات.. ومن ثم تأتي اهمية مرحلة ما بعد رحيله لتنطوي مع خليفته المرتقب ديسالجين على العديد من التوقعات والمراهنات وعلامات الاستفهام. السيرة الذاتية ولد ميليس يوم 8 مايو 1955 في بلدة أدوا بإقليم تيغراي شمال إثيوبيا، وكان اسمه عند مولده ليغيس قبل أن يبدله إلى ميليس تيمناً بناشط أعدمته الحكومة الشيوعية في 1975 عندما كانت على سدة السلطة بإثيوبيا في ذلك الوقت. درس الطب في جامعة أديس أبابا (التي كانت تُسمى آنذاك جامعة هيلا سيلاسي) لمدة عامين، قبل أن يقطع دراسته في 1975 ليلتحق بجبهة تحرير شعب التيغراي. وإبان توليه رئاسة الحكومة الانتقالية، انفصلت إريتريا عن إثيوبيا عام 1993. وفي أغسطس 1995 أُعلن قيام جمهورية إثيوبيا الديمقراطية الاتحادية. واعتلت الجبهة الثورية الديمقراطية للشعب الإثيوبي سدة الحكم بعد انتخابات مثيرة للجدل جرت آنذاك، ليصبح ميليس زيناوي على إثرها أول رئيس وزراء لإثيوبيا.
التعليقات (0)