بعد أن تجَنـَّبَت الطريقُ الدولية المرورَ في سراقب ، صار الوصول إلى محل أبو أيمن عويصا .. لكن لذة مرطباته التي يقدمها ، تستحق مغامرة الدخول إليه ، وتستحق أن يتناول الزائر صحنين منها ..
بسرعةٍ ، أنهى عصام صحنه الأول ، وأشار لأحدهم بإحضار اثنين آخرين ..
لا أعرف كيف يستطيع أن يلتهم بوظة الهيطلية سريعا ، دون أن يتصدع رأسه كما يحصل لي !!..
وضع العامل صحنا ثانيا لكل منا .. وقبل أن ينتهي عصام من صحنه الثاني ، دفعت صحني أمامه ..
نظر إلي متسائلا ، فقلت له : لا حيلة لي معه في هذا الصباح ..
أشعل سيكارته مذ ركبنا السيارة ، واستلقى إلى الوراء .. لم يكترث بتنحنحي ، ولا بمحاولتي إخراجه عن صمته .. كأنه يريد أن يشعرني باستيائه .. لا بأس ، لكن صار بي شوق لسماع بقية الرسائل ..
انتظرت انتهاء سيكارته ، فانتهت ولم يتكلم ..
لزمتُ الصمت وتشاغلتُ بسماع المذياع .. فأغمض عينيه كأنه يريد النوم ..
أطفأتُ المذياع ، وفرملتُ بقوةٍ نوعا ما ، فأدرك أني محتج على نومه ..
قال : ماذا تريد ؟
قلت : لا تنم على الأقل ..
قال : وعلى الأكثر ؟!
قلت : أكملْ كلامك .. دعنا نتسلَّ ..
قال : إذا كان كلامي لمجرد التسلية ، فيمكنني أن أسرد لك حكايات أخرى تسليك من هنا للمريخ ..
نظرت إليه كأني أعتذر ، فأشاح عني ..
قلت له : كلي آذان مصغية ..
اعتدل قليلا ، واستخرج من حقيبته مظروفا ، استل أوراقا منه .. تنهد ، ثم قال :
هذه رسالتها الرابعة ، مؤرخة في 23/08/1986 ..
وقد عبرتْ فيها ـ بعد الأسف المعتاد عن التأخر في الرد ـ عن غضب إحدى صديقاتها الشديد من كتابتي عنها ، لأني وصفتها بالسطحية وبعدم تقليب الأمور ومحاكمتها بما يجب من الوعي والنضج .. ولأنها تتدخل بما لا يعنيها محاولة فرض آرائها على صديقتها ..
لكن لبنى تقول : ليزعل من يزعل أنا لن أتوقف عن مراسلتك ..
وحين قرأتُ رسالتها هذه لأول مرة ، انتابني عجب من كلام لم أرَ له مناسبة ، وجاء في الترتيب مباشرة بعد الكلام الذي سردته لك .. لذلك ، لا تعجب ـ مثلي ـ من سماعه الآن .. ستعرف مناسبته فيما بعد ..
قالت لبنى ، وبدون مقدمات :
الشاب عموما ، مسكين وضعيف ، يتخفى وراء الدين والعادات ، ثم أتى القانون لحمايته ، ولإثبات تفوقه على الفتاة التي لا يفضلها بشيء ..
بينما مجتمعنا ، مجتمع امرأة ، وليس مجتمع رجل ..
فمعظم القرارات التي تتخذ في المنزل ـ وخاصة المتعلقة بشؤون الأسرة ، والهامة منها ـ يتحرك بها لسان الرجل ، لكن المحرك الأساسي لها هو المرأة التي تكون قد أصدرت القرار ، إما من المطبخ أو من المهجع ..
وتقول : أعجبتها كتابتي عن " التقدمية " وعدّتها الأجمل في رسالتي إليها ..
ثم ، وعن مطالعاتها واهتماماتها ، أجابتني : أنا أبحث الآن عن كتاب يتحدث عن المافيا ، لأعرف شيئا عنها ، كما أني شغوفة جدا بالمواضيع السياسية والتاريخية ..
وتهتم بالقراءة كثيرا ، وتعشق المسرح ، وتجمع العملات القديمة والطوابع .. وتحب السباحة والمشي باكرا وتحت المطر ..
تجيد لعب الشطرنج .. وتلعب التنس مرتين أسبوعيا ..
توقف عصام ، واستلقى كأنه تعِبٌ من شيء ما ..
قلت له : ما هذه الصديقة يا عصام ؟! أيعقل أن تكون صادقة في كل ما تقول ؟! أي فتاة تستطيع أن تكون كل تلك الفتيات ؟! ألا ترى معي أنها سوبرمان في كل شيء ؟! كيف استطاعت أن تهتم بكل تلك الاهتمامات ؟! من المافيا إلى السياسة ، إلى المطالعة والشعر والمسرح والفلسفة والتفلسف والعملات والطوابع ، إلى الرياضة والشطرنج والتنس والسباحة إلى الدراسة والعمل والصداقة والحب ، إلى البيت ومسؤولياته وأختها ؟!
أنا لا أستطيع القيام بربع تلك الأشياء .. هل تستطيع ذلك أنت ؟! إنها تبالغ كثيرا يا عصام ، ووجدَتْ مَن يُصغي إليها ..
صاح عصام : يا أخي أنا لم أجبرْكَ على الإصغاء .. انتهينا .. قف هنا .. سأنزل وأعود إلى حلب ، وسآخذ رأيك هذا على محمل الجد : لن أذهب إلى الشام ، ولن أبحث عنها .. لو سمحتَ ، قف سأنزل ..
طبعا لم أقف ، ولم يكن سهلا " استعادة النظام " ـ كما يقال في اللغة الكومبيوترية ـ بعد ذاك التوتر ..
المهم .. تمت السيطرة على الموقف ، وتجاوزناه مع المتابعة الحثيثة مني ..
..............
قالت مجيبة على سؤالي عن أحوال أسرتها :
وراح يقرأ : لي أخوان من أبي وأخت ، هي التي تسكن في حلب ..
أبي أكبر من أمي بثلاثين سنة ، وهو حي ، يسكن في بلد عربي آخر ..
كان يحب أمي كثيرا إلى درجة أنه تعذب بحبه لها ، وتعذبت أسرتنا كلها بعد أن كثرت مشاجراتهما ، فانهارت أمي ، ورحل أبي وأولاده ، وتركنا صغيراتٍ وحيداتٍ مع أمنا المريضة ..
أبي الآن في الثمانين ، ولم نره منذ ثماني سنوات .. ومنذ ثلاث سنوات ماتت أمي بعد سنوات من المرض واعتزال الناس ، لأنهم كانوا قساة جدا عليها كما تقول .. وكانت تحمل في قلبها من الحب والطيبة ما يكفي البشر جميعا ..
أنا الآن مشتاقة إليهما كثيرا ، وأفتقدهما كثيرا ..
وإخوتي من أبي لم نرهم منذ سنين ..
صمدنا نحن البنات الأربع ، وصبرنا ، ولم تقصّر أختنا الكبرى في رعايتنا حتى تزوجت ، فبتنا أنا والصغرى ندى ، كابنتين لأختنا الأكبر رندة ، حيث عوضتنا عن كل شيء في غياب والديْنا ..
رندة عظيمة بحق .. تتمتع بشخصية قوية وهادئة .. تصرفاتها دائما متزنة ومحسوبة ، وقدّمت تضحيات ومساعدات من أجلي لن أنساها ما حييت ..
واعتمدنا على أنفسنا في كثير من الأمور ..
هل تتصور أنني أنا ورندة قمنا بتدهين الصالون على خير ما يرام ؟؟!!
ولمَ لا ؟! كان ذلك ضروريا جدا قبل أيام من حفل خطوبتها ..
إن أكثر ما يعذبني حاليا يا صديقي ، أن علاقتي بـ ندى ليست حميمة .. فقد ازدادت انطوائيتها بعد خطوبة رندة ، كونها متعلقة بها إلى حد كبير ، ولا أعرف كيف سأستطيع تجاوز هذه المشكلة بعد زواج رندة ..
ندى لا تثق بي كوني أكبر منها بثلاث سنوات فقط ، فهي لا تجدني أهلا لتحمل المسؤولية وحمايتها .. ولا تشعر أني مصدر عاطفي هامّ لها ، بل ترى أني أنا أحتاج لكل ذلك مثلها وأكثر ، وأن فاقد الشيء لا يعطيه ..
وما زالت حساسيتها الفائقة تعذبني وتقض علي كل أوقاتي ..
وهي في قلبي وعقلي دوما .. وحين أزور الصديقات أو الأقارب تكون معي ..
ولي صداقات من الجنسين ، وقد استطعنا اكتساب احترام الجميع وثقتهم .. وصادفت شبانا حاولوا التقرب مني ، بيد أني كنت أهرب لأن صدى كلمات رندة يتردد في عقلي ..
وقد لقبني أصدقائي وصديقاتي بـ ( الموناليزا ) ، لأنني دائما مبتسمة ، وحزن العالم يطل من عيني حسب قولهم ..
أنا لا أشعر بالفراغ أبدا ، بل على العكس تماما .. فإن الأربع والعشرين ساعة لا تكفيني لأقوم بكل ما عليّ ..
وكما قلت سابقا ، أنا أؤمن بوجود الخير في داخل كل إنسان إلى جانب الشر .. لكنني أحيانا أنصدم ، فأقرر أن أكون أنانية حسب القانون الساري في علاقاتنا الاجتماعية هذه الأيام ..
في النهاية .. ليس هناك مطلق .. وأنا لا أطلب ثوابا أو شكرا من أحد .. يكفيني أن أنام مرتاحة البال والضمير ..
لا أحب الكذب ولا أمارسه ، ولا أتقنه .. وثقة رندة بي حمّلتني مسؤوليات مضاعفة ..
بعد الثانوية العامة ، التحقتْ ندى بمعهد الآثار والمتاحف .. لكني لا أدري ماذا ستتخرج منه ، مسلّة أثرية مثلا ؟!
أخوالي يزوروننا ويساعدوننا عند المقتضى .. وقد أدركوا أننا صرنا فوق سن الوصاية ..
ذهبتُ في رحلة إلى معلولا .. وكنت سعيدة جدا لولا مصارحة أحدهم لي بحبه ، وبأنه يريد الزواج والهجرة إلى أستراليا .. هو طبيب أسنان وشقيق صديقتي ، وأنا أحبه أيضا ، لكنني قلت له : لا .. فغضب الجميع مني ، وأنا مصرّة ألا أترك ندى لتعيش في غير بيتها ( عند أخوالي مثلا ) ..
إحدى صديقاتي قالت لي : ممَّ تخافين وأنت بلا أم ولا أب ؟!
قلت : أخاف من نفسي ، وأخاف على نفسي .. وأنا لن أخون واجبي وثقة أختي رندة ولو على حساب قلبي ..
لست متشائمة إطلاقا .. ولكنني دائما أتذكر همسات الموت ، وخوفي من الشيخوخة ، وأتمنى أن أموت وأنا في قوتي ..
بعد أن استلمتُ رسالتكَ ، وجدتُ نفسي ناجحة في إحدى مواد السنة الرابعة ..
أرجو ألا أكون قد أثقلت عليك .. لكنني طامعة في رحابة صدرك ..
رسائلك صارت أكثر تداولا ، وكثر محبوك وقراؤك ومنتقدوك بعد انتشارها كالمتوالية الهندسية ، وحتى بين صديقات رندة ، وإحداهن نسختْ معظم فقراتها ..
لم يلتقط أنفاسه لأن تدخينه متواصل ، ولم أعترض حين استل أوراق الرسالة التالية ، وراح يكمل بلا توقف ..
الرسالة الخامسة ـ 09/09/1986
فيما مضى ، كنت لا أقوى على الاعتذار من أحد .. لكن رندة والأيام علمتاني أن الاعتذار شجاعة لا يقوى عليها الجميع .. خاصة حين أكون على خطأ ، كما أنا عليه الآن ، فأعتذر بروح رياضية ..
وكنت لا أود أن تكون أولى كلماتي اعتذارا عن التأخر في الرد ، بما يتنافى مع حبي الشديد للدقة في التزاماتي ..
لكن ، صدقني يا صديقي ، لقد تأخرتُ في استلام رسالتك ، لغيابي عن الكلية ، وسارعت فور استلامها للرد عليك ، وأنا آسفة جدا ، وأعلم أنك ستقبل اعتذاري ، لأنكَ ـ وربي ـ رحب الصدر وواسعه ..
وأعتقد أن المقدمة في رسائلي ستكون واحدة ، وهي الاعتذار دوما ..
وبعد يا صديقي .. فآخر ما كنت أتصوره ، أن أكون كاتبة أو قاصة .. إذ سبق أن كتبت بعض الخواطر ، لكني استبقيتها لنفسي .. ولم يطلع عليها أحد ..
ولم أعد أتذكر مضمون رسالتي السابقة ، وحاولتُ أن أتذكر شيئا من سردها بعد أن قرأتُ توصيفكَ لها ، ومع ذلك ، أستبعد أن أكون " قاصة " كما قلت ..
اليوم ، حضرتُ أمسية شعرية للشاعر اليمني الكفيف " البردوني " في المركز الثقافي ..
وقبل ذهابي للأمسية ، اشتريت ديوانا له ، وقرأته ، وقرأت ما نشرتْ عنه الصحفُ ، لكني ذهبت وحيدة إلى الأمسية بعد أن رفض الجميع الذهاب معي بذريعة " عدم معرفتهم بشعره " ..
هناك ـ يا صديقي ـ كنت سعيدة جدا جدا .. فالشاعر البردوني على درجة هائلة من الذكاء ، يصدق معه القول : كل ذي عاهة جبار ..
فهو يحفظ جميع قصائده غيبا .. وكنت أحاول أن أسجن في ذاكرتي كل كلمة تقال ، وأحسست أني تقدمت خطوة على طريق " الشاعرية " ..
أيرضيك هذا يا صديقي ؟؟
حضر الأمسية وعقب عليها الكاتب شوقي بغدادي الذي أصر على أنه : بانتهاء الشعر العمودي ، يموت الشعر الجيد ..
أما أنا فكدت أقول له : لا يهمنا إذا كان الشعر عموديا أو غير ذلك ، لأنه في النهاية أسلوب وشكل .. المهم : هو الكلمة الصادقة التي تهزنا من الأعماق ، وتجعلنا نصحو من سباتنا ، لنرى ما يراه هذا المبدع الكفيف ..
لكنني لم أقل ذلك .. ولست بآسفة بمقدار انزعاجي من صديقتي فدوى التي أذهب إليها يوميا لمساعدتها في تعزيل وتوضيب البيت قبيل عودة أمها من السفر ، ولم تشأ أن تذهب معي إلى الأمسية ..
وصحيح أن رندة مستاءة مني لغيابي الطويل اليوم عن البيت بسبب ذلك ، وصحيح أني منزعجة من فدوى ، لكني لن أتوانى عن تقديم ما أستطيع في سبيل الصداقة .. وهذا مبدأ لا يمكن أن أحيد عنه ..
أما وقد سألتني عن حبي .. آآآآآه يا حبي .. ماذا أقول لك يا صديقي العزيز ؟؟
إنه حديث انتهى ، وليس له بقية .. سأحاول نسيانه في غمرة الأيام ، وهذا أفضل .. لأن الشاب يريد أن نتزوج بأقصى سرعة .. فمن سيبقى لـ " ندى " ؟!
على كل حال ، ربما هذه فرصة لي ، وربما يأتي غيرها ، وريما لن يأتي .. فللجحيم .. لا فرق عندي ..
فالزواج الناجح لا تتوفر عوامله حاليا .. ولا أستطيع تقبل احتمال النجاح أو الفشل فيه ..
وفي الحقيقة : أنا أخاف من الزواج ، ولا أحبه .. إن مفهومه ومجرياته يؤديان إلى القيد والعبودية .. وسأترك أمره لحينه .. أما الآن ، فلا .. ولا أريد مناقشة أو تفكيرا فيه ..
أنا أعي أن في كلامي تناقضا .. ولأني اعتدت على الوضوح ، فكيف أقول : الآن ، لا ، وأترك مجالا للغد لأقول : نعم ؟!
أهي علاقة مؤقتة تنتهي بالزواج ؟!
يريدون مني أن يبقى حبنا سرا ..
وأنا لا أستطيع أن أعيش حياة سرية لثلاث سنوات على الأقل ، بانتظار تغيّر مجموعةٍ من الظروف المعيقة ..
كما أني لا أستطيع إعلانه حاليا ..
فقلت لهم : لن أهدم ما بنيناه من ودّ وصداقة طوال هذه السنين ، من أجل عاطفة تغلب على العقل الذي أحاول أن يكون دائما مرشدي ودليلي ..
ولا تزال محاولات الشاب مستمرة ، وأنا مشفقة عليه .. لكنه سينسى .. وفي النهاية : بعض من العذاب لا بد منه لكلينا ...
أنا مضطرة للعمل معلمة في مدرسة خاصة بدلا من أختي رندة .. وهو عمل رائع وأحبه كثيرا ، لكني لا أفضّل ممارسته لأنه يسبب لي تعبا نفسيا وجسميا ، وقد سبق أن جربته في نفس المدرسة .. وأذكر أنني كنت في معظم الأحيان ، أعود إلى المنزل بلا نقود ، لأنني أشتري للأطفال الذين لا يكون معهم ساندويتش ولا نقود ..
فتعلق عليّ رندة : أصبحت عائلتنا كبيرة .. أتمنى أن ترزقي بأطفال ..
أنا ـ يا صديقي ـ شديدة الإخلاص في عملي ، فكيف الحال إذا كنت أتعامل مع أطفال أحببتهم دائما ؟!..
سأقوم بإعطاء بعض الدروس الخصوصية ، حتى أستطيع أن أحافظ على مستوى معيشتنا الجيد ، ولكي تبقى ندى مرتاحة ، متفرغة للدراسة وغير قلقة ، فلا أحرمها من شيء ، وأنا سأحاول التخرج هذا العام ..
تريدني أن أزور حلب ؟! وزيارتك ؟!..
ألا ترى معي أن طلبك صعب قليلا ، وأن زيارتك لدمشق أسهل بكثير ؟!.
ثم ، لماذا هذا الاندفاع والرغبة في رؤيتي ؟!.
اطمئن يا صديقي .. فأنا لست دميمة أبدا ..
وأرجو أن تدع لي المبادرة في طلب بعض الأشياء .. ولن أتردد في طلب أي شيء حين أجد نفسي مدفوعة لمعرفته .. فحين أرغب بلقائك ، أو برؤية صورة لك أو بمعرفة رقم هاتفك ، تأكد أنني أنا سأطلب ذلك منك .. ولن أنتظر مبادرتك .. فتلك من شأنك .. ومبادرتي أنا من شأني أنا ..
ولو بادرتَ ـ مثلا ـ بإرسال صورتك دون أن أطلبها ، فسيسعدني ذلك ، لأنك صديقي ، يا صديقي ..
وصوري تشبهني تماما .. وجهي بيضوي ، وعيناي سوداوان ، وأنفي ليس مدببا .. وبشرتي سمراء فاتحة .. وفي قامتي تناسق مقبول ..
في الصباح ، حين أذهب للتسوق ، أرتدي الجينز وحذاء رياضيا ، وأسرع في مشيتي ، وأعقد ما بين حاجبي .. وأختلف كثيرا عنه في المساء ، حسب الوجهة والمكان والأشخاص .. لكني أعتني بمظهري أكثر .. ( نبقى إناثا ) ..
وعلى العموم ، ملابسي بسيطة فعلا ، وغالبا ما توافيني بها أختي من لبنان .. وهي تناسب ذوقي بساطة وأناقة وألوانا ..
محفظة يدي كبيرة ، وفيها الكثير من الأوراق والصور ، وزجاجة كولونيا ، وتذاكر لحافلة النقل ، وبعض المناديل الورقية ونقود حسب المتوفر ..
أنا وندى نشكرك لتهنئتها بالنجاح ..
مشكلة ندى ـ يا صديقي ـ أنها بدينة قليلا ، ولكن ، بتناسق .. ووجهها لا يخلو من الجمال والنعومة ، بل هي أحلى مني ( إذا افترضنا أنني حلوة ) .. ونجد صعوبة في اختيار ملابسها ، لعدم التناسب بين سنها وجسمها ..
لذلك ، فإن حساسيتها زائدة ، وردّ فعلها عنيف تجاه القريب ، وتلجأ للانطوائية والبكاء مع الغريب .. أحتاج لوقت طويل حتى أندمج معها .. إنني أجاهد في سبيل ذلك فعلا ، لأنها صعبة المزاج بالرغم من أنها مرحة وطيبة في حالات صفائها ..
جميع صديقاتي يقرأن رسائلك .. ولهن آراء مختلفة ..
ورندة ، تركت لي مسؤولية مراسلتي لك .. وإن كانت ترى أنها قد تؤدي إلى متاعب مستقبلية ..
وأرجو ألا تطلب مني مزيدا من الشرح حول رأيها ..
يقولون : إن كلام الليل يمحوه النهار .. وبما أنني أكتب لك رسالتي ليلا ، أخشى أن تصلك بيضاء بلا كلمات .. وسيكون ممتعا أن تتخيل ماذا كنتُ سأكتبُ لك ..
أعرف أن رسالتي فوضوية كغرفتي .. لكني لن أعيد ترتيبها لأن الساعة الآن الثالثة ليلا ، وأشعر بالنعاس والإنهاك .. وعليك أن تتحملني يا صديقي العزيز .. وأرجو أن تتحلى بالصبر وتتخلى عن عصبيتك الواضحة تماما بين سطورك ..
صديقتي فدوى ترسل إليك بسلامها وتحيتها ، لكنها لا تريد الآن الكتابة إليك ، ولا تستغربْ إذا وصلتكَ رسالة منها فيما بعد .. وتقول : هي لن تدع لك مجالا للكشف عن بواطنها ..
رمى عصام الأوراق جانبا ، وطلب أن نقف في استراحة مناسبة ، يريد قهوة ..
قلت له : تكرم عيونك .. تستاهل أحلى قهوة ..
الأربعاء ـ 08/02/2012
التعليقات (0)