مواضيع اليوم

إبتكار مدرسة فنون الرّسم والتّشكيل البرقي

كمال البهجوري

2013-05-11 01:04:22

0

إبتكار مدرسة فنون الرّسم والتّشكيل البرقي
بقلم: حسين أحمد سليم
آل الحاج يونس

المُصمّم المُبتكر والمخترع اللبناني, الفنّان التّشكيلي المتمرّس القدير والرّسّام الهندسي الفنّي الخبير

 


فصل الشّتاء الذي أنتظره بفارغ من الصّبر مع كلّ دورة من الفصول السّنويّة المتعاقبة, ودائماً ما كنت أتمنّى ألاّ ينقضي فصل الشّتاء بسرعة, كما كنت أتمنّى ألاّ تنجلي السّماء عن تلك الغيوم الرّماديّة الدّاكنة والسّوداء, التي تزداد تلبّداً في قبّة السّماء كلّما ساء حال الطّقس, لتحدث ظاهرة الصّواعق, وينتج عنها حركة فعل الضّوء الخاطف السّريع والمفاجيء من شرارات البرق, ليستتبعها ذلك الصّوت المدوّي في الأرجاء من قصف الرّعد...
تلك الظّاهرة الكونيّة الصّواعقيّة, الجميلة والمخيفة في آن معاً, غالباً ما كانت تستوقفني دائماً, وأنا أنتظر لأرقب وأرى حدوثها على حين ومضة فجائيّة... بحيث ترتسم في صفحة قبّة السّماء, بين طبقات الغيوم الممتدّة وأديم الأرض, تلك الشّرارات الكهربائيّة الوامضة السّاطعة والخاطفة للأبصار, مشكّلة أبدع ما في ظاهرة الصّواعق من لوحات ومشهديّات كونيّة فنّيّة كهربائيّة ناريّة, تُضيء السّماء لومضة خاطفة وسريعة, مليئة بالرّعب والخوف والحذر, بقدر ما تتجلّى في إرتسامات حدوثها الكونيّ, تلك المعجزة الكونيّة الكبرى, التي تتجلّى فيها عظمة وقدرة وحكمة وعدالة الله تعالى...
ظاهرة الصّواعق لفتتني كثيراً, وشغلت تفكيري العلمي والفنّي طويلاً, وتركت أثرها الإيجابي على نواحي إهتمامتي في مجالات الفنون التّشكيليّة وفنون الرّسم الهندسي, وحرّضتني وعياً وعرفاناً بقوّة, كما أثارت ما في دواخلي ووجداني وشغافي وعقلي, تحفيزاً ودفعاً وفعاليّة وثورةً فنّيّة لا تنتهي, بحيث قضيت ردحاً زمنيّاً ممتدّاً في ممارسة رسم وتشكيل وتوقيع وصناعة, الكثير من اللوحات والمشهديّات الفنّيّة, التي تعكس وتجسّد  ظاهرة شرارات البرق الخاطفة... إلى أن راودتني فكرة العمل على إبتكار مدرسة فنون الرّسم والتّشكيل البرقي, والتي زادت في وعيي الفنّي الباطني, وأثرت عرفاني التّشكيلي الذّاتي, وهو ما زاوج بين قلبنة عقلي وعقلنة قلبي, لينعكس إطمئناناً وإيماناً في نفسي, وتوكيداً آخر لعمليّة فعل خلق وإبتكار وتصميم مدرسة خاصّة ومميّزة, تُساهم في إبراز بدائع صنع الخالق التي تدلّ على عظمته وقدرته ووحدانيّته من خلال مظاهرها وأسرارها, فكانت مدرسة فنون الرّسم والتّشكيل البرقي, التي شاء الخالق أن يُكرم كينونتي تكليفاً إيمانيّاً بإرساء قواعدها وإبتكار أسسها, لتكون مدرسة الإيمان والإطمئنان النّفسي, لمن يُمارس رسم وتشكيل وتوقيع مظاهر شرارات برقها, وبالتّالي المدرسة الفنّيّة التّشكيليّة التي تدلّ على عظمة الخالق من خلال تجسيد رسم وتوقيع وتشكيل مظاهر عظمته في خلقه ومنها شرارات البرق الوامض الخاطف...  
فالبرق والرّعد آيتان كونيّتان, دالّتان على بديع صنع الخالق, وعظيم قدرته, ودقّة تدبيره, وعدالة حكمته... وظاهرة البرق من أكثر الظّواهر إثارة في الطّبيعة, فهي ظاهرة مخيفة وجميلة في نفس الوقت...
والبرق هو ذلك الضّوء الخاطف للأبصار, الوامض السّاطع المبهر, الذي يظهر فجأة في قلب السّماء في الأيّام الشّتائيّة, التي تتلبّد فيها السّماء بالغيوم وتسوء فيها أحوال الجوّ, وهو عبارة عن الضّوء النّاشئ نتيجة تصادم سحابتين, أحدهما تحمل الشّحنة الكهربائيّة السّالبة, والأخرى تحمل الشّحنة الكهربائيّة الموجبة... وبذلك ينتج عن التّصادم شرارة قويّة, تصدر علي هيئة الضّوء الذي نراه فجأة, ثم يختفي فجأة في تلك الأيّام ذات الطّقس الشّتوي السّيّء... كما أنّ هذا الضّوء الذي يُسمّى بالبرق, يعقبه صوت عالٍ قادم من أعماق السّماء, وهو ما يُسمّى بالرّعد، والظّاهرتان الإثنان معاً يُطلق عليهما إسم الصّاعقة...
يقول الحقّ: (ومِنْ آياتِهِ يُريْكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمـاءِ ماءً فَيُحْيي بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهـا اِنَّ في ذلِكَ لآيات لِقُوم يَعْقَلُون)... أنّ برقَ السّماء من آيات الله الدّالة على قدرته ووحدانيّته أنّه يريكم البرق خوفاً من الصّواعق، وطمعاً في الغيث والمطر، فهو ينزّل المطر من السّماء فينبت به الأرض بعد أن كانت هامدة جامدة لا نبات فيها ولا زرع...
ويقول الله تعالى: (هُوَ الَّذي يُريْكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِىءُ السَّحابَ الثِّقـال)... تعبير تعريفيًّ بالذات الالهية المقدّسة عن طريق آثاره...
ويقول سبحانه: (هُوَ الَّذي يُرِيَكُمْ البَرْقَ خَوْفاً وطَمَعاً)... الخوفُ من الصّواعق والتّفاؤل بنزول المطر، أو خوف المسافرين، وتفاؤل المقيمين في المدن والأرياف...
ويقول سبحانه بعد ذلك مباشرة: (ويُنْشِىءُ السَّحـابَ الثِّقـال)... حيث تتزامن مع العواصف القويّة زوابع من الغيوم، فتغطّي أعالي الجوّ القريب من الأرض ،فيصبح الجوّ مظلماً, وتتولّد الكهرباء نتيجة تلاطم الرّياح، وتهتزّ الارض والجوّ بسبب صوت الرّعد المتتابع... والغيوم المتراكمة في طبقات الجوّ السّفلى سميكة ومحمّلة بكثير من قطرات المياه الكبيرة, لذلك تكون ثقيلة للغاية على الرّياح المحرّكة...
ويُشير جلّ وعلا كذلك: (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ والْمَلائِكَةُ مِنْ خَيْفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيْبُ بِهـا مَنْ يَشـاء)... ويُبيّن ظاهرة الرّعد... فيقول: (ويُسَبِّحُ الرَعْدُ بِحَمْدِهِ)... ويُبَيِّنُ هذا التّعبير انَّ هذه الظّاهرة السّماويّة ليست مسألة عاديّةً، بل تُنبىءُ عن علم وقدرة الله تعالى... لأنَّ التسبيح, يَعني التّنزيه عن كلّ عيب ونقص، و الحمد, تعني شكره مقابل الكمالات، و صوت الرّعد يتحدّث عن الأوصاف الجماليّة والجلاليّة لله تعالى...
ومن بديع صنع الله أن يخلق الحياة والعلم والقدرة والنّطق في أجزاء السّحاب فيكون هذا الصّوت المسموع فعلا له... كما تجلّت قدرته وعظمته في تسبيح الجبال في زمن النّبي داود, وتسبيح الحصى في زمان النّبي محمّد عليه الصّلاة والسّلام...
وهناك أسراراً خفيّةً في هذه الظّاهرة السّماويّة, حيث تكشفُ عن عظمة الخالقِ وآيةً من آياته...
والمعروف أنَّ الماء والبخار، والغيوم موجوداتٌ لا تتوافق مع النّار، ولكن بقدرة الخالق تنطلقُ منها نارٌ هائلة اكثر احراقاً من انواع النّيران على الأرض كافّة، وكذلك البخار، الجسم اللطيف جدّا، ولكن ينطلقُ منه صوتٌ لا ينطلقُ من سقوط...
فالبرق: هو تفريغ كهربائي من سحابة إلى أخرى, أو بين أجزاء سحابة واحدة, أو من سحابة من السّحب إلى الأرض, ويتميّز هذا التّفريغ بومض ساطع, يُعرف بومض البرق، وومض البرق, لا يعدو أن يكون شرارة كهربائيّة كبيرة...
وطول البرق يختلف فهو أقل من 90 متراً في المناطق الجبليّة إذا كانت السّحب منخفضة، وقد يصل إلى 6000 متر في الخلاء إذا كانت السّحب عالية... وقد سجل برق طوله كيلومتراً. وسرعة البرق بين 60 و1600 كيلومتر في الثانية، وهي تقريباً نصف سرعة الضّوء...
وهذا البرق لا ينشأ عنها أيّ ضرر إلاّ إذا انتقلت من إحدى السّحب إلى الأرض، إذ يتولّد عن هذا الانتقال صواعق قد تسقط على المنازل والغابات، وقد تصيب النّاس فتوردهم موارد الهلاك...
ومن أجل ذلك يزوّد الناس بيوتهم بمانعات الصّواعق وما إليها. ومانعة الصّواعق كناية عن شاخص من النّحاس طرفه العلوي مدبّب أو مسنّن يثبّت في أعالي المباني ويتّصل من أدنى بسلك معدني غليظ ينتهي بلوح من المعدن مدفون في باطن الأرض الرّطب بحيث يشكّل مجازا طليقا تسري خلاله الطّاقة الكهربائيّة إلى باطن الأرض أوّلا بأوّل...
والرّعد: هوتفريغ كهربائي من سحابة إلى أخرى, أو من سحابة إلى الأرض, يصحبه إنبعاث شرارات تُعرف بالبرق... وهذه الشّرارات تحدث حرارة عالية في مناطق الهواء التي تنبعث منها، فتتمدّد تلك المناطق على نحو فجائي وتولّد سلسلة من أمواج التّضاغط والتّخلخل يسمع لها جلجلة وهدير...
والصّاعقة الرّعديّة: هي عاصفة قصيرة الأجل، مصحوبة ببرق ورعد. يحدثها عادة السّحاب المعروف بالرّكام أو المكفهرّ وهو سحاب مرتفع مؤلّف من ماء وجليد، يتّخذ شكل الجبال أو الأبراج... وينشأ عن العواصف الرّعديّة عادة أمطار غزيرة، وأحيانا برد أيضا، وهي مألوفة في المناطق الاستوائيّة بخاصّة...
ومن وجهة نظر علميّة فبريق السّماء يحدث من خلال تقارب قطعتين من الغيوم المحمّلة بالشّحنات الكهربائيّة المختلفة, واحدة موجبة والأخرى سالبة، فتُحدِثان بريقاً كما يحصل من إقتراب قُطبَيْ الموصل الكهربائي تماماً...
وحيث تتحمَّل قطع الغيوم بالشّحنات الكهربائية العظيمة يكون بريقها عظيماً أيضاً، ولكلِّ بريق صوتاً، وكلّما إشتدّ البرقُ كلّما تعاظم صوته...
ولهذا قد يكون الصّوت المهيب لهذا البرق من الشّدّةِ بحيث يهزُّ جميع المباني ويُحدثُ صوتاً كالقنابل الضّخمة...
ولكن البرق لا يظهر بين قطعتي الغيوم دائماً, لتكون بعيدة عن متناول الإنسان ولا تُسبب أيَّ خطر، بل قد تقترب الغيوم الحاوية على الشّحنات الموجبة من الأرض...
وبما انَّ الارض تحتوي على الشّحنات السّالبة, لذلك يحدث البرق بين الارض و  الغيوم, وهذا البرق العظيم الذي يسمّى بالصّاعقة خطيرٌ للغاية، فهو يُحدثُ هزَّةً شديدةَ في المنطقة التي يقع فيها، وكذلك يولّد حرارة عالية جدّاً بحيث إذا أصابت أيَّ شيء تجعلُهُ رماداً...
مع أنَّ مدّة الصّاعقة لا تتجاوز عُشرَ الثّانية وقد تكون 100-1 من الثّانية، ولكن الحرارة التي تنتج تصل الى 15000ْ سانتيغراد بإمكانها التّسبّب في حدوث أخطار بالغة الشّدّة (حرارة سطح الشّمس 8000ْ فقط...
ونظراً لتجمّع الشّحنات على الأجزاء المدبّبة للأجسام ففي الصّحاري التي تحدث فيها الصّواعق، يظهر البرق في النّقاط المرتفعة كرؤوس الأشجار، وحتّى رأس الإنسان المار عبرها...
لذلك يعتبر التّوقّف في الصّحاري أثناء الجوّ العاصف المليء بالرّعد والبرق خطيراً للغاية، وفي مثل هذه الحالات يمكن أن يزيل اللجوء إلى الوديان أو الاقتراب من الأشجار وأسفل الجبال والتّلال الخطر إلى حدّ ما, والإتكاء على الأشجار والشّبابيك الحديديّة لا يخلو من خطورة أيضاً...
وبالرّغم من أخطار الرّعد والبرق, فإنَ لها فوائد جمّةًً...
الرّي: من المعروف أن البرق يولِّدُ حرارة عاليةً جداً، قد تبلغ 15 ألف درجة سانتيغراد، وهذه الحرارة كافية لإحراق مقدار كبير من الهواء المحيط ممّا يؤدّي إلى هبوط الضّغط الجوّي مباشرة... والغيومَ تُمطرُ أثناء هبوط الضغط، ولهذا فغالباً ما تبدأ الزّوابع عقبَ حدوث البرق وتنزل قطرات الأمطار الكبيرة، وفي الواقع يعتبر الرّيّ من هذا الجانب أحد فوائد البرق...
رشّ السّموم: عندما يظهر البرق بتلك الحرارة، تتألّف قطرات المطر بكمّيات إضافيّة من الأوكسجين، فيحصل الماء الثّقيل أيّ الماء المؤكسد... ومن آثار هذا الماء هو القضاء على الجراثيم، ولهذا يستعمل طبّيّاً في تنظيف الجروح، فهذه القطرات تقضي على بيوض الآفات المسبّبة لأمراض النّباتات عندما تنزل الى الأرض، وتقوم برشّ السّموم على أحسن وجه...
لذلك ففي كلّ سنة يقلّ فيها الرّعد والبرق تزداد الآفات النّباتيّة...
التّغذية والتّسميد: إنّ قطرات المطر وأثر حدوث البرق وحصول الحرارة الشّديدة النّاتجة عنه وتركيبها الخاصّ، تحصل على حالة من حامض الكاربونيك، فتقوم بتكوين سماد نباتي مؤثّر أثناء تناثرها على الأرض وتخلّلها فيها، فتتغذّى النّباتات عن هذا الطّريق...
وكمّيّة السّماد الحاصل من حالات البرق في السّماء خلال سنة واحدة يبلغ عشرات الملايين من الأطنان، وهذا رقم مرتفعٌ للغاية...
وهذا نموذج صغير من الأسرار العجيبة لعالَم الوجود حيث يصلح أنْ يكون دليلا في الطّريق لمعرفة الله... وكلّ هذا من بركات الله علينا...
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !