إبتكار مدرسة الفراشة لفنون الرّسم التّماثلي
بقلم: حسين أحمد سليم
تتميز الألوان الجميلة الفاتنة والعجيبة, التي تتماهى بها أجنحة الفراشات عن ألوان أجسام بقيّة أنواع المخلوقات والكائنات الحيّة, نباتاتها وحيواناتها وأشيائها, بعدّة ميّزات...
منها: ذلك العدد الهائل للألوان القزحيّة المختلفة, التي تظهر على أجنحة مختلف أنواع الفراشات, بحيث يعجز البشر على إطلاق أسماء على هذه الألوان...
ومنها: وجود عدد كبير من الألوان المختلفة على جناح الفراشة الواحدة, وهي مرسومة على شكل لوحات فنّيّة عجيبة, يعجز أعظم رسّامي البشر من تقليدها, خاصّة أنّها مرسومة على لوحات بالغة الصّغر إذا ما قورنت بلوحات الرّسّامين...
ومنها أيضاً: أنّ ألوان أجنحة معظم أنواع الفراشات, تتغيّر مع تغيّر زاوية نظر مشاهدها, وأنّ لها بريقاً لا يوجد في ألوان الأشياء الأخرى...
أمّا الميزة الأهمّ وهي المسؤولة عن الميّزات السّابقة فهي أنّ الطّريقة التي تتولّد من خلالها ألوان الفراشات, تختلف تماما عن تلك المستخدمة في بقيّة أنواع الكائنات الحيّة وكذلك الجمادات, ففي هذه الطّريقة يتمّ استخدام تقنيّات بالغة التّعقيد, تعتمد على ظواهر فيزيائيّة متعدّدة للحصول على هذا التّنوّع الهائل في ألوان أجنحة الفراشات...
إنّ هذه التّقنيّات التي أودعها الخالق في أجنحة حشرة الفراشات, تحتاج إلى تصاميم بالغة الدّقّة, لبنى هندسيّة تقاس أبعادها بوحدات النّانومتر, والنّانومتر هذا هو جزء من بليون جزء من المتر, وعادة ما يوجد في أجنحة الفراشات أكثر من طبقة فلميّة, للحصول على ألوان زاهية ونقيّة, ذات شدّة عالية وحساسيّة كبرى للضّوء المنعكس...
وكذلك يتمّ إستخدام سطوح محدّبة أو مقعّرة للحصول على ألوان مختلفة لنفس سمك الفلم, حيث أنّ اللون المنعكس يعتمد على زاوية السّقوط...
وأمّا الآليّة الهامّة في البنية التّكوينيّة لألوان أجنحة الفراشات, فتعتمد على ما يسمّى بمحزّزات الحيود, وهي عبارة عن نتوءات أو أخاديد تعمل على سطح المادّة على شكل حزوز متوازية, وعندما يسقط الضّوء عليها, فإنّ الضّوء ينعكس بزوايا مختلفة, وذلك حسب طول الموجات المكوّنة لهذا الضّوء... أيّ أنّها تعمل عمل المنشور الذي يقوم بتحليل الضّوء الأبيض إلى ألوان الطّيف المختلفة, ويتكوّن جناح الفراشة من مادّة جلاتينيّة شفّافة تستخدم كقاعدة لوضع البنى الهندسيّة, وهي عبارة عن حراشف شفّافة يبلغ طول الواحدة منها حوالي المئتيّ ميكرومتر وعرضها حوالي السّبعين ميكرومتر, ويتمّ تحديد اللون أو الألوان التي تعكسها هذه الحراشف من خلال التّحكّم بسمكها وأبعاد الحزوز الموجودة عليها, وقد قام العلماء بإستخدام الميكروسكوبّات الإلكترونيّة في دراسة تركيب أجنحة الفراشات, وأظهرت لهم الصّور هذه البنى الهندسيّة الدّقيقة الموجودة على حراشفها, وقاموا بقياس أبعاد هذه البنى وقد بينت حساباتهم أنّ لون الضّوء المنعكس عنها يتطابق تماما مع لون الضّوء الفعلي, وعليه فإنّ تصميم أبعاد البنى الهندسيّة الموجودة على الأجنحة عمليّة في غاية الصّعوبة وسيقف البشر عاجزين عن تقليدها مهما بلغ التّطوّر في تقنيّات تصنيع الإلكترونيات وتقنيّات النّانو...
وصدق الله العظيم القائل: (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِين...)...
إذا لجأنا للتّوصيف العام للفراشة, كمدخل لإبتكار مدرستي الفنّيّة للرّسم والتّشكيل الفراشي التّماثلي... فإنّ للفراشة زوجان من الأجنحة، زوج أمامي وزوج خلفي... وتعمل شبكة من الأوعية تجري عبر الأجنحة، ومليئة بالهواء، كدعامات للأجنحة... والأجنحة صلبة قرب حوافّها الأماميّة، وقرب قواعدها، ولكن حوافّها الخارجيّة مرنة، ولذا تنثني عند خفقها أثناء الطّيران، ممّا يدفع الهواء إلى الخلف والفراشة إلى الأمام، بينما تمنح حوافّ الأجنحة الأماميّة الارتفاع للحشرة أثناء طيرانها للأمام...
ولا يمكن للفراشات الطّيران, إذا كانت درجة حرارة أجسامها أقل من 30°م... ينما تكون درجات حرارة الهواء حولهما أقلّ من هذه الدّرجة، يتعيّن على كلّ الفراشات تسخين عضلات الطّيران، ّإمّا بتعريض أجسامها للشّمس، أو بهزّ أجنحتها هزّاً متواصلاً، وبذلك تمتصّ عضلات الطّيران الحرارة الكافية التي تجعل الطّيران ممكنا... ويحدِّد كلٌّ من حجم الفراشة، وحجم أجنحتها الطّريقة التي تطير بها...
ففراشات الصّقلاب والفراشات خطّافيّة الذّيل مثلاً، لها أجسام صغيرة وخفيفة، وأجنحة كبيرة... وتطير تلك الفراشات بخفق أجنحتها ببطء. وهي جيّدة الإنسياب في الهواء، ويمكنها الطّيران لمسافات طويلة... ومن ناحية أخرى فإنّ الواثبات ذات أجسام كبيرة وثقيلة، وأجنحة صغيرة مدبّبة، ممّا يتعيّن عليها خفق أجنحتها بسرعة لتظلّ في الهواء... ولذا فإنّ الواثبات لا ترتفع عالياً ولا تتزلق بسلاسة في الهواء ولكنّها تطير بسرعة لمسافات قصيرة... وتغطي أجنحة الفراشة حراشف دقيقة مسطّحة متداخلة فيما بينها... وهذه الحراشف مصدر الألوان والتّشكيلات الرّائعة الموجودة في أجنحة الفراشات...
وتحتوي بعض الحراشف على الأصباغ, أيّ مواد تلوين, التي تعطي الألوان السّوداء والبنّيّة والحمراء والبيضاء والصّفراء، بينما تنتج أنواع أخرى من الحراشف الألوان، بعكسها للضّوء على أسطحها... ومن الألوان المعدنيّة البرّاقة التي تعكسها تلك الحراشف, اللونان الأزرق والأخضر...
وألوان الفراشات الجميلة هي ألوان تحذيريّة, فكأنّها تقول للخواتل وخاصّة للطّيور: إحذرو فأنا سامّة... إنّها حالة الفراشة الملكيّة الشّهيره في أمريكا الجنوبيّة وهي برتقاليّة وسوداء, أو حالة المذنّبه, المقون, وهي سوداء وصفراء...
ولبعض الفراشات عيون على اجنحتها, وذلك لإخافة أعدائها... وهي شديدة الحيلة ومذهلة... فالفراشات البومة عندما تفتح جناحيها, تقلّد رأسا كبيرا لأحد الكواسر... أمّا الصّمل فيقلّد رأس ميّت... فيما تقلّد فراشات أخرى رؤوس الأفاعي.. .
هذا, وأجناس الفراشات حوالي الماية والأربعين ألف جنس, ومن المعتقد به أنّ الفراشات قد ظهرت على الأرض منذ مائتيّ مليون سنة...
والفراشات أنواع وأشكال وألوان، والفراشات هي أكثر الحشرات تألّقاً، وعند بلوغها فإنّ الكثير منها تعيش أجنحتها لعدّة أسابيع فقط، حتّى فترة التّزاوج ومولد الأجيال الجديدة منها...
وللفراشة الوان متعدّدة وجميلة ومرسومة بأشكال هندسيّة بديعة, وهذا بفضل صبغيّات ألوان تفرزها الفراشة نفسها, وبفضل عواكس دقيقة تعكس ضوء الشّمس فتصدر عنها ألوان رائعة...
فالفراشة إذن هي واحدة من أجمل الحشرات قاطبة، ولذا فُتن النّاس بجمال أجنحتها الرّقيقة ذات الألوان الجذّابة. وكان جمال هذه الفراشة مصدرًا من مصادر إلهام الفنّانين والشّعراء، وإستحوذت هذه الحشرة الجميلة على مساحة واسعة في المعتقدات الدّينيّة عند بعض الشّعوب القديمة، حيث كان قدماء الإغريق يعتقدون أنّ الرّوح تغادر الجسد بعد الموت، على شكل فراشة، ولذا كانوا يرمزون للرّوح بفتاة لها أجنحة فراشة تسمّى بسيشة...
إنطلاقا من هذا التّوصيف العلمي والجمالي لأجنحة الفراشات, التي تُعتبر من أجمل وأبدع صنع الخالق الإعجازي في خلقه للحشرات... ومن منطلق تلك الحقبة الزّمنيّة التي قضيتها في أحضان السّهول البقاعيّة, التي تُحيط ببلدتي الصّغيرة والتي تتربّع هادئة, غربي مدينة الشّمس بعلبك, كون عائلتي وأبوّتي تمتهن في غالبيّتها الزّراعة والحياة مع الأرض... ومن منطلق بدء حياتي مع الحركة الكشفيّة اللبنانيّة, التي تعتمد في تربيتها على النّشاطات الخلويّة في أحضان الطّبيعة, وعلى شِدّة الملاحظة والإنتباه لكلّ ما يُحيط بالكشّاف من مكوّنات عناصر وأشياء الطّبيعة من أحياء وجماد... وكوني من المُتخصّصين والنّاشطين العاملين منذ شبابي, كفنّان تشكيلي ورسّام هندسي في المجالات الفنّيّة التّشكيليّة من رسم فنّي ورسم تشكيلي ورسم هندسي شامل, وأوصلتني سنوات عملي المديدة إلى الإكتناز بخبرات فنّيّة هندسيّة وتشكيليّة على جانب من الجودة التّقنيّة والإحترافيّة, إلى جانب إبحاري الدّائم والمستمرّ في نهل ثقافتي وعلومي ومعرفتي ووعيي من المصادر الموثوقة, وممارسة التّجارب والتّطابق والمقارنات بإستقراءات موضوعيّة وعلميّة وفنّيّة وجماليّة... وكان لجانب من دراساتي العلميّة والفنّيّة العديدة, موضوع بحثي مستفيض, قضى بالإهتمام بألوان أجنحة الفراشات الجميلة والزّاهية, والتي تنتشر بكثافة في سهولنا وأوديتنا وجبالنا اللبنانيّة, وتتماهى بها بساتيننا وحدائقنا وكرومنا وجنائننا... فألهمني الخالق تعالى حكمة ورحمة ومودّة, لأتفكّر في الإعجاز التّكويني لألوان أجنحة الفراشات, والإبداع التّماثلي بين هذه الأجنحة, التي تُعتبر من أجمل التّشكيلات الفنّيّة المعجزة... وتوصّلت بعد تجارب كثيفة وعديدة, لإبتكار مدرسة فنّيّة حديثة وعصريّة, تحتّ مُسمّى: مدرسة الفراشة لفنون الرّسم والتّشكيل التّماثلي, والتي تعتمد على أسس وقواعد هندسيّة دقيقة, تتوالد عنها لوحات ومشهديّات غاية في الجمال, من إنعكاسات جماليّات وتشكيلات ألوان وأشكال وعناصر تكوينات أجنحة الفراشات, والتي تتجلّى عظمة الخالق من خلالها...
هذا, وتعيش الفراشات في كلّ أنحاء العالم، ولكنّ أكثر الأنواع توجد في الغابات المداريّة المطيرة. وتعيش أنواع أخرى من الفراشات في الحقول والغابات كما يعيش بعضها على قمم الجبال الباردة والبعض الآخر في الصّحاري الحارّة. ويهاجر كثير من الفراشات لمسافات طويلة لقضاء الشّتاء في المناطق الدّافئة... . وتتلوّن الفراشات بكلّ ما يمكن تخيّله من الألوان... فقد تكون ذات ألوان زاهية أو باهتة أو برّاقة ومنسّقة، وبأنماط خياليّة باهرة...
ولقد صنّف العلماء آلاف الأنواع من الفراشات إلى فصائل تبعا للتّراكيب الجسديّة المتنوّعة التي يشيع وجودها في تلك الحشرات. وتشمل الفصائل الرّئيسيّة منها الأنواع التّسعة الآتية: 1- الواثبات 2- الزّرقاوات والنّحاسيّات والمخطّطات 3- ذوات الأقدام الفُرْشِيّة 4- الكبريتيّات والبيضاوات 5- ذوات العلامات المعدنيّة 6- السّاطيرات وحور الغاب 7- الفراشات خطّافيّة الذّيل 8- فراشات الصّقلاب 9- الفراشات ذوات الخُطُم...
التعليقات (0)