..
لايتوانى عن الفكاهة ..! هذا الرجل غريب في أطواره ،. لايهتم بـ شيء مطلقاً حتى أظن - أحياناً - أنه لايشعر بـ من حوله .. يعيش في خذره الدائم كـ الميت سريرياً في غرفة إنعاش لايوجد بها غيره ..!
نقز جالساً من إتكاء وهو يكاد يخترق الجريدة بنظراته الحادة وزعق عليّ بكل جرأة ..!
- تعال أقرأ آخر الأخبار ..
- ماذا،؟
" سائق باص في الرياض لأحد الكليات يصور البنات خفية ويبتزهن مهدداً بـ نشر صورتهن إذا لم تدفع كل واحدة 15000 ريال " شراء قيمة وجهها المكشوف ..!
ثم غمز لي ماكراً كـ قط ليلي أسود يتحايل ع فريسة منبهرة ..
- تتخيل كم وحدة في الباص ..!؟
- " ماهي قصتك يا حسين بالضبط " !؟
- يطالعني بابتسامة معوجة عكفت خده الأيمن رافعة ستار شفته لجزء من أسنانه..
- أقول : " شرايك نطارد ورا هالبنات ونلتقط صورهن ونطالبهن كما فعل سواق الباص ..!؟
- أضحك ..
- تتغير ملامحه فجأة ..!
يطالعني متأوهاً بـ حزن تساؤل بحجم الغرابة ولمعة في عينيه - لمحتها - تشبه فص زجاج مكسور ع شاطئ نصف القمر :
- ليش يسون كذا !؟
- أقطب شفتي وأدير رأسي مثل بوصلة مرتبكة..!
" حسين " الولد الوحيد بين ست فتيات .. رغم فكاهيته الفطرية الجميلة إلا أنه حين يحزن تنوح كل عوالم وجهه وتنطبع عليه ملامحاً آخرى تشبه انخفاس شمس في نهار مغيّم ..!
- أخاف ع أخواتي وخاصة أنني بعيد عنهن وعن همومهن ولا أخفيك مقدار حساسيتهن ورمانسيتهنّ ..
صرح لي قبل النوم مفضفضاً ..
- لاتهتم يارجل " البنات المتربيات الواعيات لايقعن في شراك ذكر عنكبوت بسهولة ليحيك خياطه الوهمية يستمتع بالشرنقة ع أجسادهن الطرية ونواياهن الحسنة " ..
أختتمت جملتي بتثاؤب صامت وعينين مثقلتين إذ جحافل النوم غزو ساطي ع جسدي المنهك والتكييف البارد قذيفة غازية عارية تجمدني عن الحراك والدلوف هارباً في عمق بطانيتي الخضراء الكورية المزركشة بورد الفل ..
استسلمت - الآن - ودخلت في عوالم مختلفة بين اليقظة والمنام أجس بيدي السقف وهو يقترب ببطء من جسدي .. أحاول أن أتطاول تلك الأرواح التي تدور في أعلاه .. بيضاء موشحة بأثواب من حرير ساطعة من أعلاها إلى أسفلها بـ قطب من نور يضغط ع عيني حتى لايمكنني التركيز ع ملامحها الساطعة بدأت رحلة زفافي إلى ملكوت متناثرة الزهور ع رأسي وصدري وأنا ألتقط بعضها وأشمه فلا أرى له رائحة إذا أختلطت عندي كل أنوار الروائح وفقدت حاسة الشم وبعدها دخلت في كهف مظلم..!
شخصت مرة آخرى وقد نبت لي ذيل أحمر وبيدي عصا مقوسة من الأعلى كأنها هلال يتيم في ليلة دامسة السواد ..!
كان في يدي الآخرى ظرف أبيض .. فتحته بعد أن جلست ع تلة رملية وأيقضت قنديلاً صدئاً كان مرمياً ع هاوية النهر الجاف .. فـ وجدت صفحة مطبوعة بصورة شخصية لفتيات .! فـ وجست في داخلي فرصة نادرة وفكرت مثل ذاك القط الأسود ذو العين المفقوعة الذي يجر ضحاياه نحو هدفه لينقظ عليهم ويتلبسهم ليحققوا له نواياه الشريرة ..
طفر في رأسي سؤال : " لماذا لا أبتز هؤلاء بـ صورهن مثل سواق الباص " !؟ بدأت أحيك خيوط جريمة تدني من البشاعة مبتعد عن القيم الأخلاقية والإنسانية في ذات شيطان رجيم ..
انتبهت ع صوت مؤذن يصدح مثل ديك عجوز ع جدار طيني قديم يتحشرج وفي حلقه أثر الليل .. لواهب من حرَّ كادت أنّ تنهي آخر قطرة ماء من جسدي المسجى ع حواف سرير يشبه مرتفع بلاط الموتى وأنا معرى من قيم الإنسان غائص بوجهٍ آخر داخل ذوات النفس المريضة بعدد من الأقنعة يخبئها داخلي شيطان عري يدر عليَ الرضى والاستمتاع بالرقص ع جثث الضحايا والأبرياء والمغفلين ..!
صوت " حسين " يبدو واضحاً كانجلاء ليل بتبدد ضوء ساحر يكشف عورة السماء مسدلاً بساط من أرواح ملائكة بيض طليقة وصوت رخيم تكاد أن تتوهج منه الشمس وهو ينطق كـ عصفور حنون مرتجف يمسح بجناحه ع بناته الصغار مخاطباً أخته الوسطى :
" انتبهي ياقلبو وأنت ذاهبة للجامعة وغطي وجهك في الباص " ..!
.
بقلم : حسن عبدالله
التعليقات (0)