عندما نستقرئ صفحات التاريخ، تستوقفنا مسألة أساسية ترتبط بالتراكم الحضاري ومساهمة شعوب العالم في صنع تفاصيله والمشاركة في صياغة ملامحه عبر سيرورة الزمان. وفي مناقشة هذا الموضوع يطرح السؤال التالي بالحاح شديد : ما دور العرب والمسلمين في الحضارة الانسانية؟.
من الطبيعي جدا أن يردد الكثيرون على مسامعنا اجابة جاهزة، تتغنى بالدور الريادي للعرب والمسلمين في ما وصل اليه العالم اليوم من تقدم وازدهار قي كل مناحي الحياة. والحال أن هذه الاجابة مجانبة للصواب، و هي صادرة عن شعور عاطفي ضيق، يجعل مرحلة معينة من تاريخ المسلمين سببا مباشرا للتقدم البشري الذي نعيشه اليوم. واذا كان منطق التاريخ يفرض وصلا مستمرا بين الماضي والحاضر والمستقبل، من منطلق أن التراكم الحضاري يقتضي دائما الربط بين السابق و اللاحق للحفاظ على الاستمرارية، فان دور العرب والمسلمين في ذلك لا يرقى الى مستوى المشاركة الفعلية في صناعة الواقع العلمي المزدهر. والتاريخ يشهد أن حضورهم لم يكن في أحسن الأحوال يتعدى دور قنطرة للعبور كما هو الشأن في الفلسفة، حيث كانت شروح ابن رشد لأرسطو وسيطا فكريا نقل التراث اليوناني الى أوربا في القرون الوسطى ، وساهم في أول صدمة حقيقية هزت العقل الغربي الذي انتبه الى أوجه الاختلاف بين تعاليم الكنيسة و الوافد اليوناني الجديد بجرأته الكبيرة.... لذلك ينظر الغربيون أنفسهم بكثير من الاعجاب لابن رشد على هذا المستوى.
ابن رشد اذن يعد واحدا من الأسماء المسلمة القليلة التي يمكن تعدادها عبر تاريخ الحضارة الانسانية الى جانب ابن سينا في الطب، و الخوارزمي في الرياضيات، و ابن باجة في الفيزياء. ومساهمة هذه الأسماء لم تكن بتلك الفعالية التي يمكن أن تمنح للمسلمين دورالسبق العلمي كما يحاول الكثيرون ايهامنا، ولم تبلغ مستوى الطفرات التي حققها علماء غربيون أمثال جاليلي و اسحاق نيوتن و توماس أديسون و لويس باستور وغيرهم... ذلك أن المحاولات العلمية التي قام بها هؤلاء (العلماء المسلمين) لم تبلغ درجة البداية الحقيقية للعلم، والسبب أن كل تلك الجهود تمت في اطار منظومة فكرية قاصرة وخاطئة، ورثها العالم من علم الفلك البطليموسي الذي سيجته الفلسفة الأرسطية نظريا. وظلت محاولات التنوير قي العالم الاسلامي تدور في فلك هذه الثنائية البطليموسية الأرسطية، وهو مالم يؤهلها للمشاركة في ما وصل اليه العالم اليوم من حضارة وتقدم تكنولوجي لأن شروط المعرفة العلمية الحقيقية لم تكن حاضرة وقتئذ.... أما البداية الحقيقية للعلم فقد تمت عندما نجح العقل الغربي في احداث القطيعة مع منظومة الموضوع تلك، والتي قوض أركانها " كوبرنيكوس" عندما استنتج أن مركز العالم هو الشمس وليس الأرض، فكانت صدمة العقل الغربي الثانية التي استفاق معها الأوربيون من سبات الحجر الكنسي. وأكمل " ديكارت " بعد ذلك رسم ملامح المرحلة الجديدة، فكانت الولادة الفعلية لمنظومة الذات والتي دشنها صاحب الكوجيطو بقولته الشهيرة في (مقال في المنهج ): " علينا أن نكون سادة الطبيعة ومالكيها ".... وخلال هذه المرحلة التي تؤرخ للعصر العلمي فعليا، والتي قرر فيها الغربيون السيادة على الطبيعة، كان العرب قد دخلوا غيبوبتهم الطويلة، وفاتهم بذلك قطار الحداثة والتنوير والعلم. وهذا يعني أن الحديث عن مشاركة العرب والمسلمين في صنع الحضارة الانسانية أمر يحتاج الى اعادة نظر.
إن ما وصل اليه الانسان من تقدم وازدهار في مختلف المجالات كان دائما يتم في ظل غياب تام للمسلمين، وهو غياب مازال قائما. ولم يعد من دور لهذه الأمة إلا الاستهلاك و المنافسة في تحطيم أرقام "غينيس" القياسية قي كل ماله علاقة بشهوات البطن. محمد مغوتي. 03/04/2010.
التعليقات (0)