أي استراتيجية لتدبير تحديات المعركة الحقوقية أمام البوليساريو؟
عبـد الفتـاح الفاتحـي
تقود جبهة البوليساريو على المغرب هذه الأيام حربا ضروسا بالأمم المتحدة لتسويد صورته الحقوقية في الصحراء، وذلك بالتزامن مع اجتماع اللجنة الخاصة لمجموعة الـ 24 التابعة للأمم المتحدة عبر استعراض ادعاءات بانتهاك المغرب لحقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية.
تستمر الدعوات التحريضية لجبهة البوليساريو الانفصالية على المغرب، حيث تتقن لعب دور الضحية الأبدية لاستجداء عطف المنظمات الإنسانية الدولية. فبعدما أوفدت وفدا كبيرا للرفع من حدة الضغط الممارس على المغرب، حيث أعاد ممثلوها أمام اللجنة الخاصة لمجموعة الـ 24 التابعة للأمم المتحدة بنيويورك ادعاءاتها على المغرب، انتقل عبد العزيز المراكشي إلى ايطاليا لإلقاء مداخلة حول حقوق الإنسان في الصحراء.
وإذ يرتفع صوت البوليساريو بهذه الادعاءات التي تضرب بعمق رمزية السيادة السياسية والترابية على الأقاليم الجنوبية، يخفت صوت المغرب، تاركا المجال أمامها لربح مزيد من التعاطف معها.
وعليه، فإن المغرب يعيش تحديات حقوقية كبيرة، تهدد سيادته العملية على الأقاليم الجنوبية في حالة ما إذا خسرنا المعركة الحقوقية أمام البوليساريو، ما لم يستطع تطوير تكتيكاته في إدارة الصراع مع الجبهة على مستوى انتهاكات حقوق الإنسان.
وتتزايد حملة ضغوط المنظمات الحقوقية على المغرب بصدور تقارير حقوقية تسيء إلى صورته الحقوقية، كما هو الحال في تقارير منظمتي "فريدم هاوس" و"هيومن وتش روتش" حين تتحدث عن انتهاكات حقوقية في الصحراء. واقع يفرض تحديات حقيقية على الدبلوماسية المغربية تعسر مهمتها في إقناع المنتظم الدولي بشرعية سيادته الترابية على الأقاليم الجنوبية.
كما هاجمت عدة وفود غربية المغرب بسبب الوضع الحقوقي خلال الدورة الأخيرة لمجلس حقوق الإنسان بجنيف. حيث عبرت الحكومة الأمريكية عن قلقها الشديد حيال تراجع الوضع الحقوقي في المغرب، وهو الأمر الذي عبر عنه وفد السويد والذي دعا المغرب إلى احترام التزاماته الدولية والقانون الدولي، في ذات الصدد طالبت اسبانيا المغرب بتكثيف الجهود من أجل محاربة حالات التعذيب وغيره من المعاملات السيئة، و"المصادقة على البروتوكول الاختياري المكمل لمعاهدة مناهضة التعذيب وغيره من المعاملات القاسية والماسة من الكرامة والمهينة".
كما تحدث التقرير الأممي التركيبي عن قلق حقوقي بخصوص الوضع الصحي بالمغرب، وقال بأن "الحق في الصحة ليس مدرجًا في الدستور، ولاحظ أحد التقارير أنه "رغم الإصلاحات التي أجريت لتحديث النظام الصحي، فإن السياسات العامة ما زالت لا تستجيب لاحتياجات الضعفاء". كما سجل عليه عدم احترام وضعية اللاجئين كالالتزام بالرعاية الصحية والتعليم والتنقل وبتفعيل مكتب اللاجئين وعديمي الجنسية التابع لوزارة الخارجية والاعتراف بالحقوق الأساسية للمهاجرين واللاجئين، تماشيًا مع الاتفاقيات الدولية.
وإذ يتأكد بأن تأثيرات الورقة الحقوقية التي تحمل بها البوليساريو على المغرب جد قوية ، فإن ملف انتهاكات حقوق الإنسان الذي تحمل به الدبلوماسية المغرب على البوليساريو جد ضعيف ولا يكاد يكون له أدنى تأثير حتى أن التقرير الأخير لبان كي مون حول الصحراء لم يصل إلى مستوى إدانة انتهاكات حقوقية في مخيمات تندوف.
ومن جهة أخرى، فإنه على الرغم من أن وضعية سكان مخيمات تندوف في عرف القانون الدولي الإنساني، محتجزون بالقوة العسكرية من طرف البلد "المضيف الجزائر" وصنيعته البوليساريو، وهو وضع غير مقبول حقوقيا، يتعارض مع مبادئ حق العودة الطوعية وحرية التجول أو التنقل إلى بلد ثالث أو الاندماج في الجزائر، أي وفقا لمعاهدة جنيف 1951، إلا أن الدبلوماسية المغربية لا تمتلك استراتيجية متقدمة للترويج لهذه الاختلالات وأخرى مثل نفي السيد مصطفى ولد سلمى إلى العاصمة الموريتانية النواكشوظ، وكذا ملف المتاجرة بالمساعدات الغذائية المخصصة للمحتجزين في مخيمات تندوف، وغيرها من ممارسة القمع ضد الشبان المطالبين بتغيير قيادات البوليساريو.
إن الدبلوماسية المغربية تبقى في الحاجة إلى المزيد من تنفيذ "استراتيجية دفع الخصم إلى الحائط" لتفادي تحديات لعنة حقوق الإنسان التي تجد تعاطفا واسعا لدى الرأي العام الدولي، في وقت لا تمتلك فيه الدبلوماسية المغربية استراتيجية حشد التأييد الحقوقي لتنفيذ توصيات الأمم المتحدة المتعلقة بإحصاء سكان مخيمات تندوف، وإدانة قرار البوليساريو القاضي بنفي مصطفى ولد سلمى خارج المخيمات بعيدا عن أهله، فضلا عن أدلة تؤكد ارتباط أعضاء من البوليساريو بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وكذا المتاجرة في المساعدات الغذائية الدولية المقدمة لسكان المخيمات.
التعليقات (0)