من أيِّ طينٍ خُلقت، ومن أيِّ عجينٍ صُنعت، ومن أيِّ ماءٍ مهينٍ جُبلت، ومن أيِّ السلالات انحدرتَ وتحدرتَ وتجذرت، وأيّ عربيٍّ أنت يا من هانت عليك نفسك، فبعتها جذلاً لألد أعداء أمتك، وتخليت عنها فرحًا لأعدى أعداء الإنسانية، وسفحتها رخيصةً ذليلةً على مذابح الفجور والغرور والتبعية، وقدمتها صاغرًا مهانًا تدوسها الأقدام، وسُقتها ذليلةً حقيرةً تلهو بها الأقوام، ويسخر من جهلها وجهالتها وتخلفها وهوانها وذلها الأنام؟؟ أيُّ عربيٍّ أنت؟ وأيُّ مسلمٍ أنت؟ وأيُّ إنسانٍ أنت؟ وأيّ مخلوقٍ أنت يا من امتهنت القتل، والتدمير، والتفجير، وسفك الدماء، وترويع الآمنين والآمنات، والبريئين والبريئات من عباد الله الغافلين، وإمائه المحصنات الغافلات العابدات العاكفات في بيوتهن على خدمة أسرهن، وتربية أطفالهن؟؟ أعربيٌّ أنت؟ ومتى كان العربي عدوًّا لأمه وأبيه؟ ومتى كان العربي عدوًّا لصاحبته وبنيه، وعشيرته التي تؤويه، وبلدته التي تُطعمه وتُسقيه، وتعلمه وتحكّمه وتربيه وتحميه، لا، لست عربيًّا، وإن العروبة بريئةٌ منك، وإن كنت تحمل اسمًا عربيًّا، وإن كنت أيضًا ممن يتكلمون العربية، إن العروبة ثقافةٌ وسلوكٌ وتربيةٌ وانتماء، وإن العروبة نهجٌ وإخلاصٌ وشرفٌ ووفاء، وأنت غادرٌ فاجرٌ حاقدٌ خائنٌ لهذه التربة التي نمتك، والأرض التي أنبتتك، والأمة التي أنجبتك وتعهدتك بالرعاية والحماية والسقاية والرفادة والأمان والحنان.. لست عربيًّا!! فليس عربيًّا من يحارب أمته، وليس عربيًّا من يخون عشيرته، وليس عربيًّا من يتنكر لأمته، وإن تزيّا بزيّها، ونطق بلسانها، وتظاهر كذبًا ورياءً بالانتساب إليها، لأن ولاءه لأعدائها، ولأن مكانه في صفوف أعدائها، وفي خنادقهم وفنادقهم، ولأن حقده على هذه الأمة ربما كان أشد من حقدهم عليها، فعقولهم قد تشفع لهم، وثقافتهم قد تردعهم عن ارتكاب كثيرٍ من الحماقات التي قد يرتكبها بعض من يدّعون الانتساب إلى هذه الأمة، والأمة منهم بريئة، والعروبة منهم بريئة، والعشيرة والعائلة منهم بريئة، وأقرب أقربائهم براءٌ منهم إلى يوم يُبعثون!!.
أيُّ عربيٍّ أنت يا من بتَّ عارًا على العروبة، وعارًا على تاريخها وثقافتها وآدابها وعلومها، وعارًا على رجولتها وانتصاراتها وفتوحاتها وحضارتها، وعارًا على عدلها وعدالتها وعزتها وكرامتها واستقامتها وإبائها وسموها ورفعة مكانتها بين الشعوب؟؟ وإن لم تكن عربيًّا أتكون مسلمًا؟؟ ومتى كان الإسلام الذي أخرج البشرية من الظلمات إلى النور آلة قتل، ووسيلة إبادةٍ وفناء، ودعوة تدميرٍ وتفجير، ورسالة عدوانٍ واعتداءٍ على الناس في أرواحهم وأموالهم وأعراضهم وأمنهم وأمانهم؟؟ متى كان الإسلام عدوانًا على الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى والشباب والفتيان؟ ومتى كان عدوانًا على الشجر والحجر والبشر؟ ومتى كان عدوانًا على عباد الله الآمنين يا عباد الله؟؟ أهذا ما دعانا إليه رسولنا الكريم؟ أهذا ما يُفهم من قوله عليه السلام: "المسلم للمسلم كالبنيان"؟، وقوله: "المسلم من سلم الناس من لسانه ويده"؟، أهذا ما يُفهم من قول سيد المرسلين: "المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يدٌ على من سواهم؟"، أهذا ما يُفهم من وصايا أبي بكرٍ لجيوش الفتح المنطلقة لتحرير أقطار العروبة من المحتلين الغاصبين؟ أهذا ما يُفهم من سيرة عمر وعثمان وعلي؟ هل دعا هؤلاء إلى قتل الناس، والعدوان عليهم، والتنكيل بهم، واغتصاب نسائهم، وتخريب ممتلكاتهم، ووضع اليد على أموالهم؟ أهذا ما يُفهم من قول رب العزة: "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما بالعدل وأنصفوا؟"، أهذا هو الصلح والإصلاح؟ أهذا هو العدل والإنصاف؟ أهذا هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ أهذا هو التخلق بأخلاق الإسلام، والتأدب بآدابه؟ أهذه هي الفتنة التي وأدناها، وقضينا على أسباب هبوبها وشبوبها ونشوبها وهياجها واضطرابها والقضاء على مسبباتها وأسبابها؟ أم هي الفتنة التي كانت نائمةً فأيقظناها لتحرق الأخضر واليابس، ولتهلك الحرث والنسل؟ ألا لعن الله موقظها! وما الذي جنته هذه الأمة من هذه الفتنة العمياء، والجهالة الجهلاء؟ أهذا ما يوجهنا إليه رب العزة إذ يقول: "إنما المؤمنون إخوة؟"، وإذ يقول جل من قائل: "والفتنة أشد من القتل؟"، أين أنتم يا كل دعاة التكفير والتهجير والتدمير؟ ماذا تقولون في هذه الآيات المحكمات، وماذا تقولون في هذه التعليمات والتوجيهات، وفي هذه الآيات البينات؟ ماذا تقولون في كتاب الله، وفي سنة رسول الله، وفي سيرة خلفائه الراشدين، وفي صفحات المجد والخلود التي سطرها أولئك القادة العظام من الأُباة الحُماة الفاتحين؟؟ إن كنتم مسلمين فعودوا إلى كتابكم، وعودوا إلى سنة نبيكم، واعملوا على إصلاح هذه الأمة، واعملوا على نهضتها بالوعي والفكر والحكمة والموعظة الحسنة.. إن كنتم مسلمين فاعملوا في الحال على حقن هذه الدماء التي تريقونها في كثيرٍ من ديار العروبة والإسلام، ولتتقوا الله فيما تقولون، وفي ما تفعلون!! ولتسألوا أنفسكم أين هي فلسطين، وأين هو لبنان، وأين هي وحدة بلاد الشام، وأين هي وحدة بلاد الشام مع العراق، وأين هي وحدة بلاد العرب، وبلاد المسلمين من كل هذا الذي تفعلون؟؟ ومن كل هذه الأخطاء والخطايا، ومما يجري ويدور على كل أرض العرب، وفي كل ديار المسلمين من فظائع وكبائر وموبقات؟؟.
أيُّ عربيٍّ أنت؟ وأيُّ مسلمٍ أنت؟ وقد بتَّ عارًا ودمارًا وشنارًا على أمة العروبة والإسلام؟؟ وإن لم تكن عربيًّا، ولا مسلمًا فماذا تكون؟ أتكون إنسانًا؟ لا والله، فالإنسانيةُ بريئةٌ من كل هذه الأفعال، والإنسانية بريئةٌ من كل هذه المجازر التي تُرتكب في كثيرٍ من ديار العروبة، وفي كثيرٍ من بلاد المسلمين، فليس من الإنسانية في شيء كل هذا العدوان، وكل هذه الكبائر والموبقات التي ترتكبونها يا دعاة الفتنة بحق الأبرياء.. وليس من الإنسانية في شيء غزو الشعوب واستعبادها، وليس من الإنسانية في شيء كل طبائع الاستبداد والاستعباد، وكل وسائل القتل والدمار والتخريب والتدمير والتفجير التي شهدتها الشعوب عبر تاريخها الطويل، ولا تزال.. لا ينتمي إلى الإنسانية من يُنكل بالناس، ومن يقتل الناس، ومن يُفسد على الناس حياتهم، ومن يعبث بأمن الناس وأمانهم، ومن يُهجر الناس من بيوتهم وأوطانهم، ومن يتاجر بدماء الناس وحاجاتهم واحتياجاتهم.. تقضي الإنسانية باحترام إنسانية الإنسان، وتقضي بتقديم كافة وسائل العيش الكريم للإنسان، وتقضي بتعليمه وتقويمه وتربيته وعلاجه، وتوفير كل احتياجاته وحاجاته، وتقضي باحترام حقه في القول والتفكير والتعبير، وحقه في العمل، والعيش بأمنٍ وأمانٍ وكرامةٍ وعزةٍ واطمئنان.. فما الذي يمكن أن نقوله في هذا الذي يجري في كثيرٍ من ديار العروبة والإسلام؟ وهل هذا الذي يجري يوفر للشعوب حريتها وعزتها وكرامتها، أم أنه يزيد من معاناتها، ويزيد الطين بِلةً، هل هذا الذي يجري، ويقف من خلفه كل أعداء هذه الأمة من شأنه أن يخلص هذه الشعوب من معاناتها؟ وهل ما يجري من شأنه أن يعيد لهذه الشعوب كرامتها وحريتها، أم أن أعداء هذه الشعوب الذين يقفون خلف كل هذا الذي يجري إنما يريدون مزيدًا من إذلال هذه الأمة، ومزيدًا من تمزيقها وتفتيتها، ومزيدًا من السيطرة على الأرض العربية، ومزيدًا من السيطرة على ديار المسلمين في شرق الدنيا وغربها؟؟ إن المراقب المتتبع لسير الحوادث والأحداث قد بات مقتنعًا بأن ما يجري ليس في مصلحة هذه الشعوب، وأنه على العكس من ذلك إنما كان من ابتكار أعداء هذه الأمة لإذلالها وتجويعها وتركيعها وتمزيقها والقضاء على فرصها في التقدم والتطور والوحدة والحرية والتحرر والتحرير، وإن المراقب المتتبع لسير الحوادث والأحداث في كثيرٍ من ديار العروبة قد بات أكثر من مقتنع بأن المستفيد الوحيد من هذا كله هو العدو المتربص بنا الطامع فينا، وأن الخاسرين هم أهل هذه الديار، ومن عجبٍ أن نجد كثيرًا من أبنائها يخوضون في هذه الفتنة العمياء التي يقودها أعداؤها، ويخطط لها المخططون من ألد أعداء هذه الأمة في كل ديار العروبة والإسلام!! ومن عجبٍ أيضًا أننا لم نقرأ جيدًا قول رب العزة: "ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا، ويُشهد الله على ما في قلبه، وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعى في الأرض ليُفسد فيها، ويُهلك الحرث والنسل، والله لا يحب الفساد"!! فهل يقرأ هؤلاء الأعراب جيدًا قول رب العزة هذا؟ وهل يفهم هؤلاء الأعراب ما يقرأون؟ وهل يملكون الجرأة على مواجهة الرأي بالرأي، والفكر بالفكر، والحجة بالحجة، والبرهان بالبرهان، أم أن تبعيتهم لأسيادهم قد أعمت أبصارهم وبصائرهم، وزينت لهم نفوسهم التي باعوها منذ أمدٍ بعيد لألد أعداء هذه الأمة سوء ما يقولون، وسوء ما يفعلون؟! ألا ساء ما يحكمون.
إن العربي المسلم الشريف لا يمكن أن يكون حربًا على قومه، وإن العربي المسلم الشريف لا يمكن أن يؤذي أحدًا بقولٍ أو فعل، وإن العربي المسلم الشريف هو دائمًا داعية صلحٍ وإصلاحٍ بين الناس، وإنه دائمًا وأبدًا إنسانٌ طيبٌ فاضلٌ إيجابيٌّ يبني ولا يهدم، يحب الخير للناس جميعًا، ويسعى في إعمار الأرض وإصلاحها، وهو صادقٌ مخلصٌ في القول والعمل.. فهل من حقنا بعد هذا كله، أو قبل هذا كله أن نتوجه إلى كل هؤلاء الذين يخوضون في هذه الفتنة العمياء، وإلى كل هؤلاء الذين يهرفون بما لا يعرفون بقولنا: أيُّ عربٍ أنتم؟ ومن أيِّ طينةٍ خُلقتم؟ من أنتم؟ من أنتم؟ وأيُّ عربٍ أنتم؟
التعليقات (0)