مواضيع اليوم

أيهما سقط: الجزيرة أم نظرية دارون؟

نزار النهري

2011-09-15 21:30:30

0

"سقطت نظرية داورن التي تدّعِي أن الإنسان أصله قرد"
هكذا حكمت محكمة الجزيرة القطرية:
http://www.dailymotion.com/video/xapeoh_adieu-lucie-bonjour-ardi_tech
تقول مذيعة الجزيرة بأن العلماء : ((كشفوا النقاب عن أقدم أثر للجنس البشري على الأرض، وهو هيكل عظمي لأثيوبي(ة) مبطلين به الافتراضات القديمة بأن الإنسان تطور من أصل قرد)).
وبعد هذه المقدمة المضللة يسقط الحكم على نظرية النشوء والارتقاء الداروينية مثلما تسقط المقصلة على رقبة المحكوم عليه بالإعدام: ((وهكذا قرر فريق للعلماء يتألف من أكثر من جامعة أمريكية)).
لنستمع إلى خبر سقوط نظرية دارون في الجزيرة القطرية حتى نهايته:
أنقل لكم الخبر كاملا: ((سقطت نظرية داورن التي تدعي أن الإنسان أصله قرد. فقد كشفوا عن أقدم أثر معروف للبشر وهو هيكل عظمي في أثيوبيا كان أقرب لهيئة الإنسان، ويتجول في الأرض قبل اربعة ملايين وأربعمائة ألف سنة، أطلق عليه اسم أردي وعرضوه ليبطلوا به النظرية القائلة بأن أصل الإنسان قرد. وبهذا الهيكل تعرف الباحثون على معلومات تتعارض مع تلك التي استقاها العلماء في السبعينات من هيكل لوسي الشهير. فاردي أقدم من لوسي بمليون سنة.
وعلى لسان أحد العلماء كشاهد على حكم الجزيرة نسمع (الفيديو): ((إذا سألت أي شخص في الشارع الآن عن تصوره لشكل أجدادنا فسيقول لك ربما يشبهون لوسي وإذا سألت أحدا قبل هذه الأيام فسيقول لك: يشبهون الشمبانزي. إن الهيكل الذي بين أيديكم الآن يثبت علميا أن التصورات السابقة غير صحيحة بتاتا)).
ثم تستخلص الجزيرة: ((ويعتقد العلماء أن هذا الكشف هو أوضح دليل عرفوه حتى الآن يثبت أنه لا صلة بين أصول الإنسان وأصول القرود حيث كان يمشي هذا الهيكل على قدميه كالإنسان وليس كالقرد)).
ثم نسمع أحد العلماء ((بإمكاننا أن نرى ونظرا لقدم هذا المخلوق أنه تطور بمواصفات خاصة تشير إلى أنه من شجرة عائلتنا وأنه ليس من شجرة عائلة الشمبانزي)).
وتقرر الجزيرة أخيرا : ((آردي هو أكثر الهياكل العظمية التي عثر عليها اكتمالا بين العينات حتى الآن وقد عثر عليه عام 94 في صحراء عفار الأثيوبية بموقع ليس بعيدا عن الموقع الذي عثر فيه على هيكل لوسي عام 1974 ويتوقع أن يمثل هذا الكشف ضربة جديدة لنظرية دارون التي ظلت مثيرة للجدل منذ القرن التاسع عشر)).
بعد هذا تستضيف القناة الدكتورة رقية أبو شرف أستاذة الأنثروبولوجيا بجامعة جورج تاون وما أدراك ! وهو ما يزيد في إبهار المستمعين ويسهل خداعهم، وحاول الصحفي عدة مرات أن ينتزع منها ما أراد من تسقيط نظرية دارون وجرها لتبني نظرية الخلق، دون جدوى. كانت السيدة متحفظة ومتزنة وحذرة ولم تقدم شيئا مهما لا ضد الداروينية ولا لصالحها. ومع ذلك فقد ساهمت كشاهدة زور على تمرير هذا الغش.
أين الغش من الصح في هذا الخبر الذي أوردته قناة الجزيرة القطرية لتسقط به نظرية دارون؟
إن ما جاء في هذا الخبر على لسان العالم مترجما إلى العربية صحيح، أما استنتاجات صحفيي الجزيرة فهو جهل وتجهيل وفضيحة بأتم معنى الكلمة تستحق التنديد والاستهجان والمطالبة بالاعتذار لمستمعيها على الكذب والتغليط والتحريف.
يقول العالم في هذا الفيديو كما نقلت عنه الجزيرة، لو صدقت الترجمة والنقل: ((إذا سألت أي شخص في الشارع الآن عن تصوره لشكل أجدادنا فسيقول لك ربما يشبهون لوسي وإذا سألت أحدا قبل هذه الأيام فسيقول لك: يشبهون الشمبانزي. إن الهيكل الذي بين أيديكم الآن يثبت علميا أن التصورات السابقة غير صحيحة بتاتا)).
وهو كلام صحيح نسبيا، وأقول نسبيا، لأننا إذا سألنا شخصا في الشارع القطري أو العربي عموما، فلن يقول لنا بأن "أجدادنا .. ربما يشبهون القردة لوسي.. (أو) يشبهون الشمبانزي". لعل 99,99 في المائة سيجيبون بما تلقوه في تنشئتهم الأسرية أو المدرسية أو المسجدية وهو أن أصلنا من آدم وحواء كما روته الكتب الدينية (كلكم لآدم وآدم من تراب) وما تقدمه الجزيرة لمستمعيها لا يختلف في تخلفه عن ذلك. في بلداننا مازالت المنظومة التعليمية عندنا تحرم تدريس نظرية النشوء والارتقاء أو، على الأقل، تدرسها مشوهة بأقوال نقادها الرافضين لها جهلا أو انتهازية. بل لجأ المشرفون على المناهج الدراسية في الجزائر إلى حذف قصيدة الطلاسم لإيليا أبي ماضي: جئت لا أعلم من أين، ولكني أتيت، كيف جئت، كيف أبصرت طريقي، لست أدري !، ونُكِبت مدرستنا وكان ما كان !
وعليه فرجل الشارع المقصود هنا هو الموجود في أغلب بلدان العالم المتقدم من اليابان إلى كندا. بمن فيهم المؤمنون؛ خاصة بعد أن قرر الفاتيكان ((فتح صفحة جديدة في العلاقة مع نظرية التطور والارتقاء .. التي ظلت موضع جدل في الأوساط الدينية بصفة عامة وخاصة في بيئتها المسيحية)).
انظر:
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/C3A9542D-3ACC-46D7-9747-F7169FE3AAFD.htm
وقد نظم الفاتيكان ندوة علمية لهذا الغرض:
http://chiesa.espresso.repubblica.it/articolo/1337445?fr=y
حضرها ((أفضل الاختصاصيين العالميين من مختلف التخصصات، من البيولوجيا إلى علم المستحاثات ومن الأنثروبولوجيا إلى الفلسفة واللاهوت.. وجهات النظر كانت متنوعة جدا، كان هناك علماء كاثوليك وبروتستان ويهود ولا أدريين وملحدون !)).
وعندما يقول العالم أيضا ((بإمكاننا أن نرى ونظرا لقدم هذا المخلوق أنه تطور بمواصفات خاصة تشير إلى أنه من شجرة عائلتنا وأنه ليس من شجرة عائلة الشمبانزي)). فهو أيضا على حق لأنه لم ينف نظرية التطور وإنما أغناها بتصورات جديدة حول أصل الإنسان ولم نسمع منه ما يشي أن هذا الاكتشاف قد أسقط نظرية دارون. وحدها الجزيرة ركبت رأسها وقررت ذلك.
أما عندما تستنتج الجزيرة ((أن هذا الكشف هو أوضح دليل عرفوه حتى الآن يثبت أنه لا صلة بين أصول الإنسان وأصول القرود حيث كان يمشي هذا الهيكل على قدميه كالإنسان وليس كالقرد)). ثم تخلص إلى أنه ((.. يتوقع أن يمثل هذا الكشف ضربة جديدة لنظرية دارون التي ظلت مثيرة للجدل منذ القرن التاسع عشر)). فهذا فضيحة وجريمة ترتكبها هذه القناة في حق هذه النظرية وفي حق عقول مستمعيها من العرب أكثر. وفضيحة أخرى عندما تتعمد مع سبق الإصرار والترصد تشويه هذا الاكتشاف.
المشاهد لهذا التقرير الذي قدمته الجزيرة يحتار في أمر القائمين على هذه القناة. فالصورة التي قدمتها لآردي (الفيديو أعلاه) تظهر هذه الأنثى آردي في شكل حيوان بوجه أقرب إلى القرد منه للإنسان وجسم مشعر، وحتى بقايا ذيل !!!
وليس في كل ما قاله العلماء أي مساس بنظرية دارون، إذ لا يشين نظرية التطور أن نكتشف عن طريق الأحفورة أردي ألا يكون القردة أجدادنا بل أبناء عمومتنا. فما قاله العلماء كجديد أننا كبشر لم ننحدر مباشرة من القردة بل انحدرنا من فصيلة أبعد تمثل الجد المشترك لنا وللقردة على السواء.
إنها فضيحة فعلا، ففي تقرير دام سبع دقائق و47 ثانية، حكمت الجزيرة بالسقوط على نظرية عظيمة وشوهت في أذهان العرب مجهودا علميا شاقا استغرق ((سبع عشر سنة، وتضافر جهود 47 عالما من عشر بلدان، وأكثر من مائة مستحاثة أخرجت مليمترى بعد مليمتر من رمال الصحراء المتحجرة، وأحد عشر دراسة نشرت في مجلة (Science) حتى توصلوا إلى تقديم صورة كاملة لأحد أقدم ممثلي السلالة البشرية (Ardipithecus ramidus). بدأ الاكتشاف سنة 1992 عندما لاحظ فريق من (Middle Awash Project) عظام في منخفض الريفت بأثيوبيا. هذه البقايا كانت هشة ومفتتة وصعبة الاستخراج تطلب صبرا هائلا من الكشط ثم إعادة البناء، بالاستعادة، أحيانا، بالحاسوب. وهكذا تم استخراج هيكل عظمي كامل للأنثى آردي، عمرها 4,4 مليون سنة))، استخدمت فيه أرقى التكنولوجيات.
http://dsc.discovery.com/videos/ardipithecus-bringing-ardi-to-life.html

أردي أقدم من لوسي التي استخرجت سنة 1974 في نفس المنطقة حيث عاشت منذ 3.2 مليون سنة. أردي بدورها ليست السلف البشري الأقدم، فقد سبق أن اكتشفت أحفورة باسم أرديبيتيكوس كادابا (Ardipithecus kadabba) حدد عمرها ما بين 5,8 و5,2 مليون سنة.
اسم أرديبيتيكوس Ardipithecus (القرد الأرضي) مأخوذ من لغة عفار وهم شعب يعيش بين أثيوبيا وإيريتريا وجيبوتي، وتعني كلمة أردي في لغتهم (على الأرض). ولعلها حسب رأيي من العربية (أرضي)، وبيتيكوس من الإغريقية وتعني قرد. أرديبيتيكوس كادابا اكتشفها الأثيوبي يوحنا هايلي سيلاسيه في أثيوبيا سنة 2001، واعتبرت لمدة معينة، وبسبب العدد الضئيل من بقاياها، جزءا من أرديبيتيكوس راميدوس Ardipithecus ramidus موضوع هذه المقالة. ولقد تم التمييز بينهما كنوعين مختلفين بسبب اختلاف الأسنان.
نلاحظ هنا أنه حتى الاسم (أردي بيتيكوس) يكذب تقرير قناة الجزائر، فهو يعني القرد الأرضي تمييزا له عن قرد الأشجار.
أردي ليست أقرب إلى القردة منها إلينا. هي أقرب شبها بالشيمبانزي منها إلى الإنسان الحديث. لعلها بذراعيها الطويلين، تكون أرْيَح في الأشجار لكن حوضها وقدميها المتصلبتين يجعل منها من المشاة على قدمين bipède لكن قبة أخمص قدمها ليس مقوسا وهو ما لم يكن يمكنها من الجري بينما الإبهام كان يقابل الأصابع كما لدى الشيمبانزي، بخلاف ما هو عليه إبهام لوسي. وبيديها الأكثر رقة مقارنة بيدي الشيمبانزي، فإن أردي يمكن أن تكون قادرة على القيام بحركات أكثر دقة، ولهذا يؤكد المختصون بالمستحاثات أنها لم تكن تتركز على سلامياتها لكي تسير على قوائمها الأربع، كما تفعل القردة الكبيرة. من جهة أخرى كانت قواطعها أصغر وهو ما دفع الباحثين إلى اعتبار هذه الخصائص أحدث في السلالة البشرية، بعد انفصال الفرعين (السلالات القردية الأولى والسلالات البشرية) منذ حوالي ستة ملايين سنة وراحت كل سلالة تتطور على حدة. اللوحة النهائية تبين أردي حيوانا أقل تأقلما من الشيمبانزي على الحياة بين الأشجار. كانت أردي تعيش بين وحول الأشجار تتخذها مأوى لها من المفترسين وغرفة نوم تقيم بها عندما يخيم اليل المخيف بعد أن اكتسبت عادات احتفظت بها فيما بعد كل السلالات البشرية مثل السير على قدمين ورأس ضخم ومخ فاق في حجمه مخ الشيمبانزي (بين 400 و550 سم مكعب، مقابل 350 تقريبا للشيمبانزي)
يرى تيم وايت، مدير مركز البحث حول التطور البشري بجامعة بيركلي بكاليفورنيا، أن الدراسات التي نشرت في مجلة ساينس تظهر أن القردة العليا (الشيمبانزي والغورلا) والبشر تطوروا منفصلين من سلف مشترك لهم بعيد، كان يعيش منذ ستة إلى سبعة ملايين من السنين.
وشرح أن أردي ليست سلفنا المشترك، لكنها السلف الأقرب الذي لم يحدث أن اقتربنا منه من قبل. تحليل عظام أردي التي مكنت من إعادة تركيب هيكلها العظمي بيّن أنها كانت قادرة على استخدام أطرافها الأربعة لتسلق الأشجار. وبوسعها أيضا الوقوف على قدمين والتنقل مشيا عليهما. أردي هي نوع من الخليط، لا هي شيمبانزي ولا هي بشر، هي تنتمي إلى الأرديبيتاك (القرد الأرضي)، السابق للأسترالوبيتاك (القرد الجنوبي)، وهما الأقربان للإنسان.
كان شارل داروين الذي فتحت أبحاثه في القرن التاسع الطريق لعلوم التطور يقول إنه علينا أن نكون حذرين تمام الحذر، في نظرتنا المتعلقة بسلفنا المشترك (وليت الجزيرة تحلت بهذا الحذر قبل أن تسقط في هذه الفضيحة). الطريقة الوحيدة لمعرفة صفاته هى العثور عليه. ولقد اكتشفنا بتاريخ 4,4 مليون سنة شيء يقترب منه. وكما حدس دارون فإن "تطور السلالات بين القردة والبشر تمت مستقلة عن بعضها، منذ أن انفصلا عن بعضها، منذ آخر سلف مشرك بينهما.
لقد شارك في تمويل هذه الأبحاث كل من المؤسسة القومية الأمريكية للعلوم ومعهد الجيوفيزياء والفيزياء الأرضية لجامعة كاليفورنيا والمخبر القومي بلوس ألاموس، والجمعية اليابانية لترقية العلوم.
أما عالم المستحاثات الياباني جان سووا من جامعة طوكيو فقد نقل من جهته أن وجه أردي، البارز، كان يشبه وجه القرد. لكن تموقع مخه كان يشبه مخ الإنسان الحديث.
أما جيداي وارلد جبريل من المخبر القومي بلوس ألاموس فيرجع عظام أردي إلى 4,4 مليون سنة استنادا إلى دراسة الطبقات البركانية التي احتضنتها.
أما الجزيرة فلم يشعر القائمون عليها أنهم معنيون بهذا العلم وهذا البحث. ولماذا كل هذا العناء، مادام بين أيدينا ما هو شفاء للروح والجسد على السواء: الإسلام والنفط !

الكاتب عبد القادر انيس

المصدر الحوار المتمدن




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !