لا شيء في هذه الفانية يعدل متعة الانتصار على النفس، وكبح جماحها، وثنيها عن غيِّها ولهوها وأهوائها، وردعها عن ضلالها وغرورها وآثامها.. ولا شيء في هذه الفانية يعدل فرحة إطعام جائع، وتهدئة روع فزعٍ خائفٍ مضطربٍ ضائع، وإغاثة مكروبٍ تحالفت ضده عوادي الشر والعدوان، وإعادة البسمة إلى وجه طفل بائس شريد، ويتيم حائر تائه طريد، وبائس يائس أغلقت في وجهه الدروب، وسُدت المنافذ والمسالك، وأُوصدت أبواب الأمل والرجاء.. ولا شيء في هذه الفانية يعدل إدخال مشاعر الفرحة والأمل لقلب أمٍّ قدمت لهذا الوطن ما لم تقدمه كثير من الأمهات، وضحت في سبيله براحتها وسعادتها وهي تقدم له أبناءها وبناتها ليكونوا نجومًا ساطعةً في سماء الشهادة، وشموسًا هاديةً في ليل الأسر، وحركات الأسارى المطالبين بالحرية لأوطانهم وشعوبهم... أجل أيها المحسنون المقتدرون الكرام، لا شيء يعدل كل هذا وذاك، ولا شيء يعدل كثيرًا غير هذا وذاك من وجوه التخفيف مما تعاني منه مجتمعاتنا، ممثلةً في فقرائها، ومنكوبيها، وجياعها، وكثيرٍ من طلبتها، وكثيرٍ من مرضاها، وكثيرٍ من مقهوريها ومأزوميها ومشرديها الذين نرى أعدادهم في كل يومٍ بازدياد في ظل هذه الأوضاع التي تكالبت علينا فيها كل قوى الشر والضلال، وتكالب علينا معها كثيرٌ من بني ديننا، ومن بني جلدتنا، ومن بني عروبتنا، ومن بني أمنا أيضًا، فكانوا عونًا لكل قوى الشر والضلال والعدوان على أمتهم، وكانوا عونًا لكل أعداء هذه الأمة، والله يشهد أنهم أشد على هذه الأمة من كل أعدائها، لأن عدوًّا داخل البيت أشد خطرًا من عشرات الأعداء خارجه.
أيها المحسنون الشرفاء القادرون المقتدرون!! أيها الخيرون من أبناء هذه الأمة!! هذا يومكم، فاتقوا الله في فقرائكم، وأسراكم، وأبناء شهدائكم، واتقوا الله في طلبتكم، ومرضاكم، وفي العاطلين عن العمل من أبنائكم، ومن خريجي وطنكم وخريجاته، واتقوا الله في أطفال أمتكم، وفي أشبالها، وزهراتها.. واعلموا أن بإمكانكم أن تقدموا كثيرًا من العون المادي والمعنوي لكل هذه الشرائح المدمرة من أبناء أمتكم، وأن بإمكانكم حماية هذه الشرائح من اليأس والقنوط والإحباط، وأن بإمكانكم حمايتها بالتالي من السقوط فريسةً سهلةً، وأداةً طيعةً في يد أعداء هذه الأمة.. لا أقول هذا من باب التنظير، ولا أقوله من قبيل المبالغة والتهويل، وإنما أقوله استنادًا إلى هذا الواقع الأليم الذي آلت إليه كثيرٌ من هذه الشرائح المقموعة من أبناء هذه الأمة المنكوبة، حيث أصبحت الأدوات التي يهدم بها أعداؤنا أوطانَنا...
أيها المحسنون الشرفاء القادرون المقتدرون من أبناء هذه الأمة.. مزيدًا من التكافل والتضامن والعطاء في هذه الأيام الأخيرة من رمضان الخير والمحبة والتعاون والإخاء.. مزيدًا من البذل المادي الذي تقيلون به كثيرًا من الأسر من عثراتها، وتفتحون أمامها أبواب الأمل والفرحة بهذا العيد الذي أضحى على الأبواب.. ومزيدًا من البذل المعنوي، والعلاج النفسي بالكلمة الطيبة والمشاعر الأخوية الصادقة، وبعبارات المواساة، ورفع الروح المعنوية يا كل شرفاء هذا الشعب، ويا كل هيئاته ومنظماته وتنظيماته السياسية والاجتماعية والثقافية.. وإذا كانت الأنظمة السياسية والاقتصادية في معظم أقطار العروبة والإسلام على هذا القدر من السوء فإن شعوبنا ما زالت قادرةً على الرد، وإن شعوبنا ما زالت قادرةً على العمل، ووضع حدٍّ لكل هذه الأخطاء القاتلة، والخطايا التي يرتكبها هذا النظام السياسي الاقتصادي المرتبط بأعدى أعداء هذه الأمة.. وإن غدًا لناظره قريب.
التعليقات (0)