من أجل معرفة معنى الشعوبية نستطلع بعض الآراء التي تكشف معنى ذلك المصطلح, إذ جاء في القاموس المحيط "والشعوبي بالضم محتقر أمر العرب وهم الشعوب", قال عنها القرطبي هي حركة "تبغض العرب وتفضل العجم" وقال الزمخشري في أساس البلاغة "وهم الذين يصغرون شأن العرب ولا يرون لهم فضلاً على غيرهم", تعرف الموسوعة البريطانية الشعوبية بأنها كل اتجاه مناوئ للعروبة.
والشعوبية حركة ظهرت بوادرها في العصر الأموي, وأخذت تظهر بشكل كبير وفعال في العصر العباسي خصوصا في زمن المأمون والأمين, وهذه الحركة ترى انه لا فضل للعرب على غيرهم من العجم, وتصل إلى حد تفضيل العجم على العرب والانتقاص منهم, كان الشعوبيون يسمون حركتهم (حركة التسوية) - التسوية بين حقوقهم وحقوق العرب- ويرى المفكر الإسلامي الإيراني علي شريعتي أن الحركة الشعوبية تحولت تدريجيا من حركة تسوية إلى حركة تفضيل العجم على العرب وعملت عبر ترويج المشاعر القومية وإشاعة اليأس من الإسلام إلى ضرب سلطة الخلافة.
يقول المفكر الإسلامي الدكتور علي شريعتي عن الحركة الصفوية متطرقا إلى استنادها إلى مبدأ "الشعوبية": ( وبغية ترسيخ أفكارها وأهدافها في ضمائر الناس وعجنها مع عقائدهم وإيمانهم عمدت الصفوية إلى إضفاء طابع ديني على عناصر حركتها وجرّها إلى داخل بيت النبي إمعانا في التضليل ليتمخض عن ذلك المسعى حركة شعوبية شيعية، مستغلة التشيع لكي تضفي على الشعوبية طابعا روحيا ساخنا ومسحة قداسة دينية، ولم يكن ذلك الهدف الذكي متيسرا إلا عبر تحويل الدين الإسلامي وشخصية محمد وعلي إلى مذهب عنصري وشخصيات فاشية، تؤمن بأفضلية التراب والدم الإيراني والفارسي منه على وجه الخصوص).
كما إن بعض المؤرخين يعتبرون أولى أعمال الشعوبية هو اغتيال أبو لؤلؤة الفيروزي الفارسي للخليفة عمر بن الخطاب انتقاما للدولة الساسانية التي قهرت في عهده, كما تدخلوا في الصراع بين الأخوين الأمين والمأمون، حين استعان بهم المأمون ضد أخيه، وجعل منهم قادة الجيش, وكان للشعوبية دور في إنشاء الفرق الباطنية الشاذة والمنحرفة عن مذهب التشيع الإمامي ألاثني عشري كالقرامطة والنصيرية وغيرهم.
فهذه الحركة الفارسية بنظرتها تلك للعرب نراها لا تختلف عن النظرة الإسرائيلية القائلة " بأنهم شعب الله المختار", فالشعوبية الفارسية هي من أوجد العديد من الصراعات والنزاعات داخل المجتمع الإسلامي وأوجدت الحركات المنحرفة باسم مذهب التشيع – كما أسلفنا – من أجل أن تبقى هي المسيطرة وصاحبة السطوة على المجتمعات المسلمة, وبالفعل استطاعت أن تستغل الشيعة في البلدان العربية من خلال انتحالها لمذهب التشيع وإيهام الشيعة العرب بأنها هي المنقذ والمُخَلص لهم ولمقدساتهم, فأصبحوا خدما وعبيدا لها.
ولعل ما يحصل الآن في العراق من تبعية لإيران ما هو إلا خير دليل على ذلك, فالأغلبية العراقية الآن تتغنى باسم إيران, ويتصورون بأنها هي الحامية وهي المدافعة عنهم, فطبقت هدفها المنشود وهو " أن يكون العجم الفرس هم السادة والملوك والعرب هم الخدم والعبيد" ومن خلالهم استطاعت أن تمرر مشروعها الإمبراطوري الفارسي, فتحركات إيران الآن في المنطقة العربية هي تحركات أساسها النزعة الشعوبية من أجل استعباد العرب الذين أصبحوا سادة الكون بعد أن حباهم وفضلهم وكرمهم الله سبحانه وتعالى بان يكون سيد البشر النبي الخاتم محمد "صلى الله عليه وآله وسلم" منهم, والقرآن الكريم بلغتهم, وهذا ما لا يقبل به العجم لأنهم يرون بأنفسهم هم السادة والعرب الخدم والعبيد.
فدخل العجم الفرس الإسلام, وانتحلوا التشيع من أجل أن يسيطروا ويتمكنوا من العرب, فجعلوا القادة والرموز منهم حصرا, وإن وجد قائد عربي فانه يُحارب ويُقتل, وهذا ما نلاحظه اليوم فأغلب المرجعيات الدينية هي من العجم الفرس, وإذا وجد مرجع عراقي فانه يُحارب ويُشرد ويُطرد ويُقتل أو يقر بهذه المرجعيات الفارسية ويعترف بها ويكون خادما تحت عباءتها, وما حدث مع المرجع العراقي العربي السيد الصرخي الحسني وأتباعه في كربلاء بتاريخ 1/ 7 / 2014م من قتل وتمثيل بالجثث وحرقها واعتقالات ما هو إلا خير دليل على ذلك الأمر.
فعلى العرب من أجل الخلاص من هذا المد الشعوبي الفارسي أن يقفوا موقفا حازما وصلبا بوجه هذا المد الذي حرق الأخضر واليابس في الدول التي توغل وتغول فيها, وان لا يقعوا في الأخطاء التي وقع فيها غيرهم من العرب الذين غرر بهم وانخدعوا بمخططات هذا المد الشعوبي الفارسي, ونُذكر بكلام المرجع العراقي العربي السيد الصرخي الحسني في استفتاء " ولاية فقيه أو حكم إمبراطور " والذي حث فيه الدول الإسلامية والعربية من ضرورة اتخاذ موقف إزاء هذا التمدد والتحذير منه بقوله ...
{ ...3- ........ إيران نجحت وبأساليب مختلفة في السيطرة الكلية على الرموز الدينية والمرجعيات الفارغة الطائفية الانتهازية الأعجمية وغيرها فصارت تحركها كيفما تشاء ومتى تشاء ومن خلالهم تمّت السيطرة على عموم الشارع العراقي الشيعي والسني ... وهذا الأسلوب ممكن أن يتكرر مع باقي المجتمعات الشيعية في باقي البلدان فتحصل السيطرة الكلية والتحريك الجمعي بنفس المنهج والسلوك في العراق فيسير الجميع جاهلا غافلا نائما مخدَّرا نحو تحقيق المشروع الإمبراطوري المزعوم ...
4ـ ......... فلابد من موقف جادّ شجاع من الدول الإسلامية وشعوبها لإيقاف هذا التمدد الإمبراطوري الشعوبي العنصري القاتل وإياكم إياكم من تكرار الأخطاء...}.
بقلم :: احمد الملا
التعليقات (0)