أثار إعلان الجهاز المركزي للإحصاء بأن عدد سكان العراق سيبلغ 43 مليونا عام 2025 العديد من الأسئلة والشجون حول المستقبل العراقي، فوفقا لهذه التقديرات فأن العراقيين يزدادون مليونا كل عام أو يزيد على ذلك بقليل، مثل هذه الأرقام تجعل التساؤلات ومعها المخاوف، تتقافز إلى الذهن إذ كيف سيكون حال العراق عندها؟ أين هو الهيكل الاقتصادي ،أو الهيكل الإنتاجي الذي سيستوعب هذه الملايين التي ستدخل سوق العمل ونحن نعلم حال القطاعين الزراعي والصناعي في العراق؟ كيف سيتم توفير الغذاء لهذه الملايين العديدة والتي ستصبح ثمانين مليونا عام 2050؟
ما هو الشكل الذي ستتخذه المدن العراقية التي ستصاب بالتورم وتطوقها احزمة الفقر ومدن الصفيح؟ ثم كيف سيكون الحال لو وضعنا هذه التساؤلات كلها مع سيناريوهات انحسار دجلة والفرات وتقلص إمداداتهما حد التلاشي كما تقول بعض التقارير وتحذر؟ وتبدو الإيرادات النفطية المرشحة للتصاعد (نقطة الضوء الوحيدة) في صورة المستقبل المتوقعة، ولكن هنا أيضا الصورة ليست مشرقة تماما إذ ليس المهم أن نعرف كم ستبلغ العائدات ولكن ما هو اهم من ذلك أن نعرف كيف ستنفق هذه العائدات؟ وهل ستكون كافية للتغلب على التحديات الآنفة الذكر؟ وهل ستنجح في أن تشكل رافعة للاقتصاد العراقي من خلال بناء قاعدة إنتاجية متطورة؟
المؤشرات التي بين ايدينا لا تبشر بخير ابدا وإذا لم تفلح موازنة المئة مليار في وضع الاقتصاد العراقي في مدار سليم فمن المشكوك فيه أن تفلح ميزانية المائة وخمسين مليار في ذلك، مع الإشارة إلى أن الموازنة الاستثمارية كلها وكما كان الحال في الموازنات السابقة لا تكفي لسد احتياجات قطاع واحد من القطاعات الاقتصادية ولا تنفيذ مشروع عملاق واحد كما أن النفقات التشغيلية تزحف على الاستثمار الحكومي كما تزحف الصحراء على اراضينا الزراعية وتصيبها بالبوار، وهذه النفقات التشغيلية معرضة للارتفاع مع زيادة السكان وبطريقة تفوق قدرة أية حكومة على منع ذلك، فترة تصاعد الإنتاج النفطي لن تزيد على السبع إلى عشر سنوات بعدها يبدأ انتاج الحقول بالانحدار السريع وهذا يعني أن السنوات العشر القادمة ستكون (حاسمة) في مسيرة الاقتصاد العراقي فإذا لم نحسن خلالها استخدام العائدات في بناء قاعدة انتاجية متطورة واصلاح البنية التحتية واذا استمر الانفاق على ما هو في صورته الحالية فمن المشكوك فيه اننا سننجح في تحقيق ذلك بعد هذه الفترة اذ ستغدو المهمة اكثر صعوبة واستحالة، وفي الواقع فأن هذه السنوات العشر لن تكون حاسمة على صعيد الاقتصاد فقط ولكن على صعيد السياسة ايضا ففيها سيتحدد شكل التطور السياسي في العراق وقدرة الكيان العراقي على الصمود والتماسك.
ربما يعتبر البعض أن طرحنا لهذه التساؤلات هو من قبيل التشاؤم ،ولكننا في الواقع لم نأت بشيء من عندنا بل هذا ما تشير إليه الارقام ، فقط الذي نفعله هو اننا نمد الأرقام ،والمنحنيات عشرين أو ثلاثين سنة إلى الأمام .الأسئلة حول المستقبل فما فائدة في الحديث عن سكان ، ومياه، ، وغذاء ومدن لا تصلح للسكن في دولها كيانها السياسي مهدد، ، وجسدها موضوع على طاولة التشريح الدولي ، فلقد جاء الحدث السوري ليفتح شهية الكثيرين للحديث عن خرائط جديدة للمنطقة والعراق،، وعن مخاطر وعواصف توشك أن تعصف بوطننا،، وما أظن من يتوجس من ذلك أو يتخوف منه بالمبالغ ابدا ، بل اظنه من اصحاب الحدس السليم، لكن المخاطر تبقى كما هي مخاطرا وأن تزاحمت وتكاثفت، ولا يفترض ابدا أن تنسي الهموم بعضها بعضا ،، وفي آخر المطاف لابد من الاحساس بالمسؤولية وتقدير كل تحد بحجمه الحقيقي دون اهمال أي منها لاسيما أنه لا يمكن عزل المهددات السياسية عن المخاطر الاقتصادية والاجتماعية فهما متداخلان بطريقة يتعذر معها فصلهما، لنتذكر دائما مقولة الإمام علي (صديقك من صدقك لا من صدقك)،، فليس الأمر تفاؤلا أو تشاؤما ولكن من الضروري تقدير الأمور بأحجامها الطبيعية ورؤية الأشياء بألوانها الحقيقية.
مقالات للكاتب علي بابان وزير التخطيط السابق
التعليقات (0)