مواضيع اليوم

أين يمضي هارب من دمه ؟

حسن توفيق

2010-02-25 16:21:44

0

                                                         هكذا تساءل إبراهيم ناجي بعد أن احترق حبا


                       أين يمضي هارب من دمه؟


                                     بقلم : حسن توفيق

 

للبحر أمواج وله كذلك أعماق، ويستطيع كل إنسان، له عينان، أن يرى حركة الأمواج في اندفاعها وتقلبها، وهو واقف على الشاطيء، أما الأعماق فإنها لا تكشف عن خباياها وخفاياها إلا لمن يمتلك الجرأة على الغوص فيها
كل إنسان بحر .. ملامح كل منا هي الأمواج ، هي مظهرنا الذي يرانا به ومن خلاله سوانا ، أما أعماقنا، فإننا قد نجهلها تـماماً أو قليلاً طالما أننا لم نحاول تأمل ما فيها من تيارات وأهواء متنوعة، فيها ما فيها من حب وكراهية، وزهد أو طمع، وتسامح مع الآخرين أو نقمة عليهم .
الذين سخروا أو تهكموا على حكايات الحب الكثيرة التي قيل إن بطلها هو شاعر الحب الرقيق الدكتور إبراهيم ناجي هم الذين اكتفوا من البحر برؤية أمواجه، وقنعوا بالحكم على الإنسان من خلال ملامحه التي رصدتها عيونهم
لم يكن الحب عند ناجي قزقزة لب كما قال عنه نعمان عاشور نقلاً عن كامل الشناوي، ولم يكن ناجي عاشقاً متفلتاً كما كان شأن عمر بن أبي ربيعة في العصر الأموي، فشاعر الحب الرقيق له حكاية حب عميقة لم تتكرر في حياته، ولم يكن يستطيع نسيان هذه الحكاية ولا انتزاع الحب من قلبه، إذ لا يستطيع أي إنسان حي أن يهرب من دمه، وقد كان حب ناجي لملهمته الوحيدة - وهي إحدى قريباته - يتغلغل في دمه


يا غراماً كان مني في دمي
قدراً كالموت أو في طعمه
ما قضينا ساعة في عرسه
وقضينا  العمر  في مأتمه
ما انتزاعي دمعة من عينه
واغتصابي بسمة من فمه
ليت شعري أين منه مهربي
أين يمضي هاربٌ من دمه؟


عندما ذاع صيت الأطلال بعد أن غنتها أم كلثوم سنة 1966 جرت منافسات حامية بين ممثلات وفنانات، كن مشهورات ومرموقات خلال شبابهن، وظلت كل منهن تحاول أن توحي أو أن تصرح بأنها هي بالذات التي ألهمت ناجي قصيدة الأطلال ، وعلى سبيل المثال فإن زوزو حمدي الحكيم أكدت أنها هي الملهمة، أما السيدة أميرة ابنة إبراهيم ناجي، فقالت إن أباها قد كتب الأطلال من وحي زوجته أي أمها، وهذا كله غير صحيح .
لم يكتب ناجي قصيدة الأطلال دفعة واحدة، كما أنه ظل ينشر مقطوعات منها دون أن تكون القصيدة كلها قد اكتملت على صفحات العديد من المجلات، ومنها مجلة الرسالة ومجلة الهلال ومجلة الحديث التي كانت تصدر في حلب بسوريا ولم يكتب ناجي قصيدة الأطلال إلا من وحي الفتاة التي عشقها، وكانا قد تعاهدا على الزواج، ثم قررت هذه الفتاة - وقتها - أن تتزوج شخصاً آخر سواه، ومع هذا ظل ناجي يعشقها ويفرح من أعماق قلبه إذا رآها بالمصادفة باعتبارها إحدى قريباته، كما كان يشعر أحياناً أن هذه الفتاة قد ظلمته حين فضلت عليه شخصاً آخر، وكان هذا يدفعه أحياناً لأن يثور عليها :

ذهب العمر هباءً فاذهبي
لم يكن وعدك إلا شبحاً
صفحةٌ قد ذهبَ الدهر بها
أثبت الحب عليها ومحا
انظري ضِحْكي ورقصي فرحاً
وأنا أحمل قلباً ذُبِحَا
ويراني الناس روحاً طائراً
والجوى يطحنني طحن الرحَى


في المقدمة المطولة التي كتبتها للأعمال الشعرية الكاملة للدكتور إبراهيم ناجي - والتي يعاد حاليا طبعها  -حديث مستفيض عن هذه الفتاة التي ألهمت ناجي كتابة الأطلال لكنها دفعته إلى اليأس :


أصبحت من يأسي لو أن الردى
يهتف بي صحت به هيا
هيا فما في الأرض لي مطمح
ولا أرى لي بعدها شيا
ماذا بقائي ها هنا بعدما
نفضتُ منه اليوم كفيا
أهرب من يأسي لكأسي التي
أدفن فيها أملي الحيا
يا أيها الهارب من جنتي
تعال أو هات جناحيا


هكذا لم يستطع شاعر الحب الرقيق الدكتور إبراهيم ناجي أن يهرب من دمه ، وبالطبع فإنه لم يستطع أن يقنع الفتاة التي هربت بعيداً عن جنة حبه بأن تعود إليه ، أو على الأقل أن تعيد إليه جناحيه لكي يطير! وإذا كان ناجي لم يستطع أن يهرب من دمه ولا من الحب  الذي ملك عليه قلبه فإن السؤال الذي أود أن أطرحه : هل يستطيع عاشق في زماننا هذا أن يحب كما أحب ناجي أم أن زمان الرومانسية قد ولى دون رجعة ؟



 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !