بقلم:محمد أبو علان:
تتسع دائرة النقد يوماً بعد يوم للفضائيات بغض النظر عن تخصصها ومحور اهتمامها، واتساع حالة النقد هذه تعود لعاملين أساسيين، أولهما سعة الانتشار لهذه القنوات الفضائية التي بات يغلب علي طابع معظمها التخصص في جانب واحد من جوانب الحياة، فمنها السياسية ومنها الفنية ومنها المتخصص بالأزياء…. ألخ.
وثانيهما درجة التأثير الواسع لهذه الفضائيات على المشاهد لارتفاع نسبة المعتمدين عليها في استقاء الخبر والمعلومة في شتى السبل والمجالات، والسؤال الذي يطرح نفسه هل هذا الحجم من التعاطي مع القنوات الفضائية بشتى أنواعها مسألة إيجابية أم سلبية؟، وإن كانت النتيجة سلبية على من تقع مسئولية هذه السلبية، على الفضائيات أم علينا نحن المشاهدين والمتابعين لهذه الفضائيات؟.
والإجابة عن هذا التساؤل لا يمكن أن تكون بنعم أو لا، فالموضوع يحتاج لتحليل وقراءة للعلاقة بين المشاهد وهذه الفضائيات، والذي تحددها مجموعة من العوامل مرتبطة بالمشاهد نفسه بالدرجة الأولى وليس بالفضائية، فالمستوى الثقافي للمشاهد، وتوجهاته الفكرية والسياسية والاجتماعية ونوعية اهتماماته هي العوامل الهامة وليس طبيعة الفضائية نفسها وتخصصها هي العامل الحاسم، بالتالي النقد يجب أن يوجه للمشاهد وليس للفضائية كما هو الحال في السنوات الأخيرة التي شهدت انطلاق مئات القنوات الفضائية إن لم تكن آلاف، فالمشاهد هو الذي يحدد القنوات التي يشاهدها، وباتت لديه القدرة على تحديد أي الفضائيات التي يمكن أن تكون موجودة لديه من تلك التي لا يريد وجودها على جهاز التلفاز الخاص به وبأسرته.
ومحاولة المراقب أو المحلل توجيه النقد للفضائيات لوحدها فيه نوع من التهرب في تحمل المسئولية الذاتية تجاه هذا الموضوع، وإلقاء هذه المسئولية على جهات أخرى مبرراً ضعف قدرات الإنسان على الصمود أمام ما تعرضه هذه الفضائيات في شتى الميادين والمواضيع، كما أن هذا الشكل من النقد للفضائيات فيه نوع من الاستخفاف بالقدرات العقلية للمشاهد وعدم قدرته على التفريق بين الجيد والرديء مما تعرضه هذه الفضائيات مما يجعله عرضه لتأثر واسع بها.
النقد للفضائيات يأتي في أغلب الأحيان من منطلقات وتوجهات سياسية وفكرية للشخص نفسه، وهذا أمر طبيعي ومستوعب، ولكن تعامل هؤلاء النقاد مع ما يطرحونه كحقيقية مطلقة تجاه هذه الفضائيات فيه من عدم الموضوعية والتحيز الشيء الكثير، فالفضائية التي يراها شخص ما بأنها تمثل الحيادية والموضوعية فيما تنشر قد يراها آخرون بصورة وشكل مختلف عن ذلك.
فكيل الاتهامات للفضائيات بأنها عامل من عوامل تفكك الأسرة والمجتمع، وأنها لعبت دور كبير في القضاء على عادة القراءة، ومساهمتها ببث الفرقة والانقسام فيها الكثير من الظلم للكثير من الفضائيات وعدم جديه وعدم موضوعية في قراءة وتحليل الأمور.
والحد من تأثير بعض الفضائيات ذات المواضيع والاختصاصات السلبية لا يكون بتوجيه النقد لها فقط، بل يتطلب تربية وتنشئة ثقافية تتناسب مع طبيعة المجتمع وقيمه الاجتماعية والوطنية والدينية بشكل تجعل من كل فرد منا عنصر مقاوم لمثل هذه الفضائيات ذات التأثير السلبي على قيمنا ومعتقداتنا، مقابل تعزيز دور الفضائيات ذات التوجهات الإيجابية، في المقابل العمل على بناء إعلام وطني قوي وذات محتوى جيد، ويحظى بثقة مواطنيه، فانعدام الثقة بالإعلام الوطني والمحلي هو تعزيز غير مباشر للإعلام الأجنبي بغض النظر عن جنسيته ومحتوى رسالته.
وحجم التطور التكنولوجي المتسارع يجعل موضوع الحد من انتشار الفضائيات ذات الرسالة السلبية أمر في غاية الصعوبة في ظل استحالة المنع والرقابة عليها من أي مجتمع كان، بالتالي الحل يكون بتوفير البدائل العملية لمثل هذه الفضائيات وليس أي شيء غير ذلك، كما أنه لا يمكن قبول الحديث عن الفضائيات بلغة التعميم، ووضع الكل بسلةٍ واحده، خاصة في ظل وجود أنظمة سياسية معنية في تعزيز نهج ثقافي واجتماعي معين تصرف المجتمع وخاصة جيل الشباب الذي هو الهدف الرئيس لبعض الفضائيات عن اهتماماته الحقيقية التي تتمثل في ضرورة العمل باتجاه التغيير والإصلاح نحو الأفضل.
moh-abuallan@hotmail.com
التعليقات (0)