فعلها الأحرار. صمت نصف قرني تفجر بركان غضب في وجه الطغاة العرب.
حين كان الطغاة يُجمعون, ومثقفوهم يؤكدون, على أن لا رجاء في المواطن العربي, فقد غط في سبات عميق, ولفه صمت كصمت المقابر. لم تعد تعنيه, في حالته هذه, أشياء تسمى إصلاحات أو حتى ترميمات, وكل ما يُذكّر بالحرية و الكرامة الإنسانية وما شابه من الألفاظ الغربية الأعجمية كالديمقراطية وحقوق الإنسان, والعدالة والمساواة. كل ما يُذكّر بمفاهيم سوقية تساوي بين الزعيم والرعية. الى هذا استكان الطغاة وقالوا بالخلود وبالتوريث.
ومع ذلك كان الكثير ممن يهمهم الوطن والمواطن, من غير مثقفي السلطة وأزلامها وأعوانها والمتعيشين على فضلاتها, يستقرئون ما وراء الصمت, ويلتقطون خفي بعض ذبذباته, فيبشرون بانه سيتحول قريبا إلى بركان يعصف بالطغاة وكل أركان الاستبداد و الطغيان.
كانوا بمجاهرتهم بقرب ثورة مثل هذا البركان يدفعون الكثير من حرياتهم ولقمة عيشهم, وكان بعضهم يضطر لهجر الوطن, وتُقفل في وجوههم أبواب العودة إليه, وكأنهم فلسطينيون ممنوعة عليهم فلسطين, (ومع ذلك يصرون على ما يقولون ويجزمون “بأنها تدور"). لم تكن أقوالهم هذه رجما بالغيب أو فتحا للمندل أو من أبواب التنجيم, أو نتيجة تحليلات حزبية اصمعية تعتمد على أفكار وايديولوجيات أحزاب نصف قرنية, وإنما من قراءات بسيطة مستنيرة للتاريخ وحركته, وللاستبداد والطغيان والظلم ونهايته.
وعليه كانوا يكتبون لما بعد سقوط الاستبداد والطغيان, وكأنّ السقوط غدا. ويكتبون للمواطن الإنسان المستقبلي وللوطن. يكتبون للدولة الجديدة, دولة الديمقراطية والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان والحريات الأساسية, وغيرها من القيم. كتابة الواثق (بأنها تدور) وبان الثورة على الأبواب.
نزعم بأننا كنا من هؤلاء الواثقين والمقتنعين بعظمة شعبنا وكنا مع المتفائلين. فكتبنا حسب إمكانياتنا, في الحرية والديمقراطية, وفي المساواة والعدالة وحقوق الإنسان والقضاء .. وتعرضنا لتجارب الآخرين في عالمنا. ولم نكن ندعي في ذلك كمالا, ولا نعتبره إلا مجرد مساهمات بسيطة لها ما لها وعليها ما عليها, والغاية تقديم شيء قد تكون فيه بعض الفائدة لوطننا المحرومين من دخوله بحرية, و حتى من تبليغه التحية بعيدا عن الرقابة البربرية.
قبل الثورات العربية, وثورة الحرية والكرامة السورية, بأكثر من ثلاثة أعوام, كتبنا, متفائلين, المقال التالي, الذي نرى فيه موضوعا لم يعد يُنظر إليه الآن على انه ترف فكري, أو لغو كلام, وان ما فيه يستحق نظرة ممن يساهمون في بناء دولتنا القادمة.
لم نكن أكاديميين في كل كتاباتنا, خاطبنا ونخاطب مواطننا بصدق وندية, كاتب صادق لمواطن كذب عليه الكتاب عقودا, كان يعلم أنهم كاذبون ومخادعون, وكانوا بذلك عالمون, ومع ذلك بقوا دون حياء يكتبون .
فقبل الدخول في الموضوع الذي نذكر به بإعادة عرضه كما جاء في وقته, تعمدنا الإطالة في مقدمته لوصف الحالة التي كانت قائمة, قبل "سقوط الخوف" على أيدي الشباب الثائر. الشباب الذي اختصر كل الأفكار الثورية و"النضالات" الحزبية ببعض شعارات مكتوبة على لفتات كانت أبلغ وأكثر فعالية من آلاف الصفحات في التنظير. واختصر الفن بأغنيات مرتجلة سفهت الفن الرسمي العبثي فن "الملهاة" الذي خُلق أصلا لتمجيد الطغاة, وعاش مدجنا على أعتابهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ الديمقراطية سعي للمساواة
ليس لدينا أي وهم, ونحن نتعرض في مقالات عديدة للديمقراطية, ودولة القانون والمؤسسات, وحقوق الإنسان, والحريات المدنية والسياسية, والقانون والقضاء ... بان الكثير الكثير من القراء, أو العابرين بطرف العين, والمارين مرور الكرام, على العناوين الجادة. وان الناشرين, حتى على مواقع الانترنت, ممن يميلون لجمع القراء وتلبية رغباتهم, أو الخائفين من مثل هذه الأراجيف, يرون أنها كتابات في غير وقتها أو مكانها, أو أنها أقرب إلى الترف الفكري منها إلى الاحتياجات المادية اليومية.
لا يلام المواطن المقهور, قارئا أم ناشرا, الموعود, رغم قهره, منذ عقود وعقود بالرفاه المادي القادم بمنح من السلطان, وبالحرية التي لا مثيل لها في مشارق الأرض أو مغاربها, حرية أصيلة تليق به كفرد متميز, وأحد مكونات خير امة أخرجت للعالمين,لا تليق به أية حرية. و الموعود بدولة منيعة تمتد عزتها وسطوتها من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر, رسالتها خالدة, و قيامها لاشك فيه ومؤكد قبل قيام الساعة. وما عليه الا التصديق والتصفيق. ياللهرطقة والاستخفاف!!!. لا يلام هذا المواطن ان بات يشك بنفسه وان لم يعد يعر اهتما للجاد من الاقوال.
لا يلام مواطن محبط تمس كرامته وحريته, بمناسبة وغير مناسبة, ولا يسلم حتى شرفه, بمفهومه الشرقي, الذي كان يقدم روحه دفاعا عنه إن لم يتحه للقراءة. ولا يلام في يأسه ان يبحث عن كل الوسائل للنجاة بنفسه, و يكرس كل جهوده لإيجاد وسيلة تخرجه من وطنه, بحثا عن كرامة وحماية ولقمة عيش شريفة, وعن القيم المفقودة في وطنه عله يجدها في أوطان الآخرين, فلما القراءة والتفكير في التغيير.
كما أن المستبدين والمثقفين بسياسة الاستبداد, لا يعيرون اهتما لأية أفكار ومواضيع من هذا القبيل فهي نظريات في أصولها غربية, ودخيلة, وتمس المقدسات, وتحارب الموروث. يعاقب عليها القانون والشرائع السماوية والأعراف المحلية, والتقاليد الحضرية والبدوية.
ومع أنها كتابات وأفكار لا تشكل, والحال ما عليه الحال, خطرا حالا ومحدقا, كونها أيضا تحت الرقابة وقابلة للسحق بالقوة مع حامليها والمبشرين بها, في كل مرة تحاول الاقتراب من الخطوط ما قبل الصفراء, فما بالنا بالحمراء, التي تحيط المنطقة المحمية المتسعة أرجاؤها لتشمل الوطن بأكمله, والممتدة سلطتها على رعاياها إلى خارجه,
مطمئنون لديمومة أنظمتهم لرسخوها عبر عقود وعقود, ونجاحها في إقامة حاجز منيع من الجهل والتخلف والأمية والفقر لا تخترقه الأفكار الحديثة. فهناك أكثر من 90 مليون أمي مطبق الأمية, حسب وثائق المنظمات الدولية المتخصصة, وبعددهم أميون مع بعض بصيص رؤية ــ يضاف إليهم أنصاف المتعلمين ومثقفي السلطة ومفكريها وعلمائها, وهم مجهولو العدد, وخارج كل إحصاء, لوقوعهم بين منطقتي الجهل الكامل وبعض بصيص العلم الممزوج بفنون الرياء ــ من اصل ما يقارب أو يزيد على 300 مليون مواطن ــ أو بالأصح, عنصر سلبي في رعية تُساق قهرا.
غابت عن سياساتهم الأمنية أن الفكرة, والكلمة التي تحملها, يمكن أن تُقهر, و تُبعد, وتُسجن, لكنها لا تضمحل, ولا تموت ولا تفنى. جلادو الفكرة والكلمة, كما يُعلّم التاريخ, هم الفانون. والأفكار عابرة للزمن, رغم الأنوف المرهفة, تتوارثها الأجيال, وإلا لبقي الغرب في ظلام عصوره الوسطى, ولبقي الطغاة يُسيّرون التاريخ حسب مشيئتهم والى الأبد, و لماتت فينا الآمال بالخروج من عصر انحطاطنا الحديث.
وعليه, نرى, مع الاحترام الكبير للقارئ, أو عابر العناوين الجادة بطرف العين, انه الآن زمان ومكان الإشارة إلى الخطوات الأولى والأساسية في الطريق الطويل لخلاصنا, وليس أي خلاص. الآن, وبعد ضياع عقود من حياة الوطن والمواطن, وقت العمل على إعادة بناء أنفسنا, وبناء الدولة, المخطوفة, التي لم تبن منذ حصول بلداننا على الاستقلال والى اليوم, الدولة الديمقراطية, دولة القانون والمؤسسات. دولة المواطن السيد الذي يختار بإرادته الحرة حكامه, ويعرف كيف ومتى يخضع لهم باعتبارهم مفوضين من قبله وليسوا سادته, وكيف ومتى يسرحهم خير تسريح, وبالإرادة الحرة, وطبقا للقانون. دولة عصرية تحل محل دولة الشعارات, والغوغائية, والإيديولوجيات المتهافتة, والغيبيات, والفساد والإفساد, والجهل والتجهيل, دولة الفرد الملهم, والحاكم بأمره, دولة رئيس العشيرة, أو القبيلة, أو الطائفة, أو العائلة, الدولة الشمولية القمعية بنسخها العربية المتخلفة. وبكلمة الدولة التي تكنس, والى الأبد, دولة الفساد والإفساد والطغيان والاستبداد.
ليست هذه أحلام يقظة, إنها حقيقة, وان لم تكن ناصعة دوما, أو كاملة, لكنها موجودة في عالم اليوم. نراها لو نظرنا حولنا نظرة الواثق بنفسه, نظرة من يعيش قرنه, نظرة من لا ينتقص من قيمة نفسه بنفسه, أو يسمح لغيره الانتقاص من قيمته كانسان. نراها ليس فقط في الغرب, شرقه وغربه, وإنما كذلك, وبدرجات مختلفة, في دول من العالم الثالث, استطاعت أقامة أنظمة ديمقراطية, أو قريبة منها, بعضها استقل بعدنا ولم توفر لها الطبيعة من الثروات والمصادر الطبيعية ما وفرته لنا, ولكن إنسانها استطاع بناء دولا متوازنة توفر له حياة مادية كريمة, وكرامة إنسانية.
ومنه, تحدونا الإرادة إلى متابعة, مع الآخرين, ما يمكن أن يُكتب في مجال بناء الدولة, دون خشية من عدم اهتمام القارئ, وتحفظ الناشر, وعدم وصول الفكرة, أو إجهاد وإغضاب الرقيب, فهو وُجد لذلك وفي ذلك وحده لقمة عيشه و"رغدها".
بينا في المقال السابق, دون ادعاء الإحاطة أو الإلمام, بعض أوجه الحريات في الديمقراطية. وأشرنا إلى عدم إمكانية فصل الحريات عن المساواة ــ رغم ما بينهما من تعارض أحيانا ليس هنا مجال الإشارة إليه ــ إلا لتسهيل الحديث وتبسيط الطرح.
والواقع أن مسألة طموح الديمقراطيات, متعددة المفاهيم والتطبيق, إلى تقريب المفهوم النظري للمساواة من الواقع هي في صميم الاهتمامات الأساسية لهذه الديمقراطيات. فتعمل جاهدة على إيجاد الوسائل اللازمة لذلك في مجتمعات دائمة التطور, والآليات القابلة ليس فقط للتكيف مع هذا التطور, وإنما كذلك للمساهمة الفعالة فيه. الديمقراطية لا توصل إلى المساواة, غير المتفق على أبعادها ومضامينها, تلقائيا وبسحر ساحر. وإنما تساهم في ذلك نوعية ودرجة التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.. للمجتمعات الديمقراطية .
ليست الطروحات الأخلاقية المجردة, والعضات, والتبشير, والوعود والأمنيات, والخطاب السياسي المتخشب, هو ما يوصل إلى المساواة, أو يقرب منها. فهذه الأخيرة خرجت في الدولة الديمقراطية من دائرة الأخلاقي الصرف لتدخل الدائرة القانونية بإلزامها. نصت عليها الدساتير, وتحميها القوانين. كما تثقف على مبادئها مؤسسات التربية والتعليم, وجمعيات المجتمع المدني, ودخلت الأسرة بتكوينها وعلاقاتها.
ليس هدف الديمقراطية وطموحها هو فقط خلق المؤسسات الديمقراطية, وإنما وبالدرجة الأولى خلق الإنسان الديمقراطي ــ الذي هو روح المؤسسات, وان انفصلت هذه عنه لتقوم بذاتها ككيان مستقل له مكوناته وخصائصه, وتُرضخه , كفرد, لقوانينها وأنظمتها ــ المتشبع بقيم الديمقراطية, فعنها يصدر سلوكه وتصرفاته وأنماط تفكيره. ولم تدع أية ديمقراطية ,أي كان شكلها وعمقها, أنها بلغت, وبشكل كاف, هذا الهدف.
خلال القرون ارتبطت الديمقراطية بتحرير الإنسان من الجهل والتبعية والتقاليد البالية والقوانين الجائرة التي تنسب لنفسها القدسية. وبفضل تطور العلم, والنمو الاقتصادي, والاجتماعي والثقافي, تحرر الفكر من الأوهام المتعلقة بالدولة ونشأتها وأصولها, وأصول وشرعية ومهام حكامها. ومازال كل هذا مرتبط بها.
وخلال القرون ارتبط مبدأ المساواة بالديمقراطية, كانت في بداياتها, زمن الإغريق, وفي مراحل طويلة في عهد الرومان, نوع من المساواة بين المواطنين الأسياد, مستبعدة منها العبيد والنساء والأجانب.
وعبر تطور أنضجته القرون اخذ مفهوم المساواة يعرف أبعادا جديدة بحيث لم يعد فقط مطالبات بالمساواة بين البشر دون النظر إلى العرق واللون والدين والجنس, لتصبح حق تأكيد القيمة المتساوية لكل البشر في كل المجالات. مساواة في الإنسانية وفي الكرامة ( مصطلح الكرامة الإنسانية حديث الاستعمال نسبيا انتقل, من القانون الدولي إلى القانون الداخلي).
لا نريد الدخول في فلسفة المساواة والنظريات التي تربطها بهذا المبدأ أو ذاك, فليس مفهوم المساواة موضوع هذه الإشارة الوجيزة. وإنما سعي الديمقراطية الدائب لربطها بواقع المجتمع في اللحظة المعاشة, مع النظر للمستقبل, واستمرار السعي لإيصالها بقدر المستطاع إلى مجالات قد تبدو عصية عليها, في أنظمة اقتصادية يفرض فيها اقتصاد السوق نفسه على كل شيء, بما فيها المبادئ والقواعد القانونية.. دون وهم بان المساواة المطلقة فكرة مثالية غير قابلة للتطبيق, في عالم اليوم على الأقل, المساواة تتحقق على مستوى تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص أمام الجميع. و بتقليص مجالات عدم المساواة, وفي والمساواة أمام القانون. وهي أهداف قابلة للتطبيق وبدرجات مختلفة.
فالسعي في المجال القانوني لتطبيق مبدأ المساواة, يتجسد واقعا في مراقبة المحاكم لانتهاك هذا المبدأ. فالقانون الجزائي مثلا يُجرّم الأفعال,التي تنتهك المبدأ المذكور, ونشير هنا, على سبيل المثال, إلى المواد: 225 ـ1 , 225ـ2 و 432ـ7. من القانون الجزائي الفرنسي. فالمادة 225ـ1 تعتبر تمييزا: كل فعل يميز بين الأشخاص الطبيعيين بسبب أصولهم, أو جنسهم, أو وضعهم العائلي, أو مظاهرهم الجسدية, أو ألقابهم, أو أحوالهم الصحية, أو عاهاتهم, أو عاداتهم الأخلاقية, وتوجهاتهم الجنسية, أو أعمارهم, أو أرائهم السياسية, أو نشاطاتهم النقابية, أو انتماءاتهم إلى عرق معين, أو إلى أمة معينة, أو دين معين.
و على سبيل المثال أيضا, ذهبت الغرفة الجنائية لمحكمة النقض الفرنسية إلى اعتبار منح مكافأة مالية للأم الفرنسية عند الولادة (دون أن يشمل ذلك كل الأمهات المقيمات في فرنسا, ولا يحملن الجنسية الفرنسية) تمييزا قائما على عدم الانتماء إلى الأمة.( crim. 17 déc.2002. Bull.n° 227).
كما أن قانون العمل في مواده: L.123-1 , L.140-2 وما يتبعها, تجرم التمييز القائم على الأصل والجنس والمظاهر الجسدية, أو الإعاقة .. وان القانون بهذا يهدف إلى "مكافحة السلوك غير المنسجم مع القيم الأخلاقية للمجتمع الفرنسي". فالمساواة في حق العمل والأجر المتساوي لممارسي نفس العمل تطبق على الفرنسيين والأجانب دون تمييز, الاستثناء الوحيد عليه هو عدم شموله للأجانب غير شرعيي الإقامة. وتجد هذه النصوص مبرراتها في مبدأ المساواة نفسه الذي يعلنها.
و في مجال المساواة بين الرجل والمرأة في الأنظمة الديمقراطية.
أكدت المادة 13 من اتفاقية الجماعة الأوروبية لعام 1999 المبدأ العام للكفاح ضد كل أنواع التمييز القائم على الجنس والعرق أو الأصل ألاثني أو الدين أو المعتقد أو الإعاقة أو السن.
و نصت المادة 2 من معاهدة الاتحاد الأوروبي على القيم المشتركة للاتحاد, وبان المساواة بين النساء والرجال صفة أساسية من صفات المجتمع الأوروبي. فالاتحاد يعمل ويشجع العمل على المساواة بين الرجال والنساء (المادة 3). وفي " كل المجالات يعمل الاتحاد على رفض كل أنواع اللامساواة. ويعمل على تشجيع تحقيق المساواة بين الرجال والنساء.( المادة 8),
ميثاق الحقوق الأساسية يعلن في مادته 33 " يجب تأمين المساواة بين الرجال والنساء في كل الميادين" بما فيها مجال العمل والأجور.
ولإخراج هذه النصوص من مجال الإعلانات السياسية غير الملزمة أُعطيت لأحكام الميثاق القيمة القانونية المعترف بها للمعاهدات. وتحت رقابة القاضي.
الاهتمام والسعي الدائب في الأنظمة الديمقراطية بمسألة المساواة, كما في مسألة الحريات وغيرها من المبادئ الديمقراطية, اهتمام يشارك فيه جميع المواطنين, فهو غير مقتصر على فعل ومنظور السلطة السياسية وحدها, وإنما هو نتيجة جهود متضافرة, ومشاركات مجتمعات بأكملها: بأحزابها السياسية, وجمعيات المجتمع المدني, التي تعد بالآلاف في كل دولة, والحركات النقابية, والمفكرين والمثقفين بأنواعهم, والمتخصصين, كل في مجاله, وحتى الفاعليات الروحية. كما أن للمؤثرات الخارجية, المتداخلة والمتفاعلة, للمجتمعات الديمقراطية التي تحمل نفس القيم, دور دفع وتطوير وتعميق في هذا المجال.
وبكلمة, المساواة والحريات وكل القيم الديمقراطية هي نتاج حركة لم تنقطع لمجتمعات ــ كانت تسعى عبر التاريخ لامتلاك مصيرها وتقريره بنفسها, فامتلكته , بدرجة أو بأخرى , وليست على استعداد للتراخي أو التفريط فيه, ولها في التاريخ دروس وعبر ــ تسعى, عن طريق المشاركة والشراكة في الوطن وشؤون المجتمع والدولة, لتحقيق مواطنية citoyenneté كاملة وغير منقوصة.
فينتمي عندها المواطن, وبفخر وصدق, للوطن. ويتساوى الجميع في الانتماء. وتصبح محبة الأوطان من الإيمان بالله و بالإنسان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اليوم والثورات العربية أصبحت واقعا, منها ما اسقط رؤؤس الطغيان ويعمل لإسقاط تبعاته, ومنها مازال مشتعلا في سوريا, وأي اشتعال, تدفع دماء ثوارها وقودا بلا حساب للإطاحة بالطغيان والفساد والاستبداد. هذه الثورات لا تستحق اسمها إن لم تنجز مهامها كاملة من إسقاط لأنظمة وكل منظومات العهد القديم, وان لم تكن وفية لدماء الشهداء وكل أنواع التضحيات, بتحقيق تطلعات الشعوب ببناء دول ديمقراطية بمساهمة كل مكوناتها على معايير الحرية والكرامة الانسانية و المواطنة والمواطنية. التاريخ لم يعرف يوما شيئا اسمه نصف ثورة.
اليوم تتواتر محاولات خطف الثورة وقيمها من قبل من لم يشاركوا فيها, ولم يكونوا من مؤيدها إلا بعد تأكدهم من انتصارها الحتمي, محاولات لإفراغها من محتواها. فما معنى ثورة تسلم قيادها لمن كانوا في أفكارهم سببا في استمرار أنظمة الطغيان, و ما زالوا من المعادين جهارا لكل القيم الحديثة من ديمقراطية وعلمانية ومساواة في المواطنية, ومساواة بين النساء والرجال, ممن يجهدون لجعل المؤسسات العامة مراكز دفاع عن أفكارهم, أليس في هذا مجرد تحول في شكل الاستبداد, مع تكريس طبائعه.
أين كنا وأين أصبحنا. ولكن الحذر الحذر من العودة إلى حيث كنا.
د. هايل نصر .
التعليقات (0)