أين كان العرب آنذاك؟
ما زال بعض العرب يزعمون تعنتا واعتباطا ان الكنعانيين كانوا عربا، وان الوجود العربي في أرض اسرائيل (فلسطين) ما هو الا امتداد لوجود عربي كنعاني سبقه بآلاف السنين ...
فلو صح هذا القول اذن لماذا غابت الحضارة العربية عن أرض اسرائيل طوال هذه القرون من الزمان التي خلت فيها البلاد من أي ذكر للعرب والحضارة العربية ..!؟
أين كان العرب عندما جاهد اليهود بشق الأنفس لأقامة وطن لهم في أرض اسرائيل قبل اكثر من ثلاثة آلاف عام، واتخذوا القدس عاصمة لملكهم وبنوا فيها أقدس مقدساتهم .....
أين هي الكتب والأسفار والمؤلفات العربية من تلك الفترة لتبوح لنا بهذا الوجود العربي المزعوم، بينما الأسفار والوثائق والشهادات الحية باللغة العبرية التي دوّنها اليهود مذ دخلوا البلاد وحتى يومنا هذا، لم تنقطع او تتوقف يوما واحدا، فهذه أسفار التوراة وكتب الأنبياء وكتابات الكهنة وعلماء اليهود ومؤرخيهم ظلت متواترة على مر عهود أرض اسرائيل دون انقطاع وعلى مدار ثلاثة آلاف عام حتى عصرنا هذا، ما زالت تملأ رفوف المكتبات والجامعات والمؤسسات التعليمية والبحثية، ولا يوجد طفل يهودي واحد الا ويعرفها نصا وفكرا وقراءة ومنهجا .......
اذا كان الوجود العربي في أرض اسرائيل حصل فعلا قبل أكثر من ثلاثة عام، واذا كان الكنعانيون واليبوسيون عربا، فلماذا يحتاج القارئ العربي الى هذا الكم الهائل من علماء اللغات والمتخصصين والباحثين لفك رموز اللغة الكنعانية، بينما لا يجد الطفل اليهودي أدنى صعوبة لقراءة نص عبري من التوراة عمره ثلاثة آلاف عام، ألا يدل هذا على ان اللغة العبرية ظلت حية ومتداولة منذ ذلك الزمان وحتى زمننا الحاضر دون انقطاع وبتواصل نادر لم تشهده الا قلة من الحضارات والأمم ......
أين كان العرب من فلسطين عندما دافع اليهود عن وطنهم أمام أعتى جيش عرفه العالم في القرن الثامن قبل الميلاد، هو الجيش الأشوري، الذي عاث دمارا وخرابا في البلاد، وهُجّر اليهود من مملكتهم الشمالية عنوة وشُردوا من ديارهم وصودرت أملاكهم، في الوقت الذي صمدت فيه المملكة الجنوبية وحافظت على امتداد الوجود اليهودي في أرض اسرائيل ......
أين كان العرب عندما استبسل اليهود في معركة مجيدو في القرن السابع قبل الميلاد، بل سقط ملكهم يوشيا في أرض المعركة، في واحد من أروع المشاهد البطولية، محاولين صد الغزو المصري لبلاد الشام، بل ان سقوط الملك يوشيا المصلح الديني ومجدد ذلك القرن ومطهر الديانة اليهودية من التأثيرات الوثنية، بلغ صداه مسامع مدوني الأناجيل المسيحية بعد مرور حوالي 700 عام !! من تلك الحادثة، لدرجة ان يوحنا أحد هؤلاء المدونين ذكر في (رؤيا يوحنا) ان سهول مجيدو التي سقط فيها الملك الصالح يوشيا وانتصر فيها الشر على الخير، سوف تشهد في آخر الزمان معركة حاسمة تعود فيها الغلبة لقوى الخير، لينصف التاريخ من قدّم نفسه فداء للدين والوطن ......
أين كان العرب عندما رفض اليهود الخنوع لأقوى جيش عرفه القرن السادس ق.م ، هو الجيش البابلي، وذاقوا الويلات من صنوف الحصار والتجويع والقتل والدمار والترويع والسبي والتشريد والتهجير، بعد ان سطروا صمودا أسطوريا، وظلوا يدينون الولاء لأرض اسرائيل، ويصلّون مولين وجوههم الى بيت المقدس وقدس الأقداس، متضرعين الى الله ان يعيد اليهم قدسهم السليبة .......
أين كان العرب من فلسطين والقدس عندما ناضل اليهود لبناء مقدسهم من جديد في القرن السادس ق.م في زمن الحكم الفارسي، وأقاموا المؤسسات الدينية والمحاكم الشرعية والهيئات الادارية ومجالس الشورى ودور العلم، بل أقاموا برلمانا سمي (كنيست الكبرى) انتخب له حوالي مائة من خيار العلماء وصفوة العباد ......
أين كان العرب عندما أنهك الثوار اليهود أعتى جيش عرفه القرن الثاني ق.م ، هو الجيش اليوناني، خلال انتفاضة يهودية عارمة استمرت لسنوات، تمكن اليهود في أصعب مراحلها من تحرير بيت المقدس وتجديد الشعائر الدينية والاحتفال لأول مرة بعيد التدشين والأنوار .....
أين كان العرب في القرن الأول للميلاد عندما جاب الشاب اليهودي يشوع (عيسى بن مريم) شوارع القدس التي كانت يهودية، وطاف في أروقة بيت المقدس اليهودي مقارعا علماء اليهود ومبشرا بمذهب يهودي جديد تحوّل بعده الى ديانة مستقلة هي الديانة المسيحية .....
أين كان العرب من فلسطين والقدس في القرن الأول للميلاد عندما قاتل اليهود بضراوة أمام أحد أعتى وأشرس الجيوش التي عرفها التاريخ البشري، هو الجيش الروماني الذي حاول ان يكرههم على دينهم ويخرجهم من ديارهم، فيما عُرف بالثورة اليهودية الكبرى التي انتهت بخراب مقدسهم وقدسهم ....
أين كان العرب واللغة العربية عندما خط المؤرخ اليهودي يوسف بن متتياهو المجلدات عن تاريخ الشعب اليهودي، منذ ولادته ونشأته وحتى القرن الأول للميلاد، وموثقا الثورة اليهودية ضد الرومان، ومدافعا عن الديانة اليهودية .......
أين كان العرب عندما دفع اليهود مئات الآلاف من دماء أبناءهم في ثورتهم الثانية ضد الرومان إبان القرن الثاني للميلاد، والتي ما ان أخمدها الروم حتى سارعوا الى طمس المعالم اليهودية في أرض اسرائيل بتغيير اسمها الى بلستين (فلسطين) لأول مرة في تاريخها، ومنع تدوين كتب التوراة، ووقف الحج الى بيت المقدس اليهودي وتغيير اسم يروشلايم الى إيلياء، ونشر الديانة الوثنية في البلاد ...........
أين كان العرب عندما خط علماء اليهود كتب التفسير: المشناه والتلمود على مدار قرون ما بين القرن الثاني والقرن الخامس للميلاد، وأقاموا المؤسسات الدينية التي نابت عن مؤسسات بيت المقدس، وظلت الهيئة الدينية العليا (السنهدرين) تدير شؤون اليهود الدينية والدنيوية منذ خراب بيت المقدس وحتى القرن الخامس للميلاد، في ظل ممارسات قمعية صارمة من قبل الروم المسيحيين، في الوقت الذي كان العرب في الجزيرة العربية لا يزالون يطوفون عراة حول الكعبة ويسجدون للأصنام ويجولون بالأقداح ويمتهنون السحر والشعوذة والعرافة .........
أين كان العرب عندما كان يهود الجزيرة العربية يقيمون شعائر التوراة ويعبدون الله دون سواه ويشدون الرحال الى القدس على مدار قرون سبقت ظهور الاسلام، وهم من أطلق عليها اسم (قدس) و (بيت المقدس) عندما بدأوا يتحدثون العربية الى جانب العبرية، وهي ترجمة حرفية لبيت المقدس وقدس الأقداس باللغة العبرية .........
أين كان العرب والمسلمون من القدس في عهد الخلفاء الراشدين عندما أصبح بيت المقدس يخضع للسيطرة الاسلامية، ولماذا لم يُشيّد المسجد الأقصى الا في العصر الأموي بعد 50 عاما من فتح بيت المقدس!! ، لما تعذّر على حجاج الشام ان يشدوا الرحال الى مكة بعد ان استباح جند الامويين المدينة المنورة سلبا ونهبا وسبيا لمدة ثلاثة أيام في معركة الحرة انتقاما واستئصالا لخلافة عبد الله بن الزبير، وهل يصدق عاقل ان من استباح المدينة المنورة وصلب الخليفة ابن الزبير على أسوار الكعبة، يمكن ان يبني مسجدا في القدس خلال هذه المحنة لأسباب دينية .........
التعليقات (0)