أين الوجه المضيء للحياة؟
بقلم: خليل الفزيع
ثقافة التشاؤم مصطلح بدأ يفرض نفسه بعد أن تبنته بعض الفئات التي لا ترى من الحياة سوى وجهها المظلم، ناسين أو متناسين بدهية أن الشمس عندما تغيب في جهة ما من الكرة الأرضية، إنما لتشرق في جهة أخرى ـ في الوقت ذاته ـ وهذه السوداوية التي تتحكم في نظرة تلك الفئات لكل الأمور إنما تنتج ما سميناه ثقافة التشاؤم التي لا ترى سوى الظلام. فالذين يذكروننا بعبثية الحياة ليل نهار، وعدم جدواها مقارنة بالراحة (الأبدية) في غياهب القبور، يرسخون في أذهان الأجيال الجديدة سهولة التضحية بحياتهم وحياة الآخرين، ويصبح الانتحار استشهادا، وتصبح التفجيرات إصلاحا، فيباح قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق.. تزهق الأرواح، وتنتهك الحرمات، وتدمر الممتلكات.. وذلك كله باسم الإسلام، وهو الداعي إلى السلام، وصيانة دم الإنسان وعرضه وماله.
والذين يذكروننا بجهنم ليل نهار، ومما فيها من العذاب الأليم، ينسون جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين.. أما جهنم فقد أعدت للكافرين والمنافقين ومن يحادد الله ورسوله ومن يقتل مؤمنا متعمدا، ومن دار في هذه الفلك.. من الإرهابيين والتكفيريين، فالترهيب لا يغني عن الترغيب، والأولى هو التذكير بأن الآخرة فيها من النعيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت.. التذكير بالعمل على اكتساب رصيد من عمل الخير يؤهل لدخول الجنة من أوسع أبوابها برحمة الله وعفوه.. تلك الفئات لا ترى من الحياة إلا وجهها المظلم، ولا ترى من الموت إلا الطريق إلى جهنم، ولا ترى من رب العباد إلا غضبه وانتقامه، وهو الغفور الرحيم بعباده، ولولا رحمته وغفرانه، للقي الناس كل الناس سوء المصير، ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالين.
ثم إن ثقافة التشاؤم عندما تسود في المجتمع.. يفقد الناس إيمانهم بقدراتهم على الإبداع والإنتاج، وتسيطر على عقولهم عوامل الخوف من أي عمل يقدمون عليه خشية الوقوع في المحذور الذي ربما لا يكون له وجود، لكنها الرهبة المزروعة في نفوسهم، والحساسية المفرطة تجاه أمور لا تستدعي الرهبة أو الحساسية، وتكون النتيجة هي الغرق في نوع من التصوف المفرط أو الرهبنة التي حذر منها الإسلام.. رهبنة تبنى على التشدد وتنسى الوسطية، وتقوم على العداء وتنسى التسامح، وتنطلق من الرفض وتنسى الحوار.. كل ذلك يطرح تحت مظلة الإسلام البريء من ممارسات بعض المسلمين في تشددهم أو في تفريطهم.
ولا جدال في أن علماء الأمة المستنيرين.. الذين يدعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، هم حملة مشاعل الدين، وهداة الضالين، من اقتدى بهم فقد اهتدى، لكن ما لا يخفى على أحد أن هناك من المتحمسين من ذوي النوايا الطيبة أو غير الطيبة.. من تزوغ أبصارهم عن رؤية مصالح الأمة، وحقائق الحياة، ومعطيات العصر، والنوايا وحدها لا تبني، بل لا تصلح أساسا لأي بناء يراد له الشموخ والصمود في وجه تحديات العصر، حتى وإن اعتسفت بعض النصوص التي يراد تطويعها لأهداف يقال أنها إصلاحية، وهي بعيدة كل البعد عن أي إصلاح، خاصة تلك الدعوات التي ينطلق أصحابها من منابر مشبوهة، متخذين من عواصم بعض الدول الغربية قواعد لهم بعد أن لفظتهم أوطانهم، أو هم باعوا أوطانهم سعيا وراء سراب يحسبه الظمآن ماء، رافعين راية التشاؤم والرفض والتكفير، ساعين إلى ترسيخ مفاهيم مشوشة في أذهان الناس.
فأين هو الوجه المضيء للحياة؟ وأين هي الجوانب المشرقة منها؟ أليست رسالة الإنسان أن يعمر الدنيا بدل أن يدمرها، وان ينمي بذور الخير، بدل أن يزرع الشر والحقد والضغينة، ومتى نفهم أن الإسلام هو الخير والحب والسلام والأمن والخلق العظيم؟
التعليقات (0)