أين الحقيقة؟

المتأمل في أحوال العرب تصيبه حيرة. هم فقراء تحت أقدامهم ثروات لا يعلم ضخامتها إلا الله, ومع ذلك لا يشعر المواطن العربي إلا بالفقر والعوز. ولا تعلم شعوبهم أين تذهب الثروات, وفي أي الجيوب تقع, وفي أي المصارف تصرف؟ عندهم دين ختم الأديان السماوية, وكتاب مصدق لكتب الديانات ومهيمن عليها, ورسولهم أتم مكارم الأخلاق, ولديهم سيرة عطرة لفضلاء البشر, ومع ذلك تسود الأخلاق السيئة معاملاتهم, وتصبغ أشخاصهم الصفات الدنية, وتملأ حياتهم توافه الاهتمام, ويكثر فيهم سفه الرجال ونشوز النساء وضياع الشباب وتفكك الأسر. ولا نعمم هذا السواد ففي فضائهم بعض النور لكنه خافت, وفي حياتهم بعض الجد لكنه قليل, وفي بلادهم بعض المجتمعات التي لم تفقد رشدها إلي حد الضياع, وفي حكامهم نفر قليل لم يزل يخشى الله. وإذا سألت على من تقع التبعة, فقد يجيبك البعض أن المسؤول هو الحاكم والعالم والنظام ثم يترك الأشخاص ويتهم المعاني ويقول: الفساد وسوء التخطيط وغياب المحاسبة وأبدية الحكام وتفرد أصحاب المال بالقرار وزواج السلطة والمال وسطوة الغرب المعادي وازدواج المعايير داخليا وخارجيا ثم تتوه فيما قيل ثم لا تجد راحة ولا ملجأ إلا أن تنسى وتنصرف إلي شؤونك.