مواضيع اليوم

أين أنت أيها القصخون

ismail elbazigh

2012-07-03 13:34:12

0



لكل شعب من الشعوب فن يمتاز به عن البقية والشعب العراقي هو ممن كان يمتاز بفن شعبي يسمى " القصخون " حيث هذه الكلمة تتألف من مقطعين الأول هو " القصة " والثاني " خون " وتعني الراوي " وكان هذا الفن مزدهرا لفترة طويلة في مدن ونواحي وحتى القصبات والقرى النائية في العراق . حيث كان يقام للقصخون مجلسا خاصا فيبدأ بسرد قصصه التي إما أن تكون من تأليفه ونسج خياله أو من تعلمها من معلميه وكانت لكل قصة يرويها القصخون معنى وحكمة وفائدة ولهذا كان مستمعيه يتعلقون به وبما يرويه على مسامعهم .وإضافة سبب تعلقهم هو غياب مايمكن الإنشغال به كبديل عن " القصخون " حيث لم تكن توجد وسائل إعلام سمعية أو مرئية آنذاك فكان هو الوحيد الذي يقصده أبناء المدن والأرياف ليتسلوا وينهلوا من حكمه ومواعظه .
يمتاز القصخون بثقافة عالية . وخيال واسع وخصب. وسرعة بديهة . وطلاقة ولباقة لسان .وقدرة على القيام بحركات أشبه ماتكون بحركات ممثل محترف . حيث يستطيع أن يشد سامعيه .
وكان أيضا يتسلل من خلال روايته بوضع آية أو حديث أو بيت شعر لكبار شعراء العرب وفي أكثر الأحيان كانت تكون مقدمة قبل الدخول بحكاية روايته أو فاصل يذهب بأسماع حاضريه لأبعاد حكيمة يراها نفس القصخون من مناسبة لسبب حكاية يومه أو لسلته هذه .
وأيضا كانت حكاية أو رواية القصخون لم تكن ذات بطر أو سببا للهو فقط بل كانت دائما تعالج مشكلة ما في المجتمع الذي يحكي له سواء كان مدينة أو ريف أو عشيرة .
فالـ " القصخون " لم يكن مهرجا ولا أرجوزا كما هو معروف في تراث الشعوب الأخرى ممن تأتي لها عربات المهرجين والأرجوزات التي تعبث بسكان المدن لمجرد الترفيه الضحك بما يقدمونه من هزل سفيه بقيامهم بحركات بهلوانية أو ماشابهها من حركات تحط من شخص مقدمها وعارضها .
بل كان القصخون شخصا وقورا ذي هيبة لاينظر له سامعيه إلا باحترام كبير وشديد حيث كان يمثل لديهم الرجل الحكيم والذي يعادل منزلة رئيس القبيلة أو العشيرة من حيث الإستماع له ولآرائه . لما يمتلكه من علم ومعرفة وحكمة وثقافة ورؤية بعيدة الأمد .ففي أغلب الأحيان كان رؤساء المدن ووجهائها أو رؤساء القبائل ووجهائها يلجأون إليه . في إبداء رأيه والإعتماد عليه .
المهم .
غاب عنا القصخون وأنقرض شخصه واندثرت حكمته في نهاية الخمسينات تقريبا من القرن الماضي حيث تغيرت المجتمعات بسبب ماطرأ عليها من طواريء لم تكن معهودة آنذاك . ومنها دور السينما ومحطات التلفزيون والإذاعات . وهي في الحقيقة لم تكن بمستوى المنافس للقصخون لكنها كانت تستميل تلك الأجيال التي إبتعدت عن الحكمة والفضيلة شيئا فشيئا . ولا ننسى أيضا العوامل السياسية أيضا والتي كانت سببا رئيسا وفاعلا في غياب القصخون.
وبمناسبة ذكرنا لهذا الفن وراويه لا بد لنا أن نذكر نقلا عن آبائنا .أحد حكاياه الداعية للأخلاق والفضيلة .وحكايته هذه هي من نسج الخيال لكنها معززة بالحكمة والموعظة وتصب في أعماق ديننا الحنيف . حيث البر بالوالدين . وحسن التربية .
يقول القصخون ..............
كان في أحد الأزمان ملك عادل وفاضل . توفاه الأجل وهو قد ترك له من الخلف أميرا شابا هو أقرب للصبا من الشبيبة فتوج ملكا خلفا لأبيه . فبعد الإنتهاء من مراسم العزاء والحزن على فقد والده الملك سارع لفتح الخزائن التي خلفها الملك الراحل حيث كانت تستميل كل الشباب كثرة الأموال والكنوز . فقام الملك الشاب برؤية الخزائن واحدة تلو الأخرى إلى أن وصل إلى أكبر خزنة " قاصة " في القصر . ففتحها وإذا به قد فوجيء بأنها خالية تماما إلا من سنبلتين .!!!!!!!!!!!
واحدة من ذهب والثانية من فضة .
أصاب الملك الشاب من الذهول ما هو أكبر من عمره وعلمه ومعرفته . حيث كانت السنبلتين من أروع ما رآها إنسان من فن وحسن صنعم لصياغتها ودقتها وجودتها .
بدأ الملك الشاب بالسؤال عن الشخص " الصائغ " الذي صاغ هذه السنبلتين فلم يرى جوابا بين أفراد حاشيته ورعيته من سكان مركز حكمه . حيث أصابه الهم والتعب والحزن الشديد . فقرر أن يذهب بنفسه مسافرا باحثا عن هذا الصائغ العظيم . ليتعرف عليه وربما يطلب منه العمل عنده ليصوغ له مايريده إن لزم الأمر بذلك . وطال سفر الملك الشاب وغيابه عن حكمه وقصره أكثر من سنة إلى أن وصل لقرية نائية بعيدة جدا عن حكمه وسلطانه . فسأل هنالك أحد أفراد القرية عن قصة السنبلة وصائغها . فأجابه كالعادة لا أعلم . لكن ربما فلان يعلم ويعطيك جوابا لما تسأل عنه .
ففرح الملك الشاب لمجرد أمل بسيط توارد له . فسارع بالبحث عن فلان ووصل إليه . فوجده رجلا عجوزا " رمة " لايستطيع الحراك أنهكه الكبر حتى وصل إلى أرذل العمر . موضوعا في " سلة " أمام حقل زراعة . فسلم عليه وسأله .
هل أنت فلان ...؟
أجابه . نعم أنا هو .
قال له هل تعلم ماقصة السنبلتين .؟؟؟
أجابه كلا لا أعلم لكن أخي الأكبر مني ربما يعلم .!!!
سأله الملك الشاب وأين أجده .؟
أجابه العجوز تجده في قريته هناك وأشار إلى جهتها بإصبعه .
فأسرع الملك الشاب باتجاه قرية ذلك الرجل عسى وأن يلحق به قبل موته لما رآه من كبر عمر أخيه الأصغر وسوء حالته .
المهم.
وصل الملك للقرية ودلوه على الرجل المطلوب .ورآه وإذا به ليس بما كان يظن !!!
حيث كان نشطا واقف عند بحيرة قرب مجموعة من الشباب وهم أبناءه نزلوا إلى شاطيئها ليصطادوا السمك .
فتعجب الملك وسأله هل أنت أخو فلان وأكبر منه .
تبسم الرجل قال له لاتستغرب نعم أنا أخوه وأكبر منه . لكن قلي ماذا تريد أنت ؟؟؟
سأله الملك الشاب عن قصة السنبلتين ؟؟؟
أجابه الرجل حقيقة لا أعلم قصة السنبلتين لكن عليك بأخي الأكبر مني فهو أكيد يعرفها .
تعجب الملك مما صادفه ورآه فهل هنالك أخا آخر أكبر من هؤلاء !!!؟؟؟
سأله وأين أجد أخاك . فأشار الرجل إلى قرية أخيه الأكبر .
فعلى نفس الحال ذهب الملك الشاب باتجاه قرية الرجل . حتى وصل إليها فوجد شخصا أقرب إلى الشباب من حيث بناء جسمه وصحته .
فسأله هل تعرف فلان ؟
أجابه أنا هو فلان الذي تسأل عنه .
الملك الشاب باستغراب وتعجب أنت فلان الأخر الأكبر لـ ..... !!!!!!!!!
سبحان الله وكيف تكون أكبر منهم وأنت بهذا الحال !!!!
قال له الرجل على كل حال قل ماهو سبب سؤالك عني .
أجابه الملك قصة سنبلتين لكن دعنا منها. أنا الآن أريد أن أعرف قصتكم ........؟
قال له الرجل لك ماتريد شرط أن نذهب إلى الدار لنتناول الغداء .
أجابه الملك لا مانع عندي هلم بنا . ذهبا فجلسا في أحد غرف الدار . ونادى الرجل زوجته . يا أم فلان تعالي هنا فلدينا ضيف . جاءت الزوجة مسرعة . فسلمت على الضيف وزوجها .
قال لها زوجها أئتينا بأكبر بطيخة موجودة لدينا نقدمها لضيفنا الكريم .
ذهبت الزوجة حتى عادت بأكبر بطيخة لديهم .
قال لها زوجها قلت لك أكبر بطيخة لدينا وهذه ليست هي الأكبر فاذهبي وأبدليها .
قالت الزوجة سمعا وطاعة .
فجاءت مرة أخرى وهي تحمل البطيخة الكبيرة .
قال لها زوجها مرة أخرى يا أم فلان قلت لك مرتين هاتي أكبر بطيخة لدينا .
قالت مرة أخرى الزوجة سمعا وطاعة . حتى أئتت بأكبر بطيخة لديهم .
حينها سأل الرجل ملكنا الشاب فقال له ماذا رأيت ؟؟؟
أجابه الملك رأيت زوجتك كل مرة تأتي ببطيخة أكبر من الأخرى .
قال له الرجل أبدا فأنت مخطيء تماما . فزوجتي في كل مرة تأتي بالبطيخة نفسها مع تغير " الصينية " - الطبق الذي يوضع فيه الطعام - فلاتوجد لدينا غير هذه البطيخة أبدا .
لكن زوجتي لا تريد إحراجي ولا تريد رد طلبا لي وهي مطيعة جدا وكذلك أبنائي وهذا هو سبب بقاء صحتي وقوتي حيث لم أنهك بتعب التفكير والألم من معاملتهم لي .
أما أخوتي فالأصغر مني تعامله زوجته وأبناءه ببعض الإحترام وحسن المعاملة . وأما أخي الأصغر فتعامله زوجته من دون إحترام وكذلك أبناءه مما جعله يكبر ويهرم قبل أونه .
أما قصة السنبلتين فكان هنالك شابين أخوين يتيمين يعملان في الزراعة وكان لكل منهما حقلا مجاورا لحقل الآخر .
فكانا يقتسمان حراسة اليل لحراسة محصولهما من السرقة وأكل الحيوانات له .
وكان أحدهما متزوجا والآخر أعزب .
فعندما تكون حراسة المتزوج ليلا . يقوم بأخذ بعض المحصول من زرعه ليضيفه لمحصول أخيه الأعزب وهو يقول بينه وبين نفسه إن أخي لم يتزوج إلى الحين فلابد أن أعطيه من محصولي كي يستطيع الزواج .
وعندما تكون حراسة الأعزب ليلا لحقليهما ومحصوليهما .
كان يفعل نفس الشي فيأخذ من محصوله ليضيفه لمحصول أخيه وهو يقول في نفسه أنا يكفيني القليل فلست متزوجا وليست لدي عائلة أعليلها . وأخي لديه عائلة فلا يكفيه ماجاناه من المحصول ولا بد أن أساعده بذلك .
حتى أصبح أحد الصباحات على محصولهما من الحنظة فوجدا أحد المحصولين سنابله من ذهب والآخر سنابله من فضة .
وكان هذا جزاءا لهما من الله على حسن مافعلاه لبعضهما من محبة وتفاني وإيثار .
فمن يحسن للآخرين يحسن له الله بأكثر وأكبر مما يتصور .
أنتهى موضوعنا عن الراوي الحكيم المجهول حاليا ووحكاياه ذات الحكمة والنفع .
فكم نحتاج في أيامنا هذه لمثل هذا القصخون الحكيم الرائع ليعطينا دروسا مجانيا تملئها الحكمة وتبعدنا عن كثير من العبث الذي نفعله بضياع أوقاتنا في أمور تافهة .
شكرا لكل من سيتواجد هنا وللجميع مني باقة ورد جوري

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات