أيمن نور ..
ظهر اسم أيمن نور على سطح الحياة السياسية منذ أن كان منتمياً ومنتسباً لحزب( الوفد) المعارض .. ثم انسلخ منه وقام بتأسيس حزب( الغد الجديد) المستقل والذي بدا وكأنه يسير على نظام الثورة البرتقالية الشبابية في أوكرانيا .. حتى أنه اختار اللون البرتقالي شعاراً لحزبه الذي غلب عليه العنصر الشبابي والذي بدا به وكأنه بمثابة دفقة دم جديدة ضخت في شرايين الحياة السياسية المتكلسة والشائخة في مصر ..
ظهر (أيمن نور) ابن ونائب دائرة باب الشعرية وكأنه ومضة أمل شبابية في التغيير .. وتحرك في هذا الإطار الذي اتخذ الليبرالية عنواناً وواجهة له .. ومن ثم اعتقد كما اعتقد غيره وكما هو راسخ في الأذهان أن مفتاح الوصول إلى عرش مصر قابع في يد وقبضة ومنوط برضا وموافقة (أمريكا) .. لذا ظهرت مساحة غير خافية في خطاب أيمن نور السياسي تظهر الاتصال والتواصل وتشغيل الخط (الساخن) مع أمريكا وظهوره بمظهر البديل الشبابي المنفتح والمتفتح والمتأورب .. ولكن قواعد اللعبة السياسية في مصر لم تكن بتلك السهولة ولا بتلك الانسيابية والحرية التي انقلبت على نور في ترويج إظهاره بمظهر المتعاون والمتواطئ والعميل مع الأمريكان ضد صالح بلده وأمته .وذلك في ظل شعور (شعبي ) مصري متعاظم " لم يؤثر فيه علاقة السلطة بها " بكراهية أمريكا لانحيازها المقيت لإسرائيل على حساب الحق العربي وأسباب أخرى يضيق المجال عن ذكرها . . حاول( نور) أن يمحو هذه الصورة بكل قوته إلا أنها فيما يبدو قد علق شيء منها بثيابه . .
ثم جاءت الضربة الثانية والقاصمة حين تم توجيه تهمة (التزوير) في توكيلات إنشاء حزبه (الغد الجديد) وتم القبض عليه من قلب حرم البرلمان ( مجلس الشعب) ومحاكمته ..وهي المحاكمة التي أثارت لغطاً ًوجدلاً ًشديدين .. حيث أبدت شريحة كبيرة ومتسعة من الشعب شعوراً متعاظماً و(دفينا) بأن هذه التهمة ( سياسية) ومختلقة بهدف إقصاء أيمن نور عن الحياة السياسية وكعقاب له على تجرؤه على الترشيح لرئاسة الجمهورية أمام الرئيس مبارك حيث نال (أيمن نور ) المركز الثاني بعد الرئيس ولو أنه بفارق كبير إلا أنه أظهر تواجد اً ملموساً (لنور) ومتدرجا نحو الصعود بما يشي باحتمال انفلات القدرة على السيطرة عليه مع الزمن والوقت خاصة وأن الاحتماء بالضغط الأمريكي صار لغة يتم التلويح بها وكذا تمرير دراسة أمريكا لأيمن نور كمشروع رئاسي مستقبلي لمصر ..
لذا كانت التهمة ضد أيمن نور وهذه المرة تهمة جنائية أو هكذا أريد لها وهي ( ارتكاب جريمة التزوير في محررات رسمية ممثلة في التوكيلات الممنوحة له لتأسيس حزب الغد ) حيث يتطلب القانون حصول المؤسس على مائتين وخمسين توكيلاً كحد أدنى لتأسيس الحزب .. بينما قدم نور عشرات المئات من التوكيلات التي قيل أنها مزورة ومصطنعة ولا أساس لها في الشهر العقاري وجهات التوثيق .. ومن الطريف أن التهمة اشمتلت على ثبوت أن التوكيل الصادر من والد أيمن نور له مزور أيضاً .. علماً أن رسم توثيق واستخراج التوكيل كان وقتها خمسة جنيهات تقريبا بما لا يزيد عن ثمن علبة سجائر أو زجاجة كوكاكولا ..
ومن هنا لم تبتلع غالبية الرأي العام هذه التهمة كناحية منطقية .. فما الذي يدعو إنسانا به مسحة من عقل لأن يرتكب جريمة جناية التزوير الخطيرة التي تصل عقوبتها إلى الأشغال الشاقة المؤقتة وأحيانا المؤبدة بينما يمكنه بكل سهولة ودون أدنى صعوبات مالية أو إدارية أو بشرية أن يحشد ولو من أبناء دائرته عشرات الأضعاف من العدد المطلوب كحد أدنى لتوكيلات تأسيس الحزب ؟!
كما أن أيمن نور كان وقتها عضواً بمجلس الشعب ونائباً عن دائرته باب الشعرية أي أنه خاض الانتخابات النيابية ونجح فيها بحصوله على ثقة عشرات الألوف من الناخبين من أبناء دائرته .. علاوة على أنه حصل على المركز الثاني في انتخابات الرئاسة أمام الرئيس مبارك بحصوله على ما يزيد عن نصف مليون صوت بحسب الإحصائيات الرسمية. فكيف للذي حصل على نصف مليون صوت في انتخابات الرئاسة يعجز عن الحصول على مائتين وخمسين صوتاً لتأسيس حزب ؟!!
من هنا كان الإحساس الشعبي بتسييس القضية بغرض إعدام نور سياسياً .. وبالفعل صدر حكم بالإدانة والسجن ضد أيمن نور لمدة (خمس سنوات) بقي النظام المصري فيها تحت الضغط الأمريكي بطلب الإفراج عن أيمن نور مع معارضة مصر ورفضها لأي تدخل خارجي أو داخلي بهذا الشأن باعتبار أن قضية نور هي في حوزة القضاء وأنه قد تمت محاكمته وإدانته طبقا للقانون ويقضي عقوبته طبقا للقانون أيضا...
إلا أن الأمراض التي كان يعانيها نور وعلى رأسها مرض السكري والضغط وغيرها من المضاعفات إضافة إلى متاعب بالبصر مع ظهور أخبار متفرقة ولكنها متفاقمة عن احتمالية وفاة (أيمن نور ) بالسجن نتيجة التعنت في معالجة متاعبه الصحية بما سيجر ذلك من تداعيات سلبية على النظام في مصر إذا مات نور في السجن .. وهذا ما حدا إلى صدور قرار رئاسي مفاجئ من الرئيس مبارك (بالعفو الصحي) عن أيمن نور .. وخروجه من السجن قبل إتمام تنفيذ العقوبة لأسباب صحية وإنسانية ..
وخرج أيمن نور .. لا إلى المستشفى .. ولكن إلى الشارع السياسي وكأن شيئاً صحياً به لم يكن .. وبدأ يعلن تحديه مرة أخرى وإصراره على خوض الانتخابات الرئاسية القادمة عام 2011 .. وحيث تقف عوائق كثيرة أمام أحلام أيمن نور في رئاسة مصر تتمثل في نقاط هامة ومؤثرة منها ..
(1) تأثر شعبية أيمن نور بما علق به من اتهام بالعمل وفق الأجندة الأمريكية والخارجية عموما..
(2) تأثر أيمن نور بما علق به من حملة ضارية وموجهة صاحبت فترة اتهامه بتزوير التوكيلات وظلت موجهه ضده حتى الحكم عليه بالسجن حيث لم تترك هذه الحملات الإعلامية شيئاً في حياة أيمن نور العامة والخاصة والسياسية والاجتماعية حتى الزوجية إلا واخترقته بغية المساس به وهدمه وتشويهه والقضاء عليه كلياً منها التشكيك في شهادة الدكتوراة الحاصل عليها ووصلت إلى درجة التلميح غير النزيه بالتشكيك في نسبه مع إثارة الوقيعة بينه وبين زوجته الإعلامية جميلة إسماعيل التي صمدت معه حتى خروجه من السجن ثم ما قيل عن حدوث الطلاق بينهما في ضربة قاصمة أخرى لنور..
(3) تأثر أيمن نور بعبث أيدي كثيرة في حزبه ( الغد الجديد) وإثارة القلاقل والحروب والتنافسات التي قضت على غالبية آثار وبصمات الحزب في الحياة السياسية والوجدان الشعبي وبالتالي ضمه إلى قائمة الأحزاب المتكلسة فاقدة التأثير أو الحركة أو الفاعلية ..
(4) تأثر أيمن نور بالحكم الجنائي الصادر ضده في جناية تزوير في أوراق رسمية حكماً نهائياً يسلب المحكوم عليه حقه في مباشرة حقوقه السياسية باعتباره قد فقد الأهلية السياسية من حيث الانتخاب أو الترشح لأي منصب سياسي ..
(5) تأثر أيمن نور بصدور القرار الرئاسي من الرئيس مبارك بالإفراج الصحي عنه وهو قرار لا يؤثر في سلب نور الحق في مباشرة حقوقه السياسية حيث تعتبر كعقوبة تبعية لعقوبة السجن لم تسقط بإفراج الصحي عنه .. مع ظهور أيمن نور في موقف شديد الضعف معنويا بمن الرئيس مبارك (منافسه الرئاسي) عليه بالإفراج عنه .. مما جعل أيمن نور في صورة ضعيفة إلى حد كبير أمام صورة مبارك الذي أفرج عنه أو بالأحرى (عفا عنه) ..
(6) تأثر أيمن نور بفقدان القاعدة الشعبية والشبابية والحزبية التي قام بتأسيسها والتي نمت في ظله بطريقة متقافزة وسريعة ثم خبت وتقلصت بالتداعيات التي تعرض لها وانتهت بسجنه وتغييبه عن الحياة السياسة فترة سجنه..
(7) تأثر أيمن نور بتغير قواعد اللعبة السياسية في مصر والظهور المفاجئ للدكتور محمد البرادعي كأحد اللاعبين على المسرح السياسي والذي لاقى قبولاً شعبيا وإن كان لا يزال محدوداً إلا أنه يذكرنا بذات وقت ظهور (ايمن نور) نفسه على المسرح السياسي وتقديم نفسه كبديل في معادلة التغيير .. وهو ما صار عبئاً كبيراً وشديداً على (أيمن نور) خاصة ما يتمتع بع البرادعي من ثقل سياسي وأكاديمي ودولي من الصعوبة أن يوازيه نور أو ينافسه في ظل الضربات المؤثرة والقاصمة التي تلقاها نور على مدى السنوات الأخيرة من حياته السياسية ...
أيمن نور في ظل إصراره على الترشح لرئاسة مصر في انتخابات 2011 لا يزال يعلن تحديه وقدرته على معالجة المانع القانوني والدستوري الذي يقف حائلاً ضد ترشحه للرئاسة باعتباره فقد أهليته السياسية بصدور حكم جنائي مخل بالشرف ضده . حيث أعلن أن في جعبته الكثير للرد على تلك المعضلة مع ثقته في الترشح بل وفي الفوز برئاسة مصر .. وهو ما ستجيبنا الأيام عنه ......
التعليقات (0)