بعد نحو عشرة أيام على ما وقع بقطاع غزة، والحرب الكلامية التي دارت بين فتح وحماس، طار عباس أبو مازن إلى شرم الشيخ لملاقاة رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت في إطار قمة رباعية حضرها الرئيس المصري حسني مبارك و العاهل الأردني عبد الله الثاني؛ وعلى إثرها سارع كثير من المراقبين إلى تقديم قراءة لدوافع عقد هذه القمة الاستثنائية بكل المقاييس، حيث ذهب غالبيتهم إلى أنها جاءت كرد صريح ومباشر لما أقدمت عليه حركة حماس بقطاع غزة، ومحاولة للتباحث بشأن الخطوات العملية الواجب اتخاذها لتحجيم حماس وتقليم أظافرها التي تجرأت على خربشة وجه فتح والشرعية الفلسطينية؛ وتبدو هذه القراءة هي الأقرب لمنطق تواتر الأحداث بعد كل ما وقع بالقطاع، ولاسيما زيارة إيهود أولمرت إلى واشنطن ولقاؤه للرئيس الأمريكي جورج والكر بوش والعديد من قادة البيت الأبيض، حيث أن اللقاء كان خصص لتدارس المستجدات بالأراضي الفلسطينية والتدابير والإجراءات المطلوب اعتمادها على ضوء المعطيات الجديدة فوق الأرض، ويبدو واضحا أن قمة شرم الشيخ كانت إحدى التوصيات التي انتهى إليها لقاء بوش/أولمرت، توصيات لا يمكنها إلا أن تعمق التشظي الذي لحق بالجبهة الداخلية الفلسطينية، و تجتهد في سلك سبل العمل على توسيع هوة الخلاف بين فتح وحماس، وتُبدع في ابتكار أدوات الإجهاز على حركة المقاومة الإسلامية والقضاء عليها. إلى هنا يبدو كل ما ترتب على ما وقع بقطاع غزة أمرا طبيعيا، لكن الأمر الغير طبيعي هو دخول أيمن الظواهري على خط ردود الفعل التي تلت أحداث القطاع، حيث يبدو الرجل كعادته مهتما و متتبعا للشأن الفلسطيني كما سائر الشؤون العربية الإسلامية الأخرى، لكنه خرج علينا هذه المرة بكلام مغاير ومختلف تماما عما كان يصرفه من مواقف اتجاه حركة المقاومة الإسلامية حماس. لقد سبق للظواهري أن صرح قائلا أن "قيادة حماس سلمت معظم فلسطين لليهود" حتى تحتفظ برئاسة الحكومة، واعتبر أن حركة المقاومة الإسلامية اعتدت على حقوق الأمة وتراجعت عبر قبولها باحترام القرارات الدولية، قائلا "يؤسفني أن أواجه الأمة بالحقيقة المؤلمة فأقول عظم الله أجرك في قيادة حماس فقد سقطت في مستنقع الاستسلام لإسرائيل".، معتبراً أن الاعتراف برئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس، وبمنظمة التحرير الفلسطينية، المعترفان بإسرائيل، يوازي الاعتراف المباشر بإسرائيل. لكنه عشية انعقاد قمة شرم الشيخ، أطل علينا بتسجيل صوتي جديد ليدلو بدلوه هو الآخر في أحداث قطاع غزة، إذ عبر عن دعمه لحركة حماس ومؤازرتها قائلا "لابد أن ندعم المجاهدين في فلسطين بمن فيهم مجاهدو حماس رغم كل الأخطاء التي ارتكبتها قيادته"، وقال "يجب على كل مجاهدي العالم ان يتحدوا في مواجهة الهجوم الذي يتم التحضير له ضدهم والذي يشارك فيه المصريون والسعوديون"، كما دعا الظواهري إلى تزويد حماس بالمال والسلاح وكسر الحصار المفروض عليها. فما سر هذا التغير الطارئ على مواقف الظواهري اتجاه حركة حماس؟ ولماذا اختار هذه المرة أن يكون رده على أحداث قطاع غزة ردا سريعا؟ كيف لم يعلن دعمه للحركة حين كانت تنفذ عملياتها الاستشهادية ضد أهداف إسرائيلية ويؤازرها اليوم بعد كل ما ارتكبته من أخطاء قاتلة ومخجلة في قطاع غزة؟ لماذا يختار الوقوف إلى جانبها في وقت يسعى الجميع إلى حصد مبررات الانقضاض على حركة حماس والإجهاز عليها؟ ألم يفكر الظواهري ولو للحظة واحدة أن ما صرح به هو هدية مجانية قدمها من حيث لا يدري للأمريكيين والإسرائيليين؟ أعتقد أن مثل هذه الإطلالات المشبوهة للظواهري تقوي الشكوك المحيطة بأجزاء الرواية التي تم نسجها منذ اعتداءات 11 سبتمبر/ أيلول، الرواية التي بدأت أول خيوطها مع أدلة من ذلك النوع الذي لا يحترم الذكاء: دليل تعليم طيران باللغة العربية ونسخة من القرآن وصورة لأسامة بن لادن موجودة في سيارة تركها أحد الانتحاريين في مرآب مطار يوم 11 سبتمبر/ أيلول. كما يجعلنا هذا الظهور الملفت للرجل نذهب إلى التفكير رفقة أدم كيرتس أحد منتجي البرامج الوثائقية بهيئة الإذاعة البريطانية بأن "الجزء الأكبر من تهديدات الإرهاب العالمي لا يعدو سوى كونه خيالا تم تضخيمه وتشويهه من قبل السياسيين، إنه نوع من الخيال الغامض الذي استشرى في كل أنحاء العالم بشكل لا جدال فيه ووصل تأثيره لكل الحكومات وأجهزة الأمن ووسائل الإعلام. وفي عالم فقدت فيه كل الأفكار الكبرى مصداقيتها، يكون إشاعة حالة الخوف الناشئة من عدو متخيل هي كل ما يسعى إليه السياسيين من أجل إحكام قبضتهم على السلطة" (وثائقية كيرتس "قوة الكوابيس"). سنجد أنفسنا ذات يوم نعتقد رفقــة مــــايكل س.روبــــــر فـــي كتابـــه " Crossing the Rubicon "، وهو صاحب خبرة ثلاثين سنة في مجال المهمات السرية، " أن بن لادن كان وسيظل دائما عميلا لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، لحكومة الولايات الأمريكية ولسوق بورصة وول ستريت"، كما سيظل الخادم الأمين المتقن للعبة شرْعَنَة المخطط الأمريكي الساعي لتركيع الشعوب واستنزاف الخيرات تحت مسمى الإرهاب. إن المطلوب الآن هو عدم الالتفات لترهات الظواهري وأباطيله، وإنما البحث عن أصوات عربية صادقة و مؤثرة لحض طرفي النزاع، حماس وفتح، على الدخول في حوار جاد وبناء، لأن الحوار هو السبيل الأوحد للخروج من هذا المأزق السياسي الذي تعيشه القضية الفلسطينية اليوم، حوار يبنى على قاعدة الاعتراف المتبادل بالأخطاء الجسيمة التي ارتكبها الطرفان في حق القضية والشعب.
التعليقات (0)