"مقاومة ممانعة عروبة"... "حربًا حربًا حتى النصر..زحفًا زحفًا نحو القدس"... "الموت لأمريكا الموت لإسرائيل"... "لا لمشاريع الإمبريالية والإستكبار العالمي"...قبضات مرفوعة ووجوه عابسة وحناجر آلية تهتف بباقة شعارات دعائية "مغنّاة" بنبرة استعلاء واستكبار وفوقية تعتريها إيحاءات تخوينية... تلك هي "عدّة الشغل" و"سر المهنة" منذ عام 1979 تاريخ إنجاح الثورة الخمينية بدعم دولي.
بيد أن "عدّة الشغل المقاوَمَتية" تلك لميعد لها أي معنى بعد "الملاحم البطولية" التي سطّرها جهابذة محور الشر المتهالك في أيلول 2013؛ فإذا كان المثل اللبناني القائل "أيلول طرفه بالشتاء مبلول" قد صدق "بيئيًا" هذا العام، فقد صحّ سياسيًا لهذا الشهر مثل جديد "أيلول بدروس المقاومة والممانعة مطبول".
سوريًا، بعد سلسلة محاضرات ألقاها على مسامعنا النظام البعثي على مدى أربعة عقود، بدءًا من محاضرة "كيف تكون مقاومًا وممانعًا من خلال بيع الأرض وحراسة الاحتلال"، مرورًا بمحاضرة "إبادة الشعب السبيل الأنجع لبقاء النظام" المستمرة منذ سنتين ونصف السنة... كنا في 9/9/2013 مع محاضرة قيِّمة لدكتور الإرهاب البارودي-الكيميائي "بشار الأسد" بعنوان "أثر تسليم السلاح الاستراتيجي في استرضاء العدو وإطالة عمر النظام"!
فبعد إيعازه لرئيس مجلس نوابه "جهاد اللحام" بتقديم طلب استرحام لدى أميركا، من خلال مناشدة الكونغرس الأميركي عدم السماح بضربة عسكرية أميركية على سوريا، أعلن "الأسد" موافقته على تسليم أهم وأخطر سلاح استراتيجي يمتلكه على الإطلاق في مقاومته وممانعته المزعومتَين ضد إسرائيل، وخضوعه للإملاء الروسي-الأميركي-الإسرائيليالمشترك بوضْع ترسانته من الأسلحة الكيميائية تحت إشراف دولي ريثما يُصار الى تدميرها بشكل آمن، مستسلمًا لتهديدات جدية بضربة عسكرية تخلّى عن نصرته فيها جميع الحلفاء قبل أن تُطلَق رصاصة واحدة!
وكانت قمّة الإبداع التضليلي، مع مجموعة تحليلات "مقاوَمَتِية" تحت عنوان "ضَعِ العقل جانبًا واستمِع"، افتتحها الجنرال المقاوم "أمين حطيط" في 11/9/2013 في مقابلة تلفزيونية بدا فيها هزيلاً ومتخبِّطًا ومتفذلكًا ومربكًا في محاولته التخفيف عن جمهوره من ثقل فضيحة "الأسد" ومحوره، فحاول رفع المعنويات معتبرًا أن "الأسد صنع لعدوه هزيمة يستطيع أن يتقبّلها"، ليخلص الى التقليل من أهمية تخلي الأسد عن سلاحه الاستراتيجي معتبرًا:"أن السلاح الكيميائي يُملَك ولا يُستعمل ومن الحُمق استعماله مع مَن يملك النووي، (...)وبالتالي ليس السلاح الكيميائي السلاح الأخطر الذي يملكه النظام إنما الصواريخ بعيدة المدى"! وتابع: "إن سوريا التي خُيِّرت بين دفء غطاء الكيماوي الذي لا يشكِّل دفئا يُطمئَنُّ له، وبين دفء ضمانة روسيا التي تملك النووي، أعتقِد أنه من العقل أن تختار الدفء الثاني"!!
واستكمالاً لسلسلة تحليلات "ضَعِ العقل جانبًا واستمِع"، كان وزير الإرهاب الأسدي "علي حيدر" في 15/9/2013 يترجم شعوره بـ"الدِفء"، واصفًا الاتفاق الروسي-الأميركيبأنه يشكّل "انتصارًا لسوريا"! وذلك قبل أن يكون ختامها مع جرعة "دفء" زائدة من المحلِّل المقاوم "حسام مطر" الذي بلا شك أدهش العالم بقوله في 16/9/2013: "أوباما تخوَّفَ من الخط الأحمر الذي وضعه السيد حسن نصرالله سابقًا بقوله: لن نسمح بسقوط النظام في سوريا، فالتزَم به ولم يجرؤ على ضرب الأسد"!!
إيرانيًا، في خضم الحشد العسكري لضرب الكيميائي السوري، وتوازيًا مع سلسلة المحاضرات الأسدية، كنا مع درس ديني-أخلاقي للشيخ "حسن روحاني" الرئيس الإيراني،استوحاه من تعليمات زيارة "جفري فيلتمان" لإيران (27/8/2013) وحمل عنوان "كيف تقاوِم عبر النأي بالنفس"؛ فقد نأى ببلاده عن أي رد فعل عسكري على أي ضربة توجه لنظام بشار الأسد، قائلاً في 5/9/2013:"إذا حدث شيء للشعب السوري، فإن الجمهورية الإسلامية في إيران سوف تقوم بواجباتها الدينية والإنسانية بإرسال الدواء والغذاء إليه"!! وفي محاضرة ثانية في التاريخ ذاته، عنوانها "أثر مغازلة العدو في كسب ودّه: الغزل العذري نموذجًا"، وجّه "روحاني" تهنئة إيرانية غير مسبوقة لـ"جميع اليهود (أي بمَن فيهم الصهاينة الإسرائيليون) بمناسبة "هوش راشناه" أو يوم رأس السنة العبرية".
وإذا كان "روحاني" قد تناول الجانب "العذري" في محاضرته، فقد فضّل وزير خارجيته "محمد جواد ظريف" التركيز على الغزل الإباحي إكمالاً لجهود رئيسه، فألقى في 6/9/2013 محاضرة حملت عنوان "أثر مغازلة العدو في كسب ودّه: الغزل الإباحي نموذجًا"، أكّد فيها أن إيران تدين "مجزرة النازيين ضد اليهود" خلال الحرب العالمية الثانية، معتبرًا أن "إيران لم تنكر يومًا الهولوكوست، والرجل الذي اعتبر أنه ينكر ذلك (محمود أحمدي نجاد) رحل الآن".
سلسلة دروس المقاومة تابعها "روحاني"، فأعلن في 13/9/2013 عن ترحيبه بالاتفاق الروسي-الأميركي ودعمه انضمام دمشق الى معاهدة حظر انتشار السلاح الكيميائي، وواصل توجيه إشارات التزلُّف الإنبطاحية الى الغرب، فأكد في 19/9/2013 أن "إيران لا تريد الحرب مع أحد"، خلافاً للتصريحات التي كان يدلي بها سلفه، وذهب في 20 أيلول الى حد الكلام عن إمكانية عقد لقاء مع أوباما على هامش الأمم المتحدة! قبل أن يكشف المستور مسؤول كبير في البيت الأبيض، معلنًا في 24أيلول أن هذا اللقاء اقترحته الرئاسة الأميركية على الإيرانيين لكن هؤلاء رفضوه، معتبرين أن "تحقيقه سيكون معقدًا للغاية في الوقت الراهن بالنسبة الى الإيرانيين"، أي بمعنى أن اللقاء سيُتلِف أهم "مسحوق" في عملية غسيل الأدمغة التي يعتمدها "الولي الفقيه" في السيطرة على الشعب الإيراني.
بيد أن لقاء "الأبدان" المؤجّل لم يحل دون لقاء "القلوب" والأصوات"، فقد أجرى الرئيس الأميركي "باراك أوباما" مع الرئيس الإيراني "حسن روحاني" مكالمة هاتفية شخصية مباشرة في 27/9/2013، هي الأولى من نوعها بين زعيم أميركي وآخر إيراني منذ أكثر من 34 سنة، وذلك بعد تصريح لروحاني أكّد فيه أنه يريد "بناء الثقة مع الشعب والحكومة الأميركية"، منهيًا فرية "الشيطان الأكبر" بوصفه أميركا بأنها "أمة عظيمة". وأثناء هذه المكالمة، قال أوباما لروحاني إنه يرى أملاً في حل "شامل" مع طهران. وأوردت وكالة "رويترز" نقلاً عن مسؤول أميركي قوله: "كنا على اتصال بإسرائيل بخصوص اتصال أوباما بروحاني".
وكانت إشارات الود وعبارات الغزل استمرّت بين "الشيطان الأكبر" و"الولي الفقيه" طيلة فترة تواجد الوفد الإيراني في نيويورك للمشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، فاعترف أوباما في 24 أيلول في خطابه أمام الجمعية بما أسماه "أخطاء الماضي" التي اقترفتها الولايات المتحدة حيال طهران، وأن "الولايات المتحدة لا تسعى الى إسقاط النظام الإيراني"، فيما ندّد "روحاني" في اليوم التالي عبر الـ "سي أن أن" الأميركية بـ"الجرائم التي ارتكبها النازيون في حق اليهود"، واصفًا إياها بالـ "منكرة والمدانة". وقد وجد هذا الغزل المتبادل ترجمته الفورية باجتماع ثنائي تاريخي عقده وزيرا الخارجية الأميركي "جون كيري" والإيراني "ظريف" في 26/9/2013 هو الأول من نوعه على هذا المستوى بين البلدين منذ الثورة الخمينية عام 1979، وذلك في إطار اجتماع وصف بالـ "إيجابي للغاية" بين إيران ومجموعة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن.
هذا، وكان رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس االشورى الإيراني "علاء الدين بوروجردي" قد مهّد لسلسلة الدروس والمحاضرات الإيرانية في فنون المقاومة والممانعة تلك، بتأكيده استمرار التعاون والتنسيق العسكري-الاستخباراتي بين إيران و"الشيطان الأكبر" منذ فضيحة صفقة أسلحة إيران-كونترا أو إيران جيت عام 1985، مرورًا بإقرار إيران (أبطحي) عام 2004 بتقديم مساعدة عسكرية مباشرة لأميركا لاحتلال أفغانستان والعراق... فقد أكّد "بوروجردي" في 31/8/2013 أن إيران "كانت أبلغت رسميًا الولايات المتحدة" عام 2012 أن مقاتلي المعارضة السورية يملكون أسلحة كيميائية، و"لكن المؤسف أن الولايات المتحدة لم تلتفت الى هذا التحذير"؛ واضعًا بذلك حدًا لشائعة انقطاع العلاقات بين إيران وأميركا منذ الثورة الخمينية عام 1979. وفي هذا السياق، نشرت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" الأميركية في 9/9/2013 نص وثيقة مترجمة من الفارسية مسرّبة من ضمن مراسلات دبلوماسية بين إيران وأميركا تتناول ذلك التحذير. أما الرئيس الأميركي، فردًا على سؤال عما إذا اتصل مراسَلةً بروحاني، أجاب في 15/9/2013: "لقد فعلت. هو أيضًا اتصل بي. لقد تواصلنا مباشرة".
لبنانيًا، يبدو أن "سيد المقاومة" "حسن نصرالله" فضل دعم "الأسد" في مواجهة الأساطيل الأميركية و"المؤامرة الإسرائيلية"، من خلال تقديم فيلم صامت محاكاة لـ"تشارلي شابلن" بعنوان "فن المقاومة بالصمت أوصمت الشجعان"، فامتنع عن إلقاء أي خطاب تهديدي تخويني دعائي خلال فترة الحشد العسكري استعدادًا للضربة، وذلك التزامًا منه بتعليمات "فيلتمان" لإيران، وتفاديًا للوقوع في "وعد" بردّ صاروخي يدرك "نصرالله" تمامًا أنه سيكون وعدًا كاذبًا؛ وقد اكتفى "حزب الإرهاب المنظم"ببيان في 5/9/2013، أعلن فيه رفضه أي "عدوان" أميركي على سوريا، واصفا إياه بـ "الارهاب المنظم". أما وقد اختفى شبح الضربة باستسلام الأسد، فقد ظهر "الجندي في حزب ولاية الفقيه" على الشاشة في 23/9/2013 بحلّة "روحانية" جديدة أكثر فيها من القراءة وأقلَّ من الارتجال، وتحاشى التطرّق الى الضربة المعلّقة والى تسليم الأسد سلاحه الاستراتيجي، مكتفيًا بإشارة خجولة يتيمة اعتبر فيها أن "العدوان مؤجل، وقد خابت آمال المراهنين عليه".
وإذا كان من خلاصة لدروس أيلول 2013، فهي الآتية: النظام السوري مِن لاعِب بأوراق المنطقة الى ورقة تلعب بها كل من روسيا وإيران، الأولى لقبض ثمن موطئ قدمها الوحيد على المتوسط، والثانية للمقايضة على إتمام برنامجها النووي. المقاومة والممانعة أكذوبتا العصر. محاكمة المجرم "بشار الأسد" غير واردة حاليًا لأنه يتمتع بحصانة صهيونية ويقتل بتفويض دولي. الشعب السوري الثائر لحريته وكرامته يتعرّض لحرب عالمية ثالثة يشنها ضده محور أميركي-إسرائلي-روسي-إيراني مشترك. جميع أدعياء المقاومة والممانعة يقدِّمون "واجب الطاعة" لدى صدور قرار صهيو-أميركي حازم، كذاك الذي فرَضه الصمود البطولي للشعب السوري، والذي ألجأ إسرائيل الى حسم قرارها بتفكيك آلة الأسد العسكرية بدءًا بنزع السلاح الكيميائي من يده رغم أمانته بعدما أصبح عاجزًا عن الحؤول دون وقوعه بيد مجموعات المعارضة المسلحة غير المأمونة صهيونيًا.
تبقى الإشارة الى أنه في حال تبيّن أن "الأسد" يناور أو يتلكَّأ في إتمام إجراءات تسليم الكيميائي وتدميره، أو تبيَّن أن المعارضة السورية على وشك الاستيلاء على أحد معامل أو مخازن الكيميائي، فإن إسرائيل لن تنتظر ولن تستجدي ضربة بالوكالة، بل ستقوم على الفور بتدمير تلك المواقع، على غرار ما فعلته في أيلول 2007، عندما دمّر سلاح الجو الإسرائيلي المفاعل النووي السوري السرّي في "الكُبَر"، بعدما رفضت الإدراة الاميركية طلب رئيس الوزراء "ايهود أولمرت" قصف المفاعل.
التعليقات (1)
1 - الى\\الكاتب
ابن\\النيل - 2013-09-26 23:45:04
سبب\\فشل\\الامة\\العربية\\فى\\كل\\شى\\هم\\الاخوان\\اصحاب\\الشيعارات\\المزيفة\\الكاذبة\\ومعهم\\اصحاب\\الممانعة\\والمقاومة\\اولهم\\دجال\\لبنان\\حسن\\بلا\\لزما\\وابن\\العن\\خلق\\اللة\\ابن\\انيسة\\وحافظ\\الملعون\\دنيا\\واخرة\\,luil\\lsdglm\\hg;`hf\\hgr\'vn\\hgok.dv\\thr]\\hghpshs\\,hghkshkdm