إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4)
ماذا لو أنزل الله من السماء ظاهرة تخيف الناس وتجعلهم خاضعين لا يستطيعون المعصية ويطيعون أمر الله فيما يأمر لأن العذاب للعاصي أمامهم ظاهر واضح؟ ...وبفرض أن النار معروضة فعلا على البشر ويعلمون أنهم يدخلونها إذا عصوا فهل يعصون؟ ...وبالمقابل إذا عرضت الجنة فوق الرؤوس يراها الناس بأعينهم فهل يقصرون في طاعة الله؟ شاءت إرادة الله أن يخفى الجنة والنار ويجعلهما غيبا لا يراه أحد حتى يميز الخبيث من الطيب ..ولو أطاع الناس أمر الله في كل شيء فهل تصبح الدنيا كما نرى وتستقيم الحياة دون مرض ولا طبيب ودواء أو بدون معتد ومدافع أو بدون بائع وشار أو ظالم ومظلوم أو عالم وجاهل ومعلم ومتعلم وزارع وآكل ومنتج ومستهلك ...سوف تكون في هذه الحالة جنة أعطاها الله لبشر ملائكة..... وقد خلق الله الملائكة كذلك ولكننا لا نراهم ولا نحيا مثلهم ...هل كان الكون يكتمل لولا خلق الله الأرض وجعل فيها هذا النمط من الحياة؟ ...حياة البشر....هل كان الكون يكتمل إذا لم يخلق الشر والخير...و(نبلوكم بالشر والخير فتنة ....) أي نجعل الشر والخير اختبارا للناس ثم يثاب المحسن على إحسانه ويعاقب المسيء على إساءته ثم تقول الآيات من سورة الشعراء وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (6)
يقول الله تعالى ...إن (نشأ) ننزل عليهم من السماء ءاية (فظلت) أعناقهم لها خاضعين ...ويقول وإذا (تتلي) عليهم آياتنا بينات (قالوا) ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين 43 سبأ.....وقال إن (تتوبا) إلى الله فقد (صغت) قلوبكما ...ومن (يطع) الله ورسوله فقد (فاز) فوزا عظيما ...إذا كان جواب الشرط محققا استخدم الماضي بدلا من المضارع... ويستخدم الماضي أيضا في الأخبار المحققة التي لا تحتمل الشك كما يقول الله في معظم الآيات (وكان الله على كل شيء قديرا).. (وكان الله غفورا رحيما).... (وكان الله على ذلك قديرا)... وهكذا..... وبالطبع كان ولم يزل وسوف يكون.....وقوله خاضعين كقوله وما منكم من أحد عنه حاجزين...أي (حاله وقد تحول إلى حال جماعة) أن يقال حاجزين حال مثل (جاءوا مسرعين) وفيها يشار إلى الأشخاص بالأعناق كما يشار إلى الشخص باليد مثلا فيقال اليد العليا خير من اليد السفلى...أي المعطي خير من الآخذ...وكلمة عنق مذكر وجمعها يصح أن يكون مؤنثا كقولك كسر عنقه وكسرت أعناقهم وكسر ساقه وكسرت سيقانهم وهكذا...ولن نستخدم أمثلة من كلام الناس لأن الأصل كما قلنا هو أخذ اللغة من القرءان لا من غيره ...ومن اللطائف أيضا أن يكون الإيجاز بحذف جواب الشرط كما في قوله وإذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت؟ ..وجواب الشرط معلوم ......أو في عدم ذكر خبر إن كما في قوله (إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه تنزيل من حكيم حميد).... أو حذف مشهد كامل مثل .....(قال ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين) ...(قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا) والمفهوم أن المشهد المحذوف بين المشهدين هو (فرجعوا إلى أبيهم وقالوا يا أبانا إن ابنك سرق وما كنا للغيب حافظين) ...كما أمرهم أخوهم ...أو مثل حذف المكرر والمفهوم من سياق الآية مثل قوله (ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من (قبلك إن) ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم)...43 فصلت...والمحذوف ما بين الكلمتين (قبلك وإن) بين القوسين هي عبارة (قيل لهم) ولذلك يقف بعض القراء عند كلمة قبلك ثم يقرأ (قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة....) وهذه من لطائف القراء الذين يعلمون ويفسرون عن طريق القراءة وهذا فضل من الله يؤتيه من يشاء ..... وإن شاء الله نذكر بعض أنواع البلاغة والتي لا تحصى في كتاب الله المعجز الذي لا يخلق عن كثرة الرد
التعليقات (0)