نظمت منظمة الاتحاد العام لطلبة المغرب تحت شعار الجامعة فضاء لنشر وتفعيل قيم المواطنة، أيام ربيع الثقافة الجامعية الثانية والمنعقدة ما بين 16 و18 ماي 2007، وقد تركز برنامج هذه الأيام بين ندوات علمية وأيام صحية وأمسية فنية.
وقد حضرها عدد كبير من فعاليات مكتب الاتحاد العام لطلبة المغرب كتقليد دأبت المنظمة القيام به سنويا، داخل الفضاءات الجامعية كأنشطة ثقافية وتكوينية هادفة. وتجدر الإشارة بأن افتتاح أيام ربيع الثقافة الجامعية تميزت بعقد ندوات سنعرض لإحداها خاصة تلك التي تناولت موضوعا يستحضر تخفيض المشرع لسن التصويت ولأول إلى سن 18 سنة، والتواجد أمام فئة خاصة للتوظيف السياسي وبالتالي كسب الرهان لبناء مجتمع ديمقراطي تعادلي ندوة "الجامعة وسؤال المشاركة السياسية" صلب الموضوع التعبئة السياسية في صفوف الشباب وتماشيا مع إشكالية العزوف عن العمل السياسي لدى هذه الفئة، وقد حاولت هذه الندوة من موقعها معالجة قضية العزوف السياسي لدى الطلبة، ومشيدا بالأدوار الذي كان تضطلع بها الجماهير الطلابية في الحراك السياسي والثقافي والاجتماعي بين الأمس وتخليه عن ذلك في الوقت الراهن، مما يطرح إشكالية الأزمة السياسية التي تستدعي من الفعاليات السياسية إعادة النظر في برامجها وخططها واستراتيجياتها المرحلية، لضمان صيرورة سياسية ستكون عرجاء بدون فاعل مركزي هو الشباب، وقد أرادت المنظمة من خلال هذه الندوة تحديد الأسباب ومسببات العزوف السياسي نحو اقتراح بدائل إجرائية من أجل تأهيل الشباب مرة أخرى للمساهمة في العمل السياسي وضمان تطويره، وان كانت منظمة الاتحاد العام قد أفردت لهذا الموضوع حيزا كبيرا ضمن برامج أنشطتها، فلأنها تسجل وبحسرة سوء التدبير السياسي لدى بعض الأحزاب السياسية التي تصنف نفسها في خانة الأحزاب الديمقراطية، كونه صارت تعتمد مقاربة هجينة لمعالجة كيفية الحصول على تعبئة جماهيرية والترويج للعمل السياسي داخل الأوساط الشبابية، وهذا ما تنتقده منظمة الاتحاد العام لطلبة المغرب أسلوبا، وتعتبره ترويجا غير مسؤول يمكن نعته بالميوعة السياسية داخل الأوساط الشبابية، حيث الدعوة إلى المشاركة السياسية والتعبئة بالسهرات الراقصة وعقد مهرجانات الهيب هوب "الخاسر"، وما يترتب عن هذه العملية من تعميق بؤس الممارسة السياسية وصعوبات معالجة هذه المظاهر مستقبلا مما يدعم لا مصداقية العمل السياسي، وقد سجل الاتحاد العام لطلبة المغرب موقفه من هذه السلوكات لكون المحطة الانتخابية الوشيكة التنظيم في شتنبر 2007 تضع الحياة السياسية المغربية على المحك والمغرب يوجد في ظرف خاص حيث تبعات الانتقال الديمقراطي تتكاثف نحو انفراج محتمل. مما يقتضي التعامل مع إشكالية مشاركة الشباب في العمل السياسي تعاملا موضوعيا لأن ضبطها قد يكلف البلاد نتائج سلبية، والعمل على بناء مستقبل سياسي ودينامي يستوعب الامكانات الشبابية السير بها نحو التأسيس لمستقبل أفضل عبر آليات معقولة ومقبولة، حتى لا نفقد ما تبقى من أمل المشاركة الفعالة للشباب في الرهان السياسي المرتقب، خاصة ونحن نسعى من خلال تحفيز الشباب للمشاركة في العملية السياسية تأهيله كفاعل ومكون محوري له من المهارات والخبرة ما يؤهله، لأن يكون قادرا في المستقبل على تدبير الشأن المحلي والعام.
وقد انتبهت منظمتنا العتيدة إلى أشكال العنف التي باتت تهدد الحرم الجامعي كفضاء لنشر قيم الحوار والتفاعل الايجابي، بما يخدم قيمنا الدينية والثقافية الوحدوية مقابل بعض الانفلاتات المبنية على طروحات إثنية وعرقية وجنسية تجوزت وصارت ضربا من ضروب الطيش السياسي غير المسؤول، الذي يتولد من نزعات هدامة لا تخدم مصلحة الوطن في سياق التأسيس للديمقراطية المسؤولة، وبناء على هذه الخلفية فإن انعدام ممارسة سياسية دقيقة لا تنهض على التكوين السياسي الرصين لصالح الميوعة سياسية، من شأنه أن يولد مثل هذه الأشكال المتطرفة داخل أنبل فضاء، التي من المفروض أن تتضمن نقاشا وحوارا وتحاورا هادئا، المبدأ طالما ضمنته منظمة الاتحاد العام لطلبة المغرب شعارا يؤثث برامجها وأنشطتها الفكرية والثقافية.
في ندوة "الجامعة وسؤال المشاركة السياسية" التي تميزت بمشاركة أساتذة باحثين، وشارك فيها كل من الأستاذ عبد العالي حامي الدين والأستاذ نذير المومني. أكدت المداخلة الأولى على دور الجامعة في إنتاج الأفكار المؤطرة للحقل السياسي، وتزويد المؤسسات السياسية بأطر مؤهلة ومزودة بأفكار وإيديولوجيات، ووعي يختلف عن وعي رجل الشارع، فعاليات تمتلك أدواة التحليل أفراد يتابعون المسار السياسي والفكري والاجتماعي باهتمام، وفي معرض تحديده لمفاهيم عرضه، أوضح الأستاذ المتدخل بأن المشاركة السياسية هي مجموع النشاطات الجماعية المنظمة، يقوم بها المحكوم قصد التأثير في القرار السياسي، ليعرج بعد ذلك معرفا مفهوم العزوف السياسي كظاهرة للامتناع عن التصويت وعدم الاهتمام بالعمل السياسي بصفة عامة تجاه محطة انتخابية معينة، وفي معرض رده على ظاهرة تمييع الممارسة السياسية التي تقوم بها بعض الأحزاب السياسية في إطار تعاملها البرغماتي تجاه علاقة الشباب بمرحلة انتخابية آنية وضيقة الأفق أي النظر إلى الحملة الانتخابية هدفا في ذاتها ولذتها، والغاية تبرر فيها الوسيلة، ومعتبرا أن هذه الممارسة من شأنها أن تولد احتقانا سياسيا خطيرا يراكم من تزايد ظاهرة اللامبالاة الشباب للمشاركة السياسية في المستقبل.
وفي معرض تقديمه لتفسيرات العزوف السياسي أرجعه المتدخل إلى عدد من العوامل لخصها في الآتي:
- كثرة الأحزاب السياسية في المغرب
- وجود قوانين تكرس البلقنة السياسية
- نمط الاقتراع الانتخابي وخاصة التقطيع الانتخابي
- التزوير المباشر وتراكم هذه العملية التي ولدت تراكما أذهبت جفاء المصداقية السياسية وبالمؤسسات السياسية بما فيها مؤسسة البرلمان وانعدام ثقة المواطن بفائدة مشاركته السياسية.
- سيادة ثقافة الخوف من العمل السياسي، نتيجة تراكم العنف أيام سنوات الرصاص.
- اقتران مفهوم السياسة بالقدرة على النفاق وتزوير الحقائق، مما كون حالة انفصام بين السياسة والأخلاق.
- وعوائق مؤسساتية كالخروج عن النهج السياسي، بتعين جطو من خارج الأحزاب السياسية.
في مداخلة نذير المومني عالج فيها إشكالية تأثير القوانين الانتخابية في المشهد السياسي، ومسجلا بذلك بأن هناك تغيير على مستوى الحوار والتحاور الذي بدأت معالمه تتضح وتنبئ بأمل في المستقبل، وممثلا لذلك بمعيقات الحوار والتحاور أيام الثمانينات والتسعينيات التي تميزت بقمع تمارسه قوى اليمين وقوى اليسار المتطرف على الطالب اللامنتمي، تحت هاجس فرض نمط إيديولوجي محدد للنقاش وتفسير الأحداث.
كما تطرق الأستاذ المحاضر للنمط الجديد للقوانين الانتخابية ليسرد أثارها على المشهد السياسي، حيث عرف المغرب لأول مرة تفاوضا بخصوص إنتاج قوانين منظمة للعملية الانتخابية، مثلت أطراف المفاوضات فيها السلطة العمومية والأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني، ولكن مع بقاء ضغوطات تمارسها السلطة العمومية مع توسيع لهامش التفاوض والاستماع إلى الأطراف الأخرى، مما يعزز إنتاج قوانين انتخابية مقتنعة بإستراتجية العمل السياسي الجماعي، بحيث ظهرت ائتلافات من أجل مناهضة القوانين الانتخابية التي ترى فيها إقصاء لها من ولوج معركة انتخابية تقوم على التعددية، وتضمن معارك سياسية متكافئة، ثم عرج المتدخل لمناقشة تمثيلية المرأة والشباب أو بالأحرى كوطا المرأة والشباب داخل الهياكل التنظيمية للأحزاب السياسية طبقا لما تنص عليه بنود قانون الأحزاب الجديد، وقد أكد بأن تكييف الأحزاب لقوانينها ارتهن بضوابط تنظيمية داخلية، الشيء الذي أفرز مثلا اختلافات حول معنى الشباب وسن الشباب لتتوزع بين قائل بأن سن الشباب ينتهي في سن 25 سنة، ومن يمدده إلى حدود 30 ومن يصل به إلى 40 سنة.
واختتمت الندوة بمناقشات وازنة لثلة من أطر وأعضاء الاتحاد العام لطلبة المغرب مشكلة ملاحظات وإضافات نوعية تحدد رؤية المنظمة تجاه قضية المشاركة السياسية في صفوف الطلبة، وراسمة لمحدداتها حتى لا تخرج عن الأعراف الديمقراطية التي تقوم على الإيمان بالاختلاف، كما أفردت وجهات نظر الطلبة الواردة في مناقشاتهم عن سبل معالجة تعبئة الطلبة للانخراط في العمل السياسي، وليس بميوعة كما يروج لها في الغالب حيث يتم العمل على تطويع الطلبة دونما فهم وإفهام لمغزى العمل السياسي ورهاناته التنموية.
ولقد خلص المتدخلون الدعوة إلى مزيد من التعبئة في صفوف الطلبة والشباب لمشاركة سياسية وازنة وهادفة من شأنها أن تسمو بمخططات البلاد التنموية التي ما أحوج إليها، كما شددت الندوة على ضرورة انتخاب طرق وأساليب أكثر معقولية للترويج السياسي داخل الصفوف الشباب، لكون هذه الفئة تقتضي تعاملا خاصا وبعيدا عن البهرجة السياسية، التي صارت أسلوبا بديلا تقوم به بعض الأحزاب السياسية التي تتدعي الديمقراطية وتمثيلية واسعة للشباب داخل هياكلها التنظيمية، كل هذا يدعونا لطرح تساؤلات حول أي شباب نكون أو نسييس، ولتطرح معه كذلك إشكالية أكثر عمق تجاه تجويد الممارسة السياسية من خلال نوعية الممارس السياسي، وليس الكم الجماهيري عددا متابعا نشاط للهيب الهوب الشعبوي، إنها الدعوة إلى تعزيز المقاربة النوعية في التعامل السياسي يستجيب لخصوصية الفئة المستهدفة بالطبع، ولكن في سياق رهانات الشباب المستقبلية خدمة للوطن، ومن دون الإجهاز على المغزى الموضوعي والحقيقي لمفهوم المشاركة السياسية في التدبير السياسي لشؤون المواطنين.
وأوصى الطلبة المتدخلون في تفاعلهم مع الأحداث الدامية المقلقة، كونها ظاهرة غريبة وسلوكات شاذة ودخيلة عن الحرم الجامعي وعن الثقافة المغربية، خاصة وأنها تقوم على نزعات اثنية وعرقية لا ديمقراطية، ولاسيما وأنها لا تنهض على ايدويولوجيات سياسية، وإنما تقوم على العنف المادي المخالف والمنافي لمبادئ وأصول الممارسة الديمقراطية، ودعى الحاضرون إلى حماية وتحصين الجامعة من كافة أشكال العنف المادي والرمزي لبناء جامعة مستقلة وفضاء لتلاقح الأفكار والرؤى على اختلافها.
هذا وقد عرفت أيام ربيع الثقافة الجامعية الثانية تنظيم يومين صحيين، نظم الأول بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي حيث استفاد حوالي 1200 طالب وطالبة من فحوصات مجانية للعيون تاركة انطباعات جيدة، وقد نظم هذا اليوم بشراكة مع الجمعية المغربية للرؤية البصرية التي تكونت من 7 أطر موزعة بين أطباء وممرضين مساعدين، في حين نظم اليوم الثاني بالحي الجامعي أكدال واستفاد من التحليلات الطبية ما يزيد عن 350 مستفيد ومستفيدة.
واختتمت الأيام بأمسية فنية نظمت بالتعاون مع إدارة الحي الجامعي أكدال، وساهمت في تنشيطها فرق موسيقية شبابية وفرقة ناس الغيوان لمدينة القنيطرة، وفي عالم المسرح أتحفت فرقة مسرح العرفان الجامعي جمهور الطالبات بمسرحية درامية تحت عنوان "أيام العز" يتكون جل ممثليها من أعضاء بمكتب الاتحاد لطلبة المغرب لجامعتي أكدال والسويسي بالرباط، ليضرب موعد آخر لأيام ربيع الثقافة الجامعية في السنة المقبلة.
عبـد الفتـاح الفاتحـي
التعليقات (0)