أفلست القومية وأفلست الديكتاتورية الوطنية وديكتاتورية الفرد على السّواء.. وأفلست النُّظم المُستوردة جميعها، المعلّبة ونصف المعلّبة والتي بلا تعليب.. وستُفلس الإسلاموية ذات الخضرة الداكنة وذات الخضرة الفاتحة والخضراء حدّ السّواد، وبعدها ستُفلس "البدائل" العلمية والعلمانية وذات الأصباغ الأكثر تماشيا مع الموضة العالمية.. ولن يكون أمام هذا الوطن العربي الكبير إلاّ خيار واحد، وهو القبول بالوصاية الغربية بعناوينها الإنسانية الجميلة ومعانيها الغاوية في ظاهرها، أو لنقلها بوقاحة: لن يكون أمام الوطن العربي الكبير سوى القبول بالاستعمار الجديد.. قبول لن يتطلّب جهدا كبيرا ولا تقديم تنازلات جارحة للكرامة والقيم والتاريخ وباقي منتجات العروبة، هو قبول سيتطلّب فقط الكبس على زر لايك الفيسبوكي أو الضغط على زر إعادة تغريد في تويتر.
ولكن قبل الوصول إلى مرحلة اللايك وإعادة التغريد على الوطن العربي الكبير، وطنا وطنا أو بالجملة أو حسب الدّور فلا يهمّ.. أن يحترق أكثر ويغرق في مزيد من الاشتعال حتى يصل إلى الدّرجة التي تكون فيها "الوصاية الغربية" ليست مجرّد حلّ لإطفاء حرائقه واشتعالاته، بل أيضا، تكون مهربا مثاليا يرتمي فيه بكل قناعة ووعي وإدراك.
وحكاية الوطن العربي وإن تعدّد الروّاة واختلفت الروايات فأبطالها ثلاثة: عُقال وعمامة وربطة عنق، ويشتركون - ثلاثتهم- في المُراهنة على المال والإعلام ليحقّق كلّ منهم مُخطّطه، كما يشتركون في أمر مهمّ للغاية وهو أن الإنسان والبنيان والوقت ليس في اهتماماتهم، فليس مهمّا كم يُقتل كل يوم من إنسان بريء وكم يتهدّم من بنيان وكم تحترق من شجرة وكم سيدوم اشتعال النيران.. إنهم لا يهتمّون بالطريق ولا يعنيهم الثّمن الذي يدفعه البسطاء كل يوم، كل ما يعنيهم هو الوصول وتحقيق ما يطمحون إليه.
وماذا عساها تكون طموحات عُقال وعمامة وربطة عنق؟ ما يبدو حتى الآن أن الطموحات تتعلّق بدولة الخلافة الإخوانية التي عاصمتها الدوحة، ودولة الخلافة الراشدية نسبة إلى الخلفاء الراشدين والتي عاصمتها.. وتتعلّق بالبعث الأمويّ الجديد، ودولة الديمقراطية التي لن تسمح لغير النورانيين أن تستقرّ لهم السلطة.. ولن يطول الوقت لنسمع أصوات تقول: أيها العربي إنك تهرب من الله لترتمي في أحضان الشيطان، فتردّ عليه أصوت أخرى: أيها العربي، إن الله للجميع فدعه في المساجد والكنائس ودع الإدارة والتسيير للبشر. وترتفع أصوت أخرى: نحن أولياء الله الأصفياء وغيرنا أدعياء يقولون ما لا يفعلون.. فيا أيّها العربي احترس أن تعبد الله جهرا وتؤلّه الشياط سرّا فبئس المصير.
وبين هؤلاء وهؤلاء تقوى أوهام الشاهنشاه وتزداد رغبته جموحا أن يتمدّد على خارطة الوطن العربي الكبير، خاصة إذا استطاع أن يمتلك "الحصانة الدولية" بامتلاكه للسلاح النووي، فعندها ستكون أوهامه مشروعة ولعله أول ما ما يجسّده فعليا أن يرفع رايات سيادته المُطلقة على الجزر الإماراتية، وستكون تلك أولى الصفعات على وجه الوطن العربي الكبير.. ولا عراق يردّ الصفعة وقتها، ولا عرب عاربة ولا عرب مستعربة.
وأمّا العصملي فأحلامه أكبر من أوهام الشاهنشاه، فقد أدخل خازوقه بالطول وبالعرض في جسد الثقافة العربية وما فعله مهنّد بأحلام العربيات لم يفعله المنخّل اليشكري بنساء العرب في زمانه.. وليس أفظع على الوطن العربي الكبير من خازوق العصملي فهو يتقن كيف يكفكف الدموع العربية في النهارات، وفي الليالي ينادم آل صهيون ويشرب معهم خمرا معتّقة منذ ابتدأ تأريخ الغباء العربي.
نعم كلّهم سيفشلون، سيفشل العرب أن يحكموا أنفسهم وسيفشل الشاهنشاه والعصملي.. وبعد طريق مرير من الدّم والاحتراق وقوده الإنسان العربي البريء، سيهرب الجميع من "الله" ومن النّورانيين ومن الشاهنشاه ومن العصملي.. ويرتمون في أحضان الغرب ويقبلون بكل "حبّ" الوصاية التي تمنحهم الاطمئنان والأمان.. قد يطول الطريق قبل الوصول إلى الوصاية، ولكن الأكيد أن العرب يرهنون مستقبلهم ويصنعون مُستعمرهم القادم بأموالهم وبإعلامهم وبدمائهم وأرواحهم..
لعلّي كتبتُ تخريفا يكشف أن قلمي لا يفقه شيئا ولا يفهم ممّا يحدث قيد بعوضة، فمن كان منكم يفهم ما يحدث فليحدّثني ولكن قبل ذلك عليه أن يكشف موقعه بين الثلاثة: العقال والعمامة وربطة العنق.
التعليقات (0)