اسفري فالحجاب يا ابنة فهر هو داء في الاجتماع وخيم
كل شيء إلى التجدد ماض فلماذا يقر هذا القديم ؟
اسفري فالسفورللناس صبح زاهر والحجاب ليل بهيم
اسفري فالسفور فيه صلاح للفريقين ثم نفع عميم
زعموا ان في السفور انثلاما كذبوا فالسفور طهر سليم
لايقي عفة الفتاة حجاب بل يقيها تثقيفها والعلوم
(جميل صدقي الزهاوي)
كثر جدالنا مؤخرا عن ظاهر الحجاب وفي الحقيقة كنت أنوي كتابة موضوع عن هذه الظاهرة منذ أن أبتدأت التدوين إلا أن تكاسلي جعلني أؤجل الموضوع مرارا حتى وجدتني اليوم مضطرا لأكماله كرد على بعض ما يثار..
وردت كلمة حجاب سبع مرات في القرآن وتحديدا في المواضع التالية (الأعراف 46 )، (الأسراء 45)، (مريم 17)، (الأحزاب 53)، (ص 32)، (فصلت 5)، (الشورى 51) في كل الآيات أعلاه وردت مفردة حجاب بمعنى الفاصل أو السد بين أثنين وأيضا بأستثناء الآية الثالثة والخمسون من سورة الأحزاب الموجهة لزوجات الرسول لم تستخدم كلمة الحجاب للأشارة الى أمور تخص المرأة من قريب أو بعيد.أيضا في كل الآيات أعلاه لم ترد دلالة واحدة على وجوب الحجاب بمفهومنا له (تغطية الشعر بالنسبة للميسرين أو النقاب بالنسبة للمتشددين) ولكن مع ذلك لنطلع مرة أخرى على الآية الثالثة والخمسون من سورة الأحزاب ولنلاحظ ما المقصود منها..
(وَإِذا سَأَلتُموهُنَّ مَتاعاً فَاسأَلوهُنَّ مِن وَّراءِ حِجابٍ، ذلِكُم أَطهَرُ لِقُلوبِكُم وَقُلوبِهِنَّ، وَما كانَ لَكُم أَن تُؤذوا رَسولَ اللهِ وَلا أَن تَنكِحوا أَزواجَهُ مِن بَعدِهِ أَبَداً، إِنَّ ذلِكُم كانَ عِندَ الله عَظيماً )
نراها لاتدل لامن قريب ولامن بعيد على غطاء الرأس فأستخدام مفردة الحجاب فيها لايختلف حقيقة عن أستخدامه في الآيات السبع الأخرى وهو هنا يعني أن على زوجات الرسول أن يسترن أنفسهن عند طلب الآخرين حاجة منهن أو أن يحدثنهم وبين الأثنين حاجز(من دون تحديد ضيق لمفهوم الستر والحجاب) وهي أولا وأخيرا موجهة الى زوجات الرسول وليس الى عموم نساء المسلمين..
أما عن باقي الآيات التي يستدل بها البعض على مفهوم الحجاب(من دون ورود لفظ الحجاب فيها) فنراها تحث على الأحتشام وليس فيها مايدل صراحة على الحجاب.قد يتهمني البعض بأنني أسطح المسألة لكنني في نفس الوقت لا أرى داعيا لأن يرتدي من يريد دخول حوض الأستحمام بدلة غطس خاصة وأن الآيات في هذا الموضوع قد جاءت واضحة ولاتبطن معنى غير الذي تظهره ولو أراد الله أن يفرض الحجاب على المسلمات لبين ذلك في القرآن كما بين أحكام الصوم والصلاة والزكاة وما شابه فمن غير المعقول تماما أن يترك القرآن مسألة هامة ومصيرية ومسببة للعذاب ودخول النار (كما يدغي المتدينون) دون يحدد أحكامها وحدودها أو على الأقل يبين الزاميتها بشكل واضح وصريح لالبس فيه.كما أنني لم أشأ في موضوعي أن أناقش الأصل الديني الأجتماعي لفكرة الحجاب فقد أشبعت نقاشا وقد بين العديد من الكتاب الليبراليون وحتى بعض الأسلاميين المتنورين عدم وجود نص أسلامي يلزم المرأة بالحجاب لذلك سأتجاوز هذه النقطة الى الأدلة الفلسفية والعقلية التي يدعيها أنصار نظرية الحجاب وهي النقاط الأكثر فسحة للنقاش وأعمال العقل فيها..
كثيرا ما وجه المتدينون الأتهام للعلمانية بأنها تسعى الى جعل المرأة بضاعة أو سلعة أمام الآخرين ويسوقون على كلامهم عشرات من الأدلة الواهية التي لايمكن أن تعد بأي حال من الأحوال مثالبا على نظرة العلمانية للمرأة وهم في نفس الوقت يقدمون لنا الأدلة "الدامغة" على مكانة المرأة الرفيعة في فكرهم والتي سأسرد بعضها قبل أن أناقشها..
أحدى أهم الأدلة التي يرووها لنا عن تكريم المرأة في الحجاب هو قصة السوق المعروفة..فالسلع الرخيصة لاتوضع في واقيات وتطالها كل الأيدي بينما السلع الثمينة كالمجوهرات فهي محفوظة بعيدا عن أيدي المتطفلين بالضبط كما يحفظ الحجاب المرأة..
ترى ما الرابط بين السلعة والمرأة؟؟
اليس هذا معناه أن التفكير الديني يعامل المرأة كسلعة وليست كأنسان؟؟
اليس هذا أمتدادا لثقافة الحريم؟؟
ولماذا لاينال الرجل أيضا مثل هذا التكريم العظيم مادام الله قد ذكر في كتابه أنه كرم بني ادم بشكل عام} وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ{..اليست الآية تدل على أن تكريم الأنسان يشمل جميع أبناء هذا الجنس بغض النظر عن طبيعة جنسهم؟؟
ثم لماذا تحتاج المرأة للحماية (والتدريع) أن كانت مواطنا كامل الحقوق وفق القانون؟؟
هل نعيش حياة الغابة؟؟
من منا الآن يجعل من المرأة سلعة؟؟
مفهوم السفور الذي يعطي للمرأة حريتها وحقها في الحياة والتصرف أم مفهوم الحجاب الذي يعزل المرأة عن محيطها ويحط من أنسانيتها بأن يعاملها كملك ثمين يجب الأستئثار به؟؟
أن أحدى أسباب تخلف مجتمعنا في العصر الراهن هي مشكلة الحجاب..قد يستغرب البعض من كلامي وقد يرون فيه مبالغة وأنا أعطي لقطعة القماش هذه دورا أساسيا في تخلفنا لكن لنتحرى الأمر..
أن مسألة الحجاب تتعدى كونه قطعة قماش الى كونه ثقافة وفكر ضارين بالمجتمع..فمفهوم الحجاب يرسخ حالة فقدان ثقة الفتاة بنفسها..كيف لا وهي تسمع طوال الوقت أنها كائن ضعيف يحتاج حماية..لاتستطيع الخروج بمفردها الا مع محرم..عاطفية لاتستطيع أتخاذ القرارات..ناقصة عقل ودين وحظ..الخ.تلك الأفكار التي زرعتها في فتياتنا الأفكار والعادات الأجتماعية الخاطئة تننعكس سلبا على المجتمع فكيف ينجح بناء أجتماعي نصفه لايؤمن بقدراته ولايثق بنفسه؟؟
بالطبع ليست كل محجبة ثقتها بنفسها مهزوزة ولاكل سافرة تصلح لأن تكون أنجيلا ميركل أو كوندليسا رايس أو مارغريت تاتشر..لكنني أقصد الأمر بصورة عامة..فماذا نقول مثلا عن سيدات لم ينحين في زمن أنحنى فيه الرجال؟؟
ماذا نقول عمن لم يخضعن للتهديد ولم يخشين كواتم المليشيات وذباحي القاعدة وأصررن على أن يمارسن حريتهن الشخصية في أحلك اللحظات التي مرت بنا في العراق؟؟
ماذا نقول عن الذاهبات الى مدارسهن وجامعاتهن ووظائفهن دون تردد أو تخوف في وقت كان كثير من الرجال يطلقون لحاهم ويقصرون جلابيبهم(أو يرتدون السراويل والقمصان السوداء) تجنبا للأرهابيين؟؟
هذا بالضبط ما أقصده عن الثقة بالنفس التي يسلبها الحجاب من الفتاة..
نقطة أخرى يجب عدم أغفالها والتي هي بكل تأكيد أحدى نتائج مفهوم الحجاب (أن لم تكن من صميم المفهوم) وهي العواقب السلبية المترتبة على ثقافة الفصل بين الجنسين..وهنا لابد من أن نوضح للأخوة من أهل فكر الحجاب أن سلبيات الأختلاط التي سيتحججون بها ليست ببعيدة عن المجتمعات المحافظة كمجتمعاتنا لكن "بحجاب" ديني..فالعلاقات الجنسية خارج منظومة الزواج موجودة في بلدننا بصورة واضحة قد تأخذ طابع العلاقة المجردة من أي عقد أرتباط أو علاقات لاتختلف عنها الا من ناحية وجود ورقة لاتغني ولاتسمن..وأحصائيات أنتشار حالات الزواج العرفي وزواجات المتعة والمسيار وما شابه(وكل تلك العلاقات لاتختلف كثيرا عن طبيعة علاقات المساكنة المنتشرة في الغرب من ناحية عدم التوثيق لكنها تختلف عنها أنها علاقات سرية فيما تكون المساكنة في أغلب الأحيان علاقة علنية وواضحة) ليست الا دليلا على كلامنا..والخيانات الزوجية ليست بالأمر الخفي أيضا (خاصة من طرف الأزواج)..أما عن معدلات الطلاق فبأستطاعتي القول أنها تصل الى نسب مرعبة..هذا بالطبع بالأضافة الى سلبيات الحجاب نفسه من حالات الكبت والتحرش والأنشغال عن كل شئ بالجنس وحكاياته..
أذا فمفهوم الحجاب قد أنسحب من النساء الى العلاقات في المجتمع..ونحن بتمسكنا بثقافة الحجاب قد حصدنا سلبيات الحجاب وسلبيات الأختلاط معا..كما فشلنا في حماية مجتمعاتنا من التفكك لأننا لازلنا نشيح بأبصارنا عن مكامن الخلل فيه..
من مضار ثقافة الحجاب أيضا حالة الأزدواجية والنفاق التي نخلقها في المجتمع حين نحاول ألزامه بالرجوع بالزمن الى الوراء فيتشتت الأنسان مابين رغبته بعيش حياة حديثة حياة تحترم انسانيته والقيود الدينية والأجتماعية المفروضة عليه..ومطالعة سريعة لآخر موضات الحجاب وملابس المحجبات كفيلة بأن تعطينا نظرة واضحة عن هذه الأزدواجية..
الخلاصة
الحجاب ياسادة ياكرام "حارس كذاب"..فهو في حقيقة الأمر لايحمي القيم الأجتماعية (التي لاتحميها الا أخلاق الأنسان وتربيته وثقافته التي تجعل عقله ناضجا بما يكفي ليميز الخطأ من الصواب)وأنما يجعل أنتهاكها يتم بالخفاء لا أكثر..فكم من محجبة ملتزمة تماما بالزي الشرعي(حسب تعاليم طائفتها وعلمائها) تقيم علاقات خارج منظومة الزواج؟؟
وكم من سافرة أثبتت جدارتها وأحترامها أمام الجميع؟؟
من يحمي الأنسان وقيمه وهو عقله وأخلاقه ومبادئه التي تفرض عليه أحترام نفسه
المؤسف أننا مضطرين لأن نخوض هذا الصراع اليوم بعد أن خضناه في بدايات القرن وحسم في العديد من البلدان لصالح حرية المرأة وما يؤسفنا أكثر أننا لانحارب على جبهة الرجال وحدها لكن علينا أيضا أن نحارب على بعض جبهة النساء اللواتي لم يكتفين بالقبول بالخضوع والأستسلام فحسب بل أصبحن يدافعن اليوم عن أنتهاك حقوقهن وأمتهان كرامتهن بأسم الدين..
لا أدري ماذا سيقول شاعرنا الزهاوي لو بعث للحياة من جديد وهو يرانا نتجادل في مسألة وصفها قبل مايقرب من مائة عام بالداء والليل البهيم؟؟
أتراه سيصدق أننا عدنا نتجادل فيما كان الناس في أيامه يرونه أمرا باليا؟؟
أتراه سيصدق أننا عدنا لنناقش الحجاب وعمل المرأة وخروجها من بيتها وحقا في المساواة بعد قرن من ترك المجتمع له؟؟
بينما يسير العالم الى الأمام نجد أنفسنا مضطرين الى أسترجاع الماضي مادام الآخرون يسترجعون ماضي سلفهم أيضا..لكن الفرق بين أسترجاعنا للماضي وبين أسترجاعهم هو ان أسترجاعهم هو حنين لذلك الماضي ورغبة في العودة اليه والرجوع الى الوراء أما أسترجاعنا فهو للبرهنة على أن أفكارهم أعتبرت بالية وبدأت المجتمعات بنبذها منذ بدايات القرن العشرين فكيف يطالبون الناس اليوم ونحن قد أجتزنا ذلك الزمان بمائة عام(بالحساب الزمني) ومئات الأعوام (بحساب التطور العلمي والفكري والثقافي)..أسترجاعنا للماضي هو رغبة منا بتنبيه مجتمعاتنا بمدى تقهقرها الى العصور المضلمة كي تعاود الأنطلاق من جديد نحو الحاضر الذي لاينتظر أحدا...
أعود الى الزهاوي من جديد ولتكن أبياته أدناه رسالة لمن يطعن في السفور ويعظم الحجاب...
رسالة لمن يجعل من خرقة مقياسا للأخلاق والعفة وحارسا لهما..
رسالة لمن يجعل من تطوير نصف المجتمع دربا للهلاك والسقوط...
مزقي يا ابنـة العراق الحجابا واسفري فالحياة تبغي انقلابا
مزقيـه أو احرقيـه بلا ريثٍ فقد كــان حارســاً كذابا
زعموا أن في السفور سقوطاً في المهاوي وأن فيـه خرابا
كذبـوا فالسفور عنوان طهرٍ ليس يلقى معرّةً وارتيـابـا
التعليقات (0)