لم تكن معركة غزة عمود النار وحجارة من سجيل ، مقتصرة بمضامينها وأبعادها على الأطراف الفلسطينية المحلية الفاعلة على الأرض في مواجهة العدو الأسرائيلي ، بل كانت أبعد من ذلك وأقوى وأبعد أثراً ، فهي معركة المواجهة الأولى بكل تفاصيلها ووقائعها ، وستكون بنتائجها أيضاً ، ما بين إسرائيل من طرف وحركة الأخوان المسلمين من طرف ، والباقي تفاصيل ، وما الذين أكتووا بنارها على الأرض سوى أدوات لتنفيذ صعود حركة الأخوان المسلمين كي تكون على الطاولة كما هي على الأرض ، فهي أول مواجهة سياسية دبلوماسية بين الطرفين ، تم تنفيذها برغبة الطرفين وشهدت وقائعها ليس أرض غزة فحسب بل إمتدت لتشمل مواقع وأطراف لها مصلحة بالوصل بين الطرفين .
لقد حققت إسرائيل إنجازاً لنفسها بإغتيال نائب قائد كتائب القسام أحمد الجعبري ، مثلما حققت فصائل المقاومة إنجازاً معنوياً بقصف المستعمرات حيث وصلت صواريخها إلى تل أبيب والقدس ، وأرعبت الأسرائيليين وأرغمتهم على دخول الملاجئ ، وهي حصيلة تشبه العمليات الأستشهادية التي أحجمت الأسرائيليين عن ركوب الحافلات ودخول البارات ، خلال الأنتفاضة المسلحة بعد عام 2000 وإستمرت حتى عام 2005 .
وصل رئيس الوزراء المصري إلى غزة من أجل إعلان التهدئة وإستمراريتها ولكنه إصطدم بعقبتين :
الأولى : أن فصائل المقاومة شكلت قيادة ميدانية مشتركة لمواجهة متطلبات إستمرار المعركة وأعلنت رفضها للهدنة خاصة وأن حركة الجهاد المنسجمة مع التوجهات الأيرانية ليست لها مصلحة سياسية في الهدنة والتهدئة ، بل مع إستمرار المواجهة ضد الأسرائيليين .
والثانية : أن خسارة حماس كانت فادحة بإستشهاد أحمد الجعبري ، ولا تستطيع قبول التهدئة مباشرة وبهذه السرعة المستعجلة ، ولذلك فشلت زيارة هشام قنديل إلى غزة مما دفع الرئيس المصري محمد مرسي كي يستعمل كافة أسلحته السياسية والدبلوماسية مرة واحدة حتى يكون حاضراً في المشهد السياسي فسحب السفير من تل أبيب وطلب إجتماع الجامعة العربية وعقد جلسة لمجلس الأمن ولم يتبق لديه ما يقوله أو يفعله ، ولذلك بات التفاوض عسيراً أمام الأسرائيليين وتهديداتهم لإجتياح غزة ، وهو قرار لم تكن ترغبه حكومة نتنياهو أو تسعى له ، فالأجتياح يعني إسقاط تفرد حماس في إدارة قطاع غزة ويعني إنهاء الأنقسام ، وهي حصيلة لا ترغبها أجهزة إسرائيل الأمنية والعسكرية ، وبقاء الأنقسام هدف أمني إستراتيجي تحقق لإسرائيل مجاناً ، وإستمراره يشكل سلاحاً سرياً مفيداً لإسرائيل لا تتمنى فقدانه ، مع مرور الوقت .
الصراع السياسي بين الطرفين بين إسرائيل والإخوان المسلمين ، هو الذي شغل أصحاب القرار في تل أبيب والقاهرة ، فإسرائيل تسعى نحو هدنة تضمن موافقة الرئاسة المصرية أي الأخوان المسلمين عليها ، بينما القاهرة وحماس ترغب بهدنة مكتوبة تضمن توقيع إسرائيل وضمانات أميركية لتحقيق نصر سياسي لحماس على أنها طرف موجود معترف به على الأرض ، وأنها مقبولة لدى الولايات المتحدة تمهيداً لما هو مقبل ، وهو إدخال حماس وإسرائيل والأخوان المسلمين وأميركا صالون التفاهم والمعايشة ، طالما أن التفاهم بين أميركا والأخوان المسلمين قد تم فالمطلوب إستكمال حلقات هذا التفاهم ليضم فلسطين وحماس من طرف الأخوان المسلمين ، ويضمن مشاركة إسرائيل من طرف أميركا .
زيارة الأمير القطري ستبقى هي فاتحة التخلص الأخواني من إلتزامات التراجع عن الأنقلاب وإنهاء الأنقسام وإستعادة الوحدة ، وها هي معركة غزة سترسخ مفهوم إستقلالية غزة وأن تكون هي صاحبة القرار في المواجهة وفي التهدئة بمعزل عن الضفة الفلسطينية وتطلعاتها ، فالعنوان سيتغير مع الوقت .
h.faraneh@yahoo.com
التعليقات (0)