أول فتاة عربية كفيفة تنال درجة الدكتوراه !!
ريم تشكل حالة من التحدي والإرادة !!
ايلافتحاور الشاعرة الأديبة الدكتورة الكفيفة
ريم هلال :
تجربة طه حسين شكلت قدوة مضيئة في مراحلي الأولى !
الموســــــيقى الكلاسيكية تجــــــــــــعلني أنفتح على بحار فسيحـــــــــــــــــــــــــــة لانهاية لألوانها .
هذه هــــــــــــــــــي خصـــــــــــائص المرأة المــــبدعة .
حوار : عمر محمد شريقي
لم تكن الإعاقة البصرية إلا دافعا وحافزا لمتابعة حياتها ودراستها وتحطيم العقبات وتذليل الصعاب وتصميما على متابعة الدراسة والتفوق ، و الإبداع في مفهومها .. وصل ووصال .. رؤية لحقيقة ما تؤرقها .. تحاصرها حتى ينكسر حاجز العزلة وتلتئم بخروج حروفها إلى النور ، وريم هلال إحدى رموز الإرادة والتحدي ،، فرغم ‘إعاقتها إلا أنها بإيمانها الشديد وإرادتها الصلبة استطاعت أن تتغلب على هذه الإعاقة وتعيش كأي انسانة بلا إعاقة .
إنها الدكتورة الأديبة ريم هلال الإنسانة الشفافة التي تزرع في النفس حب الحياة والتصميم على قهر الظروف مهما كانت ، وتؤكد أن الإنسان خصب بمقدار قدرته على أن يحسم ويسعى ، ليس لذاته وحدها ، بل لناسه أيضا ، فليس أقسى من خنق الذات ،، إلا انفصالها عن الآخرين .
جريدة ايلافزارتها في منزلها بحي الاميركان باللاذقية وبحضور والدتها كان معها هذا الحوار :
هل لك أن تعرفي نفسك للقراء الأعزاء ؟
ولدت في مدينة اللاذقية بالجمهورية العربية السورية عام 1960 مصابة بفقدان البصر ، لكن هذا لم يعني اجتياز دراستي في مدارس المكفوفين ، إنما في مدرسة للمبصرين إيمانا منا بأن المعوق ينبغي منذ طفولته أن يعتاد الانخراط في مجتمعه المحيط به على اختلاف فئاته ، وإن أدى به هذا إلى مروره بالكثير من الصعوبات ، حصلت على إجازتي الجامعية في اللغة العربية وآدابها عام 1983 ، ثم تابعت دراساتي العليا استجابة لطموحاتي التي لا تحد فحصلت على درجة الماجستير عام 1992 وكانت رسالتي بعنوان : المنهج النقدي عند طه حسين ، ثم حصلت على درجة الدكتوراه عام 1998 وكانت رسالتي بعنوان : حركة النقد العربي الحديث حول الشعر الجاهلي . والآن أعمل مدرسة في كلية الآداب قسم اللغة العربية بجامعة تشرين محاطة بمحبة طلابي وتقديرهم الكبير لتجربتي ، وإلى جانب هذا دخلت عالم الأدب الذي أجد فيه نفسي الآن بالدرجة الأولى لكوني أنفتح من خلاله على تجارب الآخرين التي لا أرى فيها سوى صور لتجربتي الشخصية ، وقد صدرت لي ثلاث مجموعات شعرية ( العرافة ) عن وزارة الثقافة عام 1995 ، و ( كل آفاقي لأغنياتك ) عام 1997 ، و ( اسمي الأرض ) عن دار المرساة في اللاذقية عام 2001 ، ومؤخرا صدر كتابي الحلم ( البصر والبصيرة ) عن دار الآداب ببيروت 2003 أقول كتابي الحلم لانطوائه على سيرتي الذاتية التي كنت أتطلع إلى تسجيلها منذ يفاعتي الأولى لذا يمكنك أن تتصور أي احتضان قد حظي به هذا العمل لدى قدومه إلى نسخة مطبوعة
ريم تشكل حالة خاصة تلخص معنى التحدي .. ماذا يمكن أن تقولي ؟
منذ يومي الأول في المدرسة توقدت أول جذوة من التحدي في داخلي ، إذ برغم الصعوبات التي اكتنفتني لزمت الصمت وتجنبت بث أي شكوى لوالدي خشية أن ينتزعاني منه ، من ذلك المكان الذي يوجد فيه كل من هم في مثل سني ، ويفتتحا أبواب مدرستي في البيت .
و علاقتك مع الشعر كيف بدأت ؟
في الحقيقة أنا لم أمتلك في الأصل موهبة شعرية ، والشعر بدأ معي وقت متأخر لأن موهبتي كانت متجهة إلى عالم آخر هو الغناء وكان حلمي منصبا عليه ، وقد سجلت عدة أغنيات في إذاعة دمشق ، وكنت ألقى التشجيع من الأهل والأصدقاء وتم تصنيفي في الإذاعة ، لكنني وجدتها غير ملائمة لتجربتي التي تتلخص في الصراع مع العاهة ، فأنا إنسانة مكفوفة ، ومن هنا وجدت أن أطرق مجال آخر هو الشعر الذي لمست فيه امتداد لعالم الغناء ، وكان والدي يتنبأ لي أنني سأصبح شاعرة وبالتالي لاحظ بذور الموهبة ، ولا شك تجربتي مع وضعي الخاص الذي يتعلق بالبصر رقق مشاعري وأسهم إلى جانب الموهبة الغنائية التي كانت موجودة لدي شيئا فشيئا في تكوين نبوغة الشعر .
ما هي أول قصيدة جمعت حباتها المفروطة ؟
هي العرافة وسميت المجموعة بهذا الاسم ، ومن خلال العرافة لخصت تجربتي حيث تبدأ القصيدة بأنني أعيش مرحلة طفولتي النقية المليئة بالمباهج والاعتقاد أن الحياة لا تنطوي إلا على السرور والفرح .
إلى أي حد جسدت قصائدك رؤاك وهمومك الذاتية ؟
على الصعيد الشخصي قلت أن أول قصيدة كتبتها العرافة ، ومن خلالها جسدت تجربتي ، لكن عندما أكتب همومي الذاتية أو حتى عندما أكتب أفراحي الشخصية أو كل ما هو متعلق بي لا أكتب من أجل ذاتي وإنما فقط أرى من حقي أن أفرغ مشاعري من خلال الأدب والشعر الذي يتيح لي التفكير ، فأنا من خلال ذاتي أصل إلى الآخرين لذلك أريد أن أعبر عن الأمور المرتبطة بالعامة .
يقال أنك أول فتاة عربية كفيفة تنال درجة الدكتوراه في الأدب العربي ؟
نعم ، ولكن هناك فتاة من المملكة الأردنية كانت قد حصلت على درجة الدكتوراه في الحقوق ، علما أنني حصلت على هذه المرتبة العلمية ذاتها قبل الفتاة المذكورة بأشهر ، على أي حال إن ما أستطيع قوله هنا هو أنني حملت درجة الدكتوراه في الخامس من أيار عام 1998 .
من كان صاحب الفضل في انتصارك على هذه الصعوبات والأخذ بيدك ؟
إنهم الصنف المقابل ، صنف الأخيار الذين التقيتهم على طريقي بالتوازي مع غير الأخيار إنهم أولا أسرتي التي لو لاها لما أتيح النماء لتلك الغرسة الضعيفة التي كانت تحتاج إلى المزيد من الرعاية والاهتمام والجهود إنهم الكثيرون الذين تلو الأسرة ومنحوني جميعا شعلا من عيونهم وقد تفاوتت درجات توهجها ما بين فرد وآخر ، لذا فان كل مبصر إذا هو يرى بعينين اثنتين فإنني غدوت أرى بآلاف العيون .
هل كان لتجربة الدكتور طه حسين دور في مسيرة حياتك ؟
لا شك أن الدكتور طه حسين شكل بالنسبة إلي القدوة المضيئة التي اهتديت من خلالها ، لكن هذا كان في مراحلي الأولى التي لم تكتمل فيها تجربتي ، أما بعد اكتمال دائرة كبيرة من هذه التجربة فقد وجدت ضرورة في دخولي طور الانعتاق وبلورة شخصيتي المستقلة التي لم يعد من الملائم لها أن تظل خاضعة لتأثير أحد ، إنني إذا ظللت متشبثة بصورة طه حسين أو سواها ، هل سأكون حينئذ قد قدمت سوى نسخة مكررة عنها أو سواها ؟ وهل هذا يعني ما هو مهم بالنسبة إلى نهر الحياة المتجدد ؟ .
علمنا أن لك تجربة مع الموسيقى والغناء فماذا عنهما ؟
في مطلع الشباب تلقيت دروس عزف على البيانو لدى مدرسة خاصة وكم كنت أنطلق عبر تلك الأنغام الرقيقة بأحلامي إلى مقعد الكونسرفتوار آملة أن أستكمل فيه دراستي الموسيقية وأطور من خلالها موهبة الغناء التي ظهرت لدي منذ الطفولة لكن حين أرادت لي الأقدار أن تستبدل بدربي الفني دربا أدبيا وجدت نفسي أستبدل بالأوتار التي كنت أملكها قلما أعبر من خلاله عن موسيقا الحياة والكون المتنوعة ما بين لحظة ولحظة بقعة وبقعة ، هذا مع استمراري في الإنصات اليومي إلى الموسيقا الكلاسيكية التي أنا شغوفة بها إلى حد بعيد والتي باتت تشكل أحد منابع إلهامي لكثرة ما تجعلني أنفتح على بحار فسيحة لا نهاية لألوانها .
يشهد الشارع الأدبي صراعا ما بين القديم الكلاسيكي والجديد المستحدث كيف تنظرين إلى هذه الصراعات ؟
لا داعي لهذه الصراعات لأن الشعر الكلاسيكي أكبر من أن يعرف وهو الشعر الحقيقي بنظري الذي يعبر عن المضمون وعن العواطف ، يعبر كل ما يتعلق بالأمور المعنوية وبالنسبة للأمور الشكلية الشعر الكلاسيكي وضع ضوابط وقوانين للتفصيلات ولا أعتقد أن يكون هناك صراعات بين الحديث والقديم ، المهم أن يتحدث بصدق .
الأدب النسائي تعبير أصبح يتردد على كل لسان ، ما رأيك بهذا التعبير ؟
ليس هناك أدب نسائي بالمعنى الذي يحاول الرجل أن يطلقه على المرأة ، هنالك أدب عام فإما أن يكون أدبا يتمتع بميزات الأديب أو لا يتمتع لأن كليهما – أي المرأة والرجل – تحدثا في مختلف الأطراف الشعرية وهنالك فعلا عدد قليل من الأديبات بالنسبة لواقعنا الأدبي ولكنهن لمعن كمبدعات في هذا الميدان وليس كونهن أديبات على مستوى المرأة ، أنا أرى الإبداع هو شيء مطلق يعتمد على الخيال المبدع والإحساس والتعبير ، وربما تميزت المرأة فقط بشعر الأمومة ، فالرجل محب لأبنائه لكن الأمومة أكثر عمقا وأحن عاطفة لذلك قيل : الجنة تحت أقدام الأمهات .
إذا ما هي خصائص إبداعات المرأة ؟
المرأة أبدعت أما وزوجا وحبيبة ، وربما كانت هي الباعث الحقيقي لإلهام الرجل ، فنحن عندما نقرأ مثلا نزار قباني نرى شعره نساء كثيرات ، وقد قيل وراء كل عظيم امرأة ، المرأة المبدعة كفنانة لأنها بلمسات ناعمة تستطيع أن تعبر بالريشة الملونة أو بالقلم أو بالوتر عما تريد ، وهي أيضا مبدعة في بيتها بالذوق الذي تضيفه على منزل بسيط بإضافة زهرة جميلة أو تنسيق بسيط مرتب .
شكرا للشاعرة الدكتورة ريم هلال على هذا اللقاء ونترك القلم معها لتختم حوارنا هذا بقصيدة فماذا تقول ؟
نداء إلى البحر
أيها البحر : إلى هذا الحد أنت دافئ
كي أفر إليك ؟
إلى هذا الحد أنت فسيح
كي أودعك جراحاتي ؟
إلى هذا الحد أنت نقي
كي تغسلني من حصار العفونات ؟
إلى هذا الحد أنت طاهر
كي تظل باصقا على الأكذوبة ؟
أيها البحر :
ليتني أحملك معي إلى حيث أتمزق
أغرسك في خطوتي
كيلا يعاودني بحر الغبار
أضمك إلى صدري
إلى اشتعاله الذي بدأ
منذ أن تبردت
رئات ذلك الأزل .
التعليقات (0)