عاشت مدينة القنيطرة وجهة الغرب الشراردة بني احسن في مطلع السنة الجديدة 2012 على صفيح ساخن إثر اعتقال المناضل الحقوقي إدريس السدراتي ومجموعة من الحقوقيين ومواطني عامر السفلية –ضمنهم تلميذ في بداية زهرة عمره- على حين غرّة، دون سابق إنذار ومن حيث لم يتوقع أحد. إنهم قربان السنة الجديدة التي ينتظر فيها تفعيل مقتضيات دولة الحق والقانون وتكريس حقوق المواطنة وكرامة المغربي على أرض الواقع خلافاً لما هو حادث من قبل. وكما يقال "النهار تايبان من صباحو"، فهل ما جرى يمكن اعتباره بمثابة "صباح" السنة الجديدة وبالتالي وجب وضع كل ما قيل عن الأمل في الحكومة الجديدة وإنزال الدستور الجديد في خانة "لمّن تاتعاود زابورك ياداود"؟.
مساندة وتآزر من كل حدب وصوب:
لقد عاينا موجة واسعة من التضامن والمساندة والتآزر. فمنذ اعتقال إدريس السدراوي ورفاقه انطلقت "عاصفة" من التضامن، لا محالة أنها ستنجرف بالمزيد من الصدى والتوسع مع إصرار القائمين على الأمور لعب المسرحية سيئة الإخراج والتي تم نسج خيوطها أملاً في توقيف منحى فضح الجرائم الاقتصادية والاجتماعية المقترفة من طرف مافيا الفساد بالجهة والمتواطئين معها والراغبين في التستر عليها بأي وسيلة، سيما وأن الرياح هبّت في اتجاه لم يكونوا يحتسبونه.
لقد أكد الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان مساندته ومؤازرته لرئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان ورفاقه منذ البداية. واعتبر أن التهم الموجهة إليهم تهماً مفبركة نُسجت خيوطها من طرف لوبيات الفساد في جهة الغرب الشراردة بني احسن. ولتتبع الدعم والمؤازرة شكل الائتلاف لحنة من المحامين للتحقيق في خبايا هذه النازلة والبحث عن سبل التنفيذ واستجلاب المزيد من الدعم الوطني والدولي. ومن المعلوم أن هذا الائتلاف يضم صفوة المنظمات الحقوقية والمواطنة، المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة، المرصد المغربي للسجون، فرع المغرب لمنظمة العفو الدولية، جمعية عدالة، الجمعية المغربية للنساء التقدميات، الجمعية المغربية للدفاع عن القضاء، منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، المركز المغربي لحقوق الإنسان، المرصد المغربي للحريات العامة، منظمة حرية الإعلام والتعبير، الهيئة المغربية لحقوق الإنسان، مرصد عدالة بالمغرب، الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، منتدى المواطنين والهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب.
أيها القائمون على الأمور، بالله عليكم هل يمكن إجماع "أمة الحقوقيين والمدافعين عن الكرامة والمواطنة، أن يجتمعوا كلهم على ضلال؟
كما أعلن الإتحاد الجهوي للمنظمة الديمقراطية للشغل لجهة الدار البيضاء، هو كذلك، على تضامنه المطلق مع المعتقلين اعتباراً لأن حبسهم مسّاً خطيراً بالحقوق والحريات، وتضييقاً سافراً على حق التظاهر والاحتجاج السلمي وتجاوزاً خطيراً وغير مقبول على الإطلاق لمقتضيات الدستور الجديد، سيما تلك المتعلقة باحترام وصون حقوق الإنسان وكرامة المواطن. وأكد الإتحاد على ضرورة ردّ الاعتبار لساكنة عامر السفلية من خلال ضمان حقوقهم في قسمة أراضي الجموع والأراضي السلالية والتعويضات المترتبة عنها وصيانة حقوق العمل بالمنطقة الصناعية بالقنيطرة.
وأصدر المكتب الإقليمي للرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان لسيدي سليمان بياناً تضامنياً مع الحقوقيين المعتقلين بالسجن المركزي بالقنيطرة وسلاليي عامر السفلية، مطالباً بإطلاق سراحهم فوراً، ومحملا المسؤولين عواقب الإضراب عن الطعام الذي أعلنوا عليه في 3 يناير لوقف المحاكمة المفبركة.
وقد برزت أصوات المساندة والمؤازرة من قلب الأقاليم الجنوبية الصحراوية، ودوّت من قلب مدينة السمارة إذ عبّر المكتب المحلي للمنظمة الديمقراطية للشغل للمكتب الوطني للماء الصالح للشرب بالسمارة عن تضامنه مع إدريس السدراوي ورفاقه المعتقلين من مناضلي قبيلة أولاد بورحمة، وطالب بإطلاق سراحهم، كما أكّد على ضرورة إنصاف الساكنة وضمان حقوقهم في قسمة أراضي الجموع والأراضي السلالية، علماً أنّه أمر يستوجب التشجيع في نطاق دولة الحق والقانون وليس تلفيق التهم والاعتقال للزج بغياهب السجون. سيما أن أصل المشكل يكمن في التجاوزات الخطيرة والمتعلقة بالترامي على الأراضي السلالية من طرف عائلات معروفة مستغلة نفوذها السياسي والمالي وقربها من دوائر صناعة القرار، وطالب المكتب المذكور بالتأكيد على ضرورة وإلزامية رد الاعتبار للساكنة والمزيد من فضح لوبيات الفساد والمسؤولين المتواطئين معهم.
وعبرت المنظمة الديمقراطية للفوسفاط في بيانها التضامني الناري عن أسفها الشديد وطالبت بالتسريح الفوري للمعتقلين، معلنة عن تحيتها النضالية والصمود والعزم على المؤازرة والمساندة إلى حين تحقيق النصر والحرية لأن إدريس السدراوي ورفاقه اعتُقلوا من أجل جماهير ضاعت حقوقهم وليس لسبب آخر، وبالتالي وجبت الاستماتة في النضال من أجل إطلاق سراحهم وردّ الاعتبار إليهم. لذا طالبت المنظمة بشدة بالتسريح الفوري دون قيد أو شرط وإسقاط جميع التهم الباطلة أصلاً ووقف كل المتابعات. كما طالبت بتحسين وأنسنة ظروف مواطني الجماعات السلالية وإلغاء كل مظاهر النيل من حقوقهم والدوس عليها والتوقيف الفوري لمختلف الطرق المشبوهة التي تُفوت بها أراضي الجموع والسلالية التي طالها الفساد المفضوح من كل جانب.
المحاكمة:
عرفت محاكمة إدريس السدراوي ورفاقه ارتباكاً ملحوظاً، ففي يوم الجلسة بمحكمة الاستئناف، كانت الأجواء مكهربة، إذ بعد تحرك كبير وملفت للنظر لهيئة الدفاع –التي ضمت ثلة من الأساتذة من القنيطرة والرباط- تم التخلي عن جنائية المتابعة واعتماد المتابعة في إطار جنحي. ورغم ذلك رفضت هيئة المحكمة السراح المؤقت والإقرار بالمتابعة في حالة اعتقال.
شهد هذا اليوم استنفار أمني مكثف، وحضور جمهور غفير من ساكنة عامر السفلية ومتضامنين من جميع الأرجاء أغلبهم يعتقدون أن التهم ملفقة لتكميم أفواه الحقوقيين والمتضررين الذين شاركوا في احتجاجات سلمية وحضارية ضد لوبيات نهب الأراضي السلالية، المنظمة بالمنطقة الصناعية الحرّة بعامر السفلية والتي تم تفويت أراضيها بأثمنة هزيلة جداً وغير مقبولة منطقياً واقتصادياً واجتماعياً، في ظل غياب الشفافية والعلنية، مما ساهم في استشراء الفساد والدوس على حقوق ساكنة عامر السفلية.
نضال إدريس السدراوي ورفاقه:
إن الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان تتحمل كل المضايقات التي تحياها حالياً، لأنها أخذت على عاتقها النضال المستميت والمستدام من أجل رفع التهميش والإقصاء اللذين وصلا حدّا لم يعد يُطاق ولا يمكن الاستمرار في قبوله أو استسغاته من منظور كرامة المواطن وحقوق المواطنة وحقوق الإنسان.
إن ما حدث في أول يوم من سنة 2012، يبدو كأنه حملة من حملات عقاب جماعية لكنها لم تنل من عزيمة الطليعة المناضلة للساكنة.
إن ما يحزّ في القلب حقاً، أن الذنب الوحيد الذي اقترفه أبناء قبيلة بورحمة وساكنة عامر السفلية، أنهم طالبوا بإقرار الشفافية والوضوح في قسمة الأراضي ونادوا بإسقاط الفساد في تدبير الأراضي السلالية، وهو أمر يُرعب القائمين على الأمور خوفاً من انكشاف الفساد "المستطير" الذي طال ومازال أراضي الجموع بالجهة.
لقد برهنت الرابطة على صمودها الحديدي وصلابتها "الجلمودية" في رفض الاستهتار الذي يطبع تدبير شؤون تلك الأراضي ومواجهتها لـ"مافيا" الفساد "المتمعشة" منها على امتداد عقود. إنه مسار لا يمكن توقيفه لأنه يهم خيرات محلية تعيث فيها فساداً شردمة من الأشخاص محلياً ومركزياً.
والحالة هذه، أضحى الآن من الضروري فتح نقاش وحوار وطني –مسؤول وشفاف- حول تدبير أراضي الجموع والأراضي السلالية (أو ما تبقى منها) من أجل بلورة نهج سليم للتعامل معها في ظل دولة الحق والقانون ومحاسبة الفاسدين ومساءلتهم، عوض تضييق الخناق على الحركة النضالية للسلاليين بقيادة طليعتهم، لأن الأمور اليوم انكشفت بجلاء وانفضح الفساد التي طالها، ولن ولم يسمح السلاليون –سيما الجيل الحالي منهم- بالمزيد من الدوس على حقوقهم لتتمكن كمشة من الطفيليين والمفسدين من المزيد من الاغتناء على ظهرهم بصورة سافرة.
أصل النازلة:
إن القضية ترجع في الأصل إلى المطالبة باسترداد الأراضي المنهوبة وفق تفويتات مشبوهة وتحت الضغط بتواطؤ جهات رسمية وغير رسمية، وتفويت أراضي بالمنطقة الصناعية الحرة بعامر السفلية.
في هذا الإطار برزت الحركة النضالية للرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، حيث خاضت نضالات على أكثر من صعيد. وما أخاف القائمين على الأمور تنامي الوعي بالبادية واتساع ثقافة حقوق الإنسان بها بفعل دور الرابطة المحوري في تعبئة ومناصرة الأهالي لمواجهة الفساد والتصدي لوضع حدّ لنهب الأراضي ومدخرات الجماعات السلالية والعمل من أجل وقف نفوذ بعض العائلات بسطت سيطرتها دون وجه حق وساهمت بتواطؤ بعض المسؤولين الفاسدين في قهر ذوي الحقوق على مدى أكثر من أربعة عقود.
إن ما أرهب القائمين على الأمور حقاً انخراط شباب المنطقة في هذه الحركة النضالية الاحتجاجية السائرة نحو الاتساع، والتي ووجهت بمختلف أساليب الارتشاء والتهديد. وعندما لم تنفع هذه الطرق انتهى الأمر بزجّ رئيس المكتب التنفيذي للرابطة رفقة حقوقيين ومواطنين –ضمنهم تلميذ- في السجن في نطاق ملف قضائي مفرك –يقول بيان المكتب الإقليمي للرابطة بسيدي سليمان- وبشواهد طبية مصطنعة.
هذا في وقت مازال يتواصل فيه بالمنطقة النهب الممنهج والمكشوف للثروة الغابوية والرمال وأراضي الجموع من طرف رموز الفساد ومقترفي الجرائم الاقتصادية بالجهة.
على سبيل الختم:
إن هذه النازلة تذكرني بنازلة أولاد خليفة الذين استماتوا في الدفاع عن أرضهم في سبعينات القرن الماضي والذين ووجهوا بقمع متوحش لأن المخزن وقتئذ لم يكن ليسمح بانتشار أي نوع من الوعي السياسي أو التضامن من أجل الدفاع عن الحقوق بالبادية المغربية، "والحرّ يفهم بالغمزة" اللهم قد بلغت.
التعليقات (0)