مواضيع اليوم

أولى معارك الإسلام .. معركة بدر الكبرى

  كان لابد من الحرب بين أولئك المعتدين المستكبرين من سادة قريش وزعمائها ، وأولئك المستضعفين الذين أُخرجوا من ديارهم ظلمًا وعدوانًا لا لشيء إلا أن يقولوا ربنا الله .. كان لابد من سلسلة طويلة من المواجهات ( التي فرضت نفسها ) بين تلك الكثرة من الضالين المعتدين الطغاة ، وتلك القلة من المؤمنين الذين أُخرجوا من ديارهم ، وأوذوا في سبيل معتقدهم .. وكان لابد من موقعة بدر الكبرى بين قوى الطغيان في مكة ، ودولة الإسلام الوليدة في المدينة .. وكان لابد لهذه الفئة أن تنتصر في موقعة بدر التي دارت رحاها في السابع عشر من رمضان من السنة الثانية للهجرة ، الخامس عشر من كانون الثاني من العام ستمائة وأربعة وعشرين للميلاد ، وأن تخوض سلسلة من المعارك بعد بدر ، وأن تُهزم في بعضها أيضًا لتأخذ الدروس والعبر من الهزيمة ، وأن تستمر على هذا النهج حتى تفرض سلطانها على شبه الجزيرة العربية ، وتوطّد أركانها هناك في بضع سنين ، وحتى يتم لها تحرير سائر الأقطار العربية من سيطرة الروم والفرس ، وحتى تتمكن من نشر رسالة الإسلام في معظم أقطار العالم المعروفة آنذاك في آسيا وإفريقية وأوروبة ، وحتى تقيم للدنيا كلها دولة عربية إسلامية ، وحضارة عربية إسلامية زاهرة ، وثقافة نيّرة رشيدة أخرجت البشرية كلها من ظلمات التخلف والطغيان والعبودية إلى نور العلم والعدل والمحبة والهدى ... فالناس كلهم سواء .. والبشرية كلها سواسية .. وكافة المواطنين على اختلاف ألوانهم ، وأديانهم ، وألسنتهم ، وأقطارهم متساوون في الحقوق والواجبات ، ليس لعربي فضل على أعجمي ، ولا لأعجمي على عربي ، ولا لأبيض على أسود ، أو أسود على أبيض إلا بمقدار ما يقدم لهذا المجتمع ، ولهذه الدولة ، ولهذه الأمة التي ينتمي إليها من خدمات !!

كانت قافلة قريش بقيادة أبي سفيان ، والتي تضم أموال مكة وخيرة رجالها سببًا كافيًا للصِّدام ، وكانت السبب المباشر لنشوب معركة بدر ، حيث رأى المسلمون فيها فرصة لتوجيه ضربة قاسية لنفوذ قريش وهيبتها واقتصادها ، كما رأوا فيها فرصة لاستعادة شيء مما فقدوه لدى هجرتهم من مكة إلى المدينة .. فكان من الطبيعي أن يخرج المسلمون في محاولة لوضع اليد على هذه القافلة ، ولم يكن غريبًا أن يشعر أبو سفيان بذلك ، وأن يعلم بأمر الكمين الذي يستهدف القافلة ، وكان من الطبيعي أن يغير أبو سفيان الطريق بعد أن أعلم قريشًا بما جرى ، وكان من الطبيعي أن تخرج قريش بكل قوتها لحماية القافلة ، والتصدي للمسلمين ... وكان من الممكن أن تقف الأمور عند هذا الحد لولا إصرار قريش على القتال .. وكان لها ما أرادت ، وكان الإعداد والاستعداد ، وكان تثبّت الرسول الكريم من موقف المهاجرين والأنصار ، ومبايعتهم إياه على الموت في سبيل الله ، وكان العريش الذي بني للرسول الكريم ، وكانت الحراسة المشددة على هذا العريش .. وكانت المبارزة التي تفوق فيها فرسان المسلمين ، ومن ثم كان الاشتباك والالتحام بين الفئتين ، وكانت هزيمة قريش، وكان النصر حليف القلة المؤمنة الصابرة الصادقة.

كان من الطبيعي أن يُقتل من قريش كثير من خيرة أبنائها ، وكان طبيعيًّا أن يُستشهد بعض مقاتلي المسلمين وفرسانهم ، وكان من الطبيعي أن تكون هنالك غنائم ، وأن يوزعها الرسول على كافة مقاتلي بدر ، وكان من الطبيعي أن يكون هنالك أسرى وقعوا في يد المسلمين من قريش ، وأن يكون هنالك أكثر من رأي فيهم ... لقد أخذ الرسول الكريم بالرأي الذي قال بالعفو والفدية .. وهكذا كان ، فقد عفا المسلمون عن بعض الأسرى ، وأخذوا الفدية من بعضهم ، وطلبوا ممن يحسنون القراءة والكتابة أن يعلّم كلٌّ منهم عشرة من أطفال المدينة القراءة والكتابة ... ولأن هذه التجربة كانت الأولى في تاريخ الإسلام ، فقد كان من الطبيعي أن تنزل الآيات الكريمة موضحة الحكم الشرعي فيها ، لقد نزل في أسرى بدر قوله تعالى : " ما كان لرسول أن يكون له أسرى حتى يُثخنَ في الأرض تُريدون عَرَضَ الدنيا واللهُ يريدُ الآخرةَ واللهُ عزيزٌ حكيم " الأنفال 67. ولقد قيل عندما نزلت هذه الآية الكريمة إن القرآن قد نزل هنا برأي عمر الذي طالب بإنزال العقاب الرادع بحقهم .

لقد كانت معركة بدر أولى معارك الإسلام وكانت بداية انتشار الإسلام في شبه الجزيرة العربية ، وكانت المقدمة الأولى ، والبداية الطبيعية بعد ذلك لانتشار هذا الدين في سائر أقطار العرب ، وكافة بلدان المسلمين ، لقد كانت أم اليرموك ، وأم القادسية ... كانت فجر هذه الأمة العربية الإسلامية التي صنعت للدنيا كلها أعظم حضارة في التاريخ ، وصنعت للبشرية كلها مجتمعات إنسانية متحابة متسامحة متعاونة على البر والتقوى ، وأعمال الخير والإحسان .. لقد كانت كافة الأديان والألوان والألسنة تعيش في ديار العروبة والإسلام حياة كلها تعاون وحب واحترام .. لقد كانت دمشق ، وبغداد ، والقاهرة ، وقرطبة ، وإشبيلية ، والقيروان منائر يستضيء بها الناس في هذا الكون ، لقد كانت بغداد – واحّر قلباه - في يوم من الأيام عاصمة الدنيا بأسرها ، كانت بغداد مدينة العلم والعلماء ، والحكمة والحكماء ، مدينة المحبة والتسامح والتعايش بين كل الشعوب ، وكافة الأديان ، وسائر الألوان ... لقد كرّس الإسلام حياة المحبة والتعاون بين الناس جميعًا لأنه لا إكراه في الدين ، ولأنه لا فضل لأحد على أحد إلا بما يقدم من خدمة وخير وإحسان للآخرين .




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !