مواضيع اليوم

أولئك المؤلفة قلوبهم

نزار يوسف

2009-10-09 20:41:48

0

المؤلفة قلوبهم هو مصطلح إسلامي ورد ذكره في القرآن الكريم ، و من ثم تناقلته كتب السنة و الحديث . و قد اتفقت المذاهب الإسلامية الرئيسة و أمهات الكتب الفقهية فيها على أن المؤلفة قلوبهم ، هم القوم الذين كانوا في حرب مع الرسول (ص) و دخلوا الإسلام حديثاً لكنه لم يثبت في قلوبهم و عقولهم بالقدر الكافي ، فبقوا متأرجحين مقلقلين ، و هم سادة قومهم و أشراف عشيرتهم و لهم شأن فيها فلذلك أعطوا قسم من المال كضمان لثباتهم و عدم ميلهم للشرك مرة أخرى . أو هم من الذين لم يدخلوا الإسلام و لكنهم مستعدين لممالأة المسلمين و مساعدتهم و تقديم خدمات معينة لهم لقاء قدر من المال يقدم لهم . أو من ظهر منهم ميل ورغبة في الإسلام ممن لهم أتباع يسلمون بإسلامهم ولهم أثر في نصرة الإسلام والمسلمين .


و قد ورد ذكر المؤلفة قلوبهم في القرآن في الآية {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (60) سورة التوبة .


أما في الكتب الفقهية فقد ورد التفسير لهذا المصطلح الوارد في القرآن على نواح عدة منها على سبيل المثال لا الحصر ما جاء في صحيح البخاري قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إني أعطي قريشا أتألفهم لأنهم حديث عهد بجاهلية ) ( البخاري – 3146 ) و في صحيح مسلم 2483 عن الرسول (ص) ( إني أعطي رجالاً حديثي عهد بكفر أتآلفهم ) .

و عن الإمام جعفر الصادق : أن المؤلفة قلوبهم قوم وحدوا الله و خلعوا عبادة من يعبد من دون الله و لم تدخل المعرفة قلوبهم و أن رسول الله (ص) كان يتآلفهم و يعرفهم لكيما يعرفوا و يعلمهم . ( الكافي – باب المؤلفة قلوبهم ) .


و في رواية أخرى : هم قوم وحدوا الله عز و جل و خلعوا عبادة من يعبد من دون الله و شهدوا أن لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله ، و هم في ذلك شكاك في بعض ما جاء به محمد (ص) . فأمر الله عز و جل نبيه (ص) أن يتآلفهم بالمال و العطاء لكي يحسن إسلامهم و يثبتوا على دينهم الذي دخلوا فيه و أقروا به و أن رسول الله (ص) يوم حنين تآلف رؤساء العرب من قريش  و سائر مضر . ( المصدر السابق ) .


و قد ورد في مصادر السيرة التاريخية أن طرح مفهوم المؤلفة قلوبهم جاء في فترة حرجة بالنسبة للدين الإسلامي كان فيها في بدايته و لم يقو عود المسلمين و دينهم . و كانت الأخطار تتهددهم من كل حدب و صوب . لكن و عندما قوي عود الإسلام و اشتد ساعده و أصبح المسلمون في وضع يمكنهم من صد أي خطر يتعرضون له ، قام الخليفة عمر بن الخطاب  بإيقاف العمل بهذا المفهوم و وقف المساعدات عن الذين كانوا مشمولين ضمن أحكامه و قد جاء في سنن البيهقي : جاء عيينة بن حصن والأقرع بن حابس إلى أبي بكر رضي الله عنه فقالا يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن عندنا أرضا سبخة ليس فيها كلأ ولا منفعة فإن رأيت أن تقطعناها لعلنا نزرعها ونحرثها فذكر الحديث في الإقطاع وإشهاد عمر رضي الله عنه عليه ومحوه إياه قال فقال عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتألفكما والإسلام يومئذ ذليل وإن الله قد أعز الإسلام فاذهبا فاجهدا جهدكما لا أرعى الله عليكما إن رعيتما .


ما يمكن قراءته مما سبق ذكره أن مفهوم المؤلفة قلوبهم وضع أساساً لأناس خيف عليهم أن يرتدوا إلى الشرك أو حظيرة الكفر بسبب كونهم لم يتمكن الإسلام من عقولهم و كونهم حديثي عهد به و لهم ميل من الأساس لدينهم و عباداتهم السابقة . أو هم ليسوا مسلمين أصلاً و دخلوا أو إدخلوا في حكم المؤلفة قلوبهم بسبب خدماتهم للإسلام أو ليدخلوا به و هم بالأساس أناس ليسوا بحاجة إلى المال كونهم أغنياء أولاً و كونهم وجهاء قومهم و أشياخ عشائرهم . و جاء ذلك في فترة مؤقتة كان الإسلام محتاجاً فيها لهؤلاء . فالعلاقة هي علاقة مصلحة متبادلة انتهت بانتهاء أسبابها علماً أن هذا المفهوم لم يرد بالقرآن الكريم بالمعنى التفصيلي الواضح بل ورد فقط بعبارة وحيدة مقتضبة هي عبارة ( المؤلفة قلوبهم ) .


طبقاً لما سبق ذكره فإنا لنا رأياً في مفهوم ( المؤلفة قلوبهم ) و وجهة نظر . و هو أن هذا المصطلح له بعداً أو تعريفاً ثالثاً غير التعريفين الأوليين و بما أن هذين التعريفين كانا مؤقتين حسب السير التاريخية الدينية و الفقهية و أن الخليفة عمر بن الخطاب اجتهد من منطلق هذا المفهوم اجتهاداًَ صحيحاً لا غبار عليه كون هؤلاء أغنياء و لا حاجة بهم للمال الذي غيرهم أشد حاجة منهم له . و بما أن القرآن الكريم هو من منظور الفقه الإسلامي كلام الله الدائم ،  فإنه لا بد من أن يكون اليوم لمصطلح ( المؤلفة قلوبهم ) موضع و حيز للتنفيذ و هو بنظرنا الآتي :

المؤلفة قلوبهم هم أناس شرفاء مؤمنون بالله تمام الإيمان و مخلصون لدينهم و إسلامهم كل الإخلاص و هم ليسوا من علية قومهم بل من علياؤهم .. ليسوا من أشرافهم لكنهم من شرفائهم .. مطلعون على مجمل المعارف ، بل و ممكن أن يكونوا من المفكرين و المثقفين . و لكن .. و لكن ( حرف استدراك ) .. لا يملكون المال الكافي لتحسين أمورهم و تيسيرها و أوضاعهم المالية و الاقتصادية تحت درجة الكفاف و الفقر . و هم كما ورد ذكرهم في القرآن الكريم ( تحسبهم أغنياء من التعفف ) .

و هم قد يصلوا إلى درجة من الضيق .. أو التضييق المتعمد عليهم .. تجعلوهم يقتربون إلى حد الكفر أيضاً و لذلك وجب دعمهم بالمال و هو ما نراه اليوم و على ما يبدو و يظهر فأن المطلوب اليوم هو الكفر عن طريق التضييق المادي و المعنوي على الفئات المثقفة المفكرة المتعلمة .. أي على فئة المؤلفة قلوبهم في العصر الحالي .

هذه القضية تتضح لنا بشكل أكثر تبلوراً و تحديداً للأبعاد و الأطر إذا علمنا أن قضية ارتباط الفقر بالكفر هي قضية موجودة منذ القدم و ترافق وجودها و الإشارة لها حتى في الكتب الفقهية الدينية . فقد جاء في سنن أبي داود و النسائي و غيرها حديث الرسول (ص) : اللهم إني أعوذ بك من الفقر و الكفر . . و حديث ( إذا ذهب الفقر إلى بلد قال له الكفر خذني معك ) . و حديث عن الإمام علي بن أبي طالب عن الرسول (ص) : كاد الفقر أن يكون كفراً . و حديثه أيضاً ( الفقر طرف من الكفر ) ( بحار الأنوار ) .

إن الإنسان قد يصل إلى مرحلة من الضيق أو التضييق المادي المتعمد أحياناً و يرى بالوقت ذاته المال بيد من ليس هو أهل له و بطريقة فاحشة مبتذلة بشكل متعمد مقصود .. نقول متعمد مقصود لأن الله تعالى أمر للمؤلفة قلوبهم حق الانتفاع المادي و جعل ذلك فريضة لهم . و هم في عصرنا هذا و بنظرنا الكاتب و المثقفين و كل المفكرين الهادفين و كل صاحب فكرة بناءة هادفة في الحياة و المجتمع .


يقول مظفر النواب في قصيدة له :


هذا طينك  ( الإنسان ) يا الله يموت به العمر
ويشتعل الكبريت جنونا
هذا طينك قد كثرت فيه البصمات
وافسق فيه الوعي سنينا
هذا طينك .. طينك .. طينك
تتقاذفه الطرقات بليل المنفى والأمطار
دلتني الأشعار عليك
فكيف أدل عليك بجمرة أشعاري
لا تلم الكافر في هذا الزمن الكافر
فالجوع أبو الكفار
مولاي أنا في صف الجوع الكافر
ما دام الصف الآخر يسجد من ثقل الأوزار .

و ما يزيد الطين بلة عندما يرى إنسان شريف جرب حظه من الحياة فرأى التضييق عليه من كل جانب و رأى الجاه و المال بيد من هو نكرة جاهل تهطل الأموال عليه بطريقة مقصودة واضحة هي نتاج لمخطط موضوع منذ أمد بعيد فيقول مع ما قاله الشاعر في العصر العباسي :


إذا كان لايَحظى برزقكَ عاقلٌ            وترزقُ مجنونًا وترزقُ أحمقـا
فلا ذنبَ ياربّ السماءِ على إمرىءٍ       رأى مِنكَ مالا يَشْتهي فتزندقا


هؤلاء هم المؤلفة قلوبهم و لهذا أمر الله تعالى بإعطائهم حقوقهم صوناً لهم و لإيمانهم . و نقول لمن يمنع عنهم حقهم الآن
أضعف الضعفاء .. قوي يحارب ضعيف بالخفاء .
نزار يوسف




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !