أوكامبو ... مُدّعِي بلا مَنَصّـة
عادة ووفق ما هو متعارف عليه من (هيبة القضاء) ، كان لويس أوكامبو في البداية يقف شامخا في منصة الإدعاء وهو يخاطب الغير من فوق برجها العاجي ، ويوجه الإتهامات تلو الأخرى للأفراد والرئاسة السودانية وأياديها في دارفور ..... وكان العالم يسعى للإستماع إليه في قاعات المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي وتتسابق الكاميرات للإنتقال إلى مكتبه وإلتقاط صوره مرتديا الروب المهيب وهو يتهدد ويتوعد وكيل الإتهامات كيفما شاء .
ولكن رويدا رويدا بدأ نجمه يخبو وفقاعة صابونه تضمر . وأصبحنا نلاحظ ونشاهد على وجه اليقين أن هذا المدعي الفاشل وزئر النساء اللاتيني المَجَهْجَهْ يتنازل درجة إثر درجة عن منصته في لاهاي ليتحول إلى مُدّعِي مُتَجَوّل . وممثل عدالة وهمية بلا مَـنَصّــة في أزقة وسرادايب ومجاري وأسواق ومقرات الإتحاد الأوروبي يستجدي بضاعته الرخيصة الكاسدة ....
يوم الثلاثاء الماضي 23/3/2010م إرتحل لويس أوكامبو إلى العاصمة البلجيكية بروكسل وهو يحمل فوق كتفه بضاعته المستعملة ؛ يعرض نفسه على أجهزة الصحافة والإعلام ويستجديها كي تلتفت وتستمع وتصغي إليه كما كانت في الماضي .....
كان غرض أوكامبو حين ترك منصة الإدعاء (المهيبة المحترمة) في لاهاي وتوجه إلى (شوارع) بروكسل ، هو محاولة الضغط على بعثة المراقبين الدوليين المنتدبة من الإتحاد الأوروبي لمراقبة الإنتخابات السودانية المقررة في أبريل القادم ...... محاولة الضغط عليها عبر التلويح ببعبع هتلر والنازية المخيف أمام وجهها وفي ذاكرتها .......
قال أوكامبو (من موقعه في الشارع) موجها الحديث لهذه اللجنة : "إن الانتخابات المقررة في أبريل في السودان والتي ترشح لها الرئيس السوداني الحالي أشبه بإنتخابات تحت نظام هتلر .
ويغفل ويجهل أوكامبو أنه لم تكن هناك إنتخابات تعددية حرة أصلا تحت ظل نظام هتلر الذي يحاول المزايدة عليه والتخويف والتهديد به من واقع أن رئيسة هذه البعثة الأوربية هي بلجيكية الجنسية ؛ وأن بلجيكا هي أول من تعرض للاحتلال النازي (خلال 6 ساعات) عقب إعلان الحرب العالمية الثانية إضافة إلى ما تعرضت له كافة الدول الأوروبية من مآسي لا تزال تدفع ثمنها حتى تاريخه ......
الفــوهرر
ثم أنه شتان ما بين نظام هتلر القوي المسلح بهالات وأضواء الزعامة الطاغية وإرادة الوحدة الوطنية الصلبة ، والدعاية الخلاقة ومخرجات تكنولوجيا الماكينة الألمانية العبقرية المبدعة ، وبين نظام أفريقي عربي لا يملك (مثله مثل غيره من أنظمة عربية وأفريقية) إمكانية صنع إبرة خياطة معدنية ناهيك عن صاروخ عابر للقارات......ولكن هذا الأوكامبو يرغب فقط في مخاطبة فوبيا البلجيك وغيرهم من أوروبيين حين يتعمد الإشارة إلى هتلر والنازية هنا.
والطرفة الثالثة في مؤتمر أوكامبو الصحفي الذي عقده في العاصمة البلجيكية بروكسل هو قوله : " أن من مسئولية الحكومة السودانية في الدرجة الأولى إعتقال البشير" ....... هكذا إذن يمضي أوكامبو المفلس في تنازلاته السخية المذلة لشخصه ومنصبه المتهالك ، بعد أن كان في سالف العصر والأوان يطلب من الأمم المتحدة تارة و الولايات المتحدة تارة أخرى أن تلقي القبض على عمر البشير وتعطيه له على طبق من ذهب، ليسعد هو بتقديمه وجبة ساخنة للعواجيز ومرضى الزهايمر من أسود السيرك في المحكمة الجنائية الدولية المثيرة للجدل .......
مشكلة أوكامبو أنه إعتمد في فبركة إتهاماته ضد الرئاسة السودانية على خلفية معطيات سياسية أكثر منها قرائن أو أدلة قانونية .... ولأجل ذلك سرعان ما عصفت رياح التغيرات في واشنطون ولندن ومصالح وعلاقات سياسية إقليمية ودولية بإتهاماته تلك وجعلتها هباءاً تذروه الرياح.
وكنت قد اشرت في مقال سابق (بعنوان أسرار المحبة والمحنة بين الخرطوم وواشنطون) عن تغير في موقف الإتحاد الأوروبي تجاه حكومة البشير وفق تصريح "فيرونيك دي كيسر " البلجيكية الجنسية رئيسة بعثة المراقبين المنتدبة من الإتحاد الأوروبي ؛ وبما يوحي بأن الانتخابات المقبلة ستجرى في جو مقبول من الشفافية ..... وكذلك تصريحات الجنرال غريشون المبعوث الخاص لواشنطون في الخرطوم والتي تؤكد على ثلاثة محاور هي :
1) إنفصال الجنوب.
2) سلام دارفور.
3) إستمرار وإستقرار نظام الحكم في الشمال ..... أو بما يعني أن يبقى الحال في القصر الجمهوري على ما هو عليه خلال الخمس سنوات القادمة.
وبالطبع فإن أوكامبو وإن لم يكن ذو دراية بتاريخ الحزب النازي الألماني والرايخ الثالث وإنتخاباته في ألمانية ، فإنه وبلا شك قد إطلع على تصريحات البلجيكية "فيرونيك دي كيسر" و مبعوث البيت الأبيض "غريشون" بشأن الحكم والإنتخابات وسلام دارفور في السودان .... وحيث لا نشك في أن غبار هذه التصريحات قد أصابته بالحساسية المفرطة فسارع يلهث بالسفر إلى بروكسل ليتحكحك خارج أسوار الإتحاد الأوروبي الشائكة ، ويرقص الكاروشة وسط الساحات ويلعق صديد جرحه الشخصي والمهني المميت......
ومن ناحية أخرى فإن أوكامبو حين عمل حثيثا على تجميع ما يرى أنه قرائن وأدلة إتهام ، كان يظن أن الأمر لا يعدو أن يكون إستعراض قضائي دونكيشوتي في سهول ومروج أدغال أفريقيا .... وأن الأمر لن يحتاح سوى إلى 24 ساعة حتى يؤتى إليه برئيس جمهورية لا يزال على قيد الحكم ورئاسة الدولة ، وهو يرسف في الأغلال والقيود ليقوم بإذلاله وإذلال نظامه وشعبه وهو قابع بلا حول ولا قوة داخل قفص الإتهام.
الرفض السوداني لمؤامرة أوكامبو
لكن ردود الأفعال المناهضة القوية التي صدرت من جانب أغلبية الشعب السوداني الواعي الحر المدرك أن أوكامبو يسعى لبناء مجد شخصي وتاريخ مهني يؤهله مستقبلا لمنصب دولي هام أكثر من حرصه على شعب السودان وأبناء إقليم دارفور ...... إضافة إلى موقف الهيئات الإقليمية الأفريقية ثم العربية المؤيد للرئيس البشير أكدت أن المسألة ليست بهذه السهولة والبساطة التي يظنها هذا اللاتيني الدعي .... ثم أسقط في يده بعد أن لوحت روسيا بإستخدام حق الفيتو وعارضت الصين تبني هيئة الأمم المتحدة مسألة القبض على الرئيس السوداني ، وأهملت واشنطون أوباما الموضوع برمته ....
وهكذا تحول أوكامبو إلى نمر جريح . وتساقطت كل أفكار زعيط ومعيط وأحلام زلوط ، والأماني العذبة التي كان يرجوها لنفسه على حساب كرامة شعب ووطن يساق رئيسه ورمز الجمهورية وهو لا يزال على كرسي الرئاسه ليجري إذلاله على أيدي زمرة عنصرية مهووسة متغطرسة موتورة من بقايا محاكم تفتيش الفرنجة.
المشكلة أن كل هذا يجري وهناك شراذم من الحيارى مدمني الخمر والبنقو والزناة المعارضين لتطبيق أحكام الشريعة وفي ركابهم موجة "السودانيين الجدد" من اللاجئين الذين تم تجنيسهم وإكرامهم بالجنسية السودانية عقب زوال الإدارة الأهلية ، وشرائح وطرابيش وبراطيش أخرى جبلت على الرق وإذلال العبودية ومهانة الإستعمار ولحس أقدام الرجل الأبيض المحتل ، تحدوها فئات ضالة مضلة جاهلة من المعارضة السودانية ذات الأطماع السياسية الإرتزاقية أو التوجهات والأجندة القبلية والجهوية والطائفية الضيقة ؛ كلها وجميعها تهلل وتكبر لأجل أوكامبو وتسعد هنيئة بما يصرح به ضد الرئاسة السودانية ورمزها الوطني من واقع أنهم بالفعل زبد سيل وأوساخ بحر وسقط متاع لا يعرفون كيفية ممارسة المواطنة ، ولا يفهمون معنى الوحدة الوطنية وسقف وحدود عزة وكرامة الوطن. أو مغزى أن يهان رمز الدولة الذين ترفع لأجله اعلام السودان في الخارج ويعزف النشيد الوطني ، حين يساق مقيدا ويذل إذلال عبيد مزارع القطن وأسرى الحروب في معسكرات محاكم التفتيش ونازية الفرنجة الجديدة بغض النظر عن براءته ، وحيث لا توجد أدلة تثبت تورط هذا الرئيس في مثل ما سيق من إتهامات ملفقة ندرك جميعنا أنها لم تحدث ؛ ناهيك عن أن مثل وقيم ومباديء وقناعات وديانة الشخصية السودانية الشمالية بريئة من مثلها ولا تعرف ممارستها أو تقبل تبنيها.
إن على كافة الشراذم وفئران الشقوق أن يعوا أن المواطن السوداني الحر السوي الوارث الحقيقي لحضارات ما قبل الميلاد وما بعد الهجرة النبوية الشريفة ليس في حاجة إلى وصاية أوكامبو أو غيره من مرتزقة.... ولن يرضى بالذل والهوان وتسليم رمزه الوطني إلى الأجانب وأذيال الفرنجة ومحاكم التفتيش بغض النظر عن الموالاة والإتفاق معه أو الإختلاف والمعارضة ضده ..... وأنه إذا كان لإزاحة نظام البشير من بد ، فلا اقل من أن يتولى الشعب السوداني ذلك بنفسه وعن قناعة ذاتية مثلما فعل من قبل مع أنظمة أخرى وإلا فلا ؛ جملة كان أو تفصيلا.
إن غياب معاني الوحدة الوطنية والتضحية في صمت من أجل الوطن لدى معظم طبقة القادة السياسيين وأذنابهم وقواديهم وفئرانهم وبراطيشهم وطرابيشهم كانت ولا تزال كعب أخيل الأمة . وتشكل اساس كل البلاوي والمآسي والتخلف والجوع الذي نعاني منه ..... ولن يكون هناك إصلاح طالما كان هدف كل فئة أو مجموعة سياسية أو عسكرية (بغض النظر عن لونها ورائحتها وطعمها وقناعاتها) هو مجرد الهدم بهدف الوصول إلى الحكم على حساب وركام الآخر وفوق أنقاضه بأية وسيلة كانت ؛ ولغرض السرقة وقبض العمولات وفرض الأتاوات وإسترجاع ما فات ، وغسل أموال الدعارة والأفيون وتجارة السلاح . ونهب كل ما يمكن نهبه من خيرات البلاد والتكسب الحرام من الوظيفة العامة والإثراء من وراء ذلك ليس إلا .......
التعليقات (0)