يُحكي أنه في إحدي الحارات المجهوله والمتفرعه من أحد الشوارع الغير معروفه في حي الصعاليك الكائن في المدينه المتراميه الأطراف يجتمع الصعاليك كل ليله في الفناء الملحق بدار الصعلوك الأكبر مفترشين الأرض في حلقه مستديره حول موقد الفحم العتيق تتشارك أفواههم جميعا في سحب الأنفاس من الأرجيله العتيقه والتي تتقد نارها وتتأجج كلما سحب منها أحدهم نفسا بكل قوة وعنفوان متحديا الآخرين ليملأ رئتيه بالدخان المشبع بالمخدر وقبل أن تخرج الأنفاس من فمه وأنفه يكون الصعلوك التالي له قد سارع بضم شفتيه بقوه علي مبسم الأرجيله كما لو كان يخشي أن يسحبها أحدهم قبل أن يفرغ هو من شهوته ولا يتمكن من الإنسجام والتوحد والتلاحم الفموي مع مبسم الأرجيله في صراع يمكن أن نسميه "ما بين الإغواء والإفتراس" ..
ويستمر هذا الصراع المرير علي البقاء بين قطعه المخدر بإغرائها وإغوائها وبين القوم الصعاليك بنهمهم وشرههم وسُعالهم وبُصاقهم ولكن للأسف دائما ما ينتهي هذا الصراع الغير متكافئ بهزيمه قطعه المخدر وإحتراقها بعد تمزيقها إربا إربا أسفل الفحم المُتقد والذي يزداد إشتعالا وتوهجا بقوه السحب وتأثير الجاذبيه النَفَسيه لتنتهي قطعه المخدر أنفاسا متتابعه في صدور القوم الصعاليك ..
وبعد التأكد من الإجهاز التام علي قطعه المخدر تتمايل الأدمغه المُخدره يمينا ويسارا ويبدأ الفاصل الثاني من السهرة الممتده وهو فاصل من العزف المنفرد من الصعلوك الأول علي فيتاره الكلام و اللسان ..
فالكل الآن أصبح مخدرا مغيبا فاغرا فاه لتظهر للعيان أشكال والوان من الأسنان الصدئه الداكنه اللون ذات الروائح الغير مستحبه في صمت رهيب يتخلله بين الفينه والفينه سُعال شديد من أحد الصعاليك يعقبه صوت بُصاق زميم يتطابق ويتناغم تماما مع ما آل اليه وضع الصعاليك بعد أن "تكيفوا" ..
ويبدأ الصعلوك الأكبر في سرد متكرر يوميا بلا توقف عن ماضيه التعيس وكيف أنه بدأ حياته صعلوكا صغيرا ومنذ أن إستطاعت أقدامه حمله وهو يتجول بين أكداس القمامه وأكياسها في أسافل قاع المدينه وأنه لم تُربيه أمه ولم يُربيه أحد آخر سوي الشوارع والحارات وكيف أنه قضي أكثر من نصف عمره خلف أسوار السجون .. أحيانا يودَع السجن بعد ضبطه متلبسا وأحيانا أخري يُزج به في السجون تلفيقا وظلما في جرائم إرتكبها ولكن لم يضبط متلبسا أثناءها ولكن كل مره كان يدخل السجن كان يكتسب صداقات جديده فالرجال تتعرف اليهم وتصادقهم فقط في السجون "بحسب فكره الثاقب" ليخرج كل مره من السجن أقوي ولديه معارف وصداقات أكثر وكانت الطرقات وأسافل الكباري هي مأواه ومتواه الي أن جائته الفرصه ذات يوم عن طريق صديق حميم له تعرف اليه داخل السجن وصارت بينهما صداقه متينه لا تنفصم عراها ..
فقد جاءه هذا الصديق يوما بنبأ من أحد أكابر القوم والذي أراد أن يجمع الرجال من حوله يساندونه في أعماله ويذودوا عنه كيد أعدائه ويحموا له تخومه .. وفي المقابل وبعد المقابل المادي المُجزي يبعد هو عنهم كيد الشرطه وملاحقاتها والزج بهم في السجون ..
فكانت هذه هي النقله النوعيه التي عرف بعدها النوم علي فراش والإستحمام بالماء وأكل أطايب اللحوم ورؤيه أماكن لم يكن يتخيل شكلها من قبل وأيضا خوض معارك وحروب والقيام بعمليات تخريبيه داخل ممتلكات الخصوم وأعمال سطو ووضع يد وسلب وترويع ..
وعندما أراد الكبير دخول البرلمان كان هو وباقي الصعاليك الذين يعملون لدي الكبير كالطوّافه التي حملت الكبير من فوق صناديق الاقتراع ومن فوق أعناق البشر ومن فوق كل شيئ .. أرهبوا الناس وحتي الحكومه أرهبوها ورفعوا كبيرهم عاليا وحطوا به في قاعه البرلمان متحصنا بحصانه النواب النائبات لتتبدل الأمور أكثر وأكثر ويشتري هذا الصعلوك دارا كبيره ذات فناء واسع في قلب حارته القديمه النابض بكل الروائح الكريهه والذكريات التعيسه ويجمع حوله الصعاليك الصغار ويصبح هو كبيرهم ومصدر المخدرات الآمن لديهم ..
ولكن في هذه الليله وأثناء تكرار سرد تلك القصه هاجمت هذا الصعلوك الكبير نوبه من السعال الحاد أودت بحياته ولم يستطيع أحد من الصعاليك "المساطيل" عمل شيئ له ولكن في اللحظات الأخيره وقبل أن يسلم الروح رفع رأسه ونظر الي الصعاليك الصغار وقال :-
أوصيكم بالآتي .. حتي لا تقضوا بقيه حياتكم علي الأرصفه وأسفل الكباري وفي السجون ..
عليكم بالأكابر فلكم فيهم عونا وحسبا ..
عليكم بالأكابر فأموالهم لا تنضب ولا تنحسر..
عليكم بالأكابر فبكم يسمنوا وبهم تسمنوا وتغنوا من جوع …
عليكم بالأكابر فبكم يخرجوا علي القانون وبهم تحتموا من القانون ..
مجدي المصري
التعليقات (0)