ثمة الآن تداخل حرج للغاية بين مصيري الولايات المتحدة وأوروبا لدرجة تجعل الفصل بينهما مستحيلا.
ويجب وضع هذه الحقيقة في الاعتبار عند صياغة أو تطبيق السياسات والبرامج والممارسات على كلا طرفي المحيط الأطلنطي.
ويؤمن بعض الأوروبيين بأنه بإمكان أوروبا ورسيا معاً تشكيل تكتل يحقق التوازن مع الولايات المتحدة ,في حين يؤمن بعض الأمريكيين بأنه بوسع بلادهم تفريق شمل الدول الأوربية أو حتى عدم الاكتراث بها كليا.
ولكن كل هذه التوجهات والتصرفات لن تعدو كونها – في الحاضر والمستقبل – رؤى قائمة على الخيال والأمنيات أكثر منها على التحليل والاستيعاب الموضوعي.
والولايات المتحدة,ورغم كل أوجه قوتها وقدرتها وطموحها وتطلعاتها,عليها أن تستوعب هذا المفهوم جيدا وأن تتصرف بناء على المنطق المستمد منه.
وحقيقة,فإنه لم يطرأ اي جديد يقلل من أهمية القارة الأوروبية كأكبر وأهم كتلة من اليابسة – على الصعيدين الاقتصادي والسياسي – يجب عدم السماح بأن تظهر فيها أي قوة مهيمنة جديدة وذات ميول مناوئة للمصالح والقيم والأهداف الأمريكية (فأوروبا ,كما يعلم الجميع,كانت مسرحاً لكل الحروب العالمية في القرن العشرين).
ومازالت أوروبا تعتمد بشكل واضح على قوة ونفوذ وتدخل وقيادة أمريكا في تحقيق استقلاليتها وأمنها ورخائها على المدى البعيد,بل حتى في تحقيق الاستقرار الداخلي الأوروبي في بعض الأحيان.
وفي الوقت نفسه,فثمة الآن تداخل شديد في المصالح بين الاقتصاد الأمريكي والاقتصادات الأوروبية,وخاصة اقتصادات دول الاتحاد الأوروبي, لدرجة أن كلا الطرفين قد يتكبد خسائر اقتصادية جسيمة إذا حاول أحدهما أن يخفض بشدة من مستوى ارتباطه بالآخر.
ولاشك في أن القيمة الإجمالية الحالية للتفاعلات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي – بما في ذلك قيمة التبادل التجاري السلعي والخدمي ,والاستثمار,والملكيات المشتركة,والسياحة,والتمويل – هي قيمة تصل بسهولة الى تريليونات عدة من الدولارات ,مع ملاحظة أن مركز الثقل الرئيسي (أي مركز التحكم والتأثير) لتلك التفاعلات الاقتصادية لايميل – إلا في النادر – لطرف معين من طرفي الأطلنطي دون الآخر, بمعنى انه من المؤكد عدم قدرة أي من الطرفين – أمريكا أو الاتحاد الأوروبي – على ان يزعم أنه هو الطرف الأكثر غلبة وهيمنة على تلك التفاعلات المتعادلة.
وفي الواقع ان التفاعل والاعتماد الاقتصادي المتبادل بين طرفي الاطلنطي باتا حاليا حقيقة مترسخة لدرجة ان احد لم يعد يحاول حتى التثبت من وجودها او التشكيك في أهميتها.
وفي الوقت نفسه,فإن ثمة منظومة واسعة النطاق من القيم والمؤسسات المشتركة ذات الجدوى الشديدة للطرفين,وإن كان يصعب قياس قيمتها في صورة رقمية نقدية, وهي منظومة تعمل الآن على زيادة شدة الارتباط بين أمريكا وأوروبا,موجدة بذلك نوعا من تشابك المصالح والتأثيرات هو من القوة بحيث لاتقدر العلاقة بين أي مجموعة أخرى من القوى العظمى على مضاهاته.
فمعظم ما تسعى الولايات المتحدة لتحقيقه خارج أراضيها يعتمد في حقيقته على مدى قدرتها على كسب دعم الكتلة الأوروبية الموحدة – والقوى الأوروبية المنفردة – ومشاركتها الفعالة على الصعد السياسية والاقتصادية والعسكرية في تحقيق الأهداف نفسها
التعليقات (0)