تميزت المعارضة الكوردية العراقية عن مجموع المعارضة العراقية كونها كانت اكثر تأثيرا على الوضع السياسي في العراق آبان الحكومات السابقة لسببين.. الأول... كانت تمثل قومية غير عربية تناثرت تحت خارطة العراق قسم منهم بعد توزيع إرث الدولة الأسلامية العثمانية و صداها عالميا لما نالته من ظلم و تعسف على المستوى الأنساني كشعب لاجيء في ارضه و كان المفروض ان يكون لهم شأن العرب كيان معين يحتويهم لكن رفض الشيخ محمود الحفيد شروط الأستعمار البريطاني آنذاك كونهم محتلين و بديانة مسيحية و تحالفه الأسلامي مع العشائر العربية أدى لسحق تمرده و قتله من قبل القوات البريطانية.. و مساحة مواجهة الأكراد كانت تطول دول الجوار ايضا بعكس المعارضة العراقية التي كان تأثيرها لا يتعدى حدود العراق .
السبب الثاني هي جغرافية منطقة كوردستان اعطت ميزة التواجد الحر بين ابناء شعبها و كان هناك تفاعل بين الأحزاب و ابناء المدن و القصبات بشكل أيسر من المعارضة العراقية التي كانت هي ايضا استفادت خلال تواجدها في مناطق كوردستان من تضاريس المنطقة لكن لم يساعدها بنفس التفاعل مع ابناء محافظات العراق لتوسيع قواعدها الحزبية .
هذا التميز اعطى الحركة التحررية الكوردية دورا رئيسيا ضمن المعارضة العراقية و في بعض الأحيان كان مفتاح العلاقات الدولية لمناصرة المعارضة العراقية ضد نظام بغداد من خلال العلاقات الدولية التي صنعوها لتواجد بعض قيادات المهمة لأحزابها خارج العراق و اعطاهم سبق نوعي و كمي مع احزاب اوربية و عالمية و من خلال العلاقات العربية – الكوردية مع الأحزاب العراقية دعموا علاقاتهم الخارجية بالأحزاب المعارضة العراقية لتوسيع قاعدتها ضد نظام بغداد و نجحوا في توحيد جميع أحزاب المعارضة العراقية من خلال مؤتمر صلاح الدين و مؤتمر لندن بعد ان كان الخطاب السياسي متفكك و لا ينسجم مع الوحدة الوطنية للعراق.
و بالطبع نجاح الأكراد في توحيد الخطاب السياسي العراقي للمعارضة هو ثمرة نجاح المعارضة في اللقاء مع بعضها على ارض محررة في كوردستان و بنفس الوقت كان كشف لعديد من الأوراق التي ادت إلى نزاعات ثانوية فيما بعد على المستوى الأحزاب الكوردية فيما بينها و كذلك الأحزاب العراقية فيما بعضها و السبب في ذلك هو التدخلات الخارجية من قبل إيران و سوريا و ليبيا و دخلت السعودية ايضا على خط الأحزاب السنية العربية و الكوردية معا.
يحضرني ان اذكر انه بعد دخول قوات التحالف (النيتو) لحماية الأكراد بعد الهجرة المليونية التي تسبب بها الهجوم المضاد لقوات الحرس الجمهوري بعد ان حررت قوات البيشمركة الكوردية مدن السليمانية و دهوك و اربيل و كركوك لفترة وجيزة في الأنتفاضة و راح ضحيتها عشرات الألاف من المدنيين, بقيت القصبات خارج المحافظات المذكورة تحت سيطرة قوات البيشمركة و في الجنوب و بغداد كانت المعارضة العراقية قد تكبدت خسائر جسيمة و خسرت مواقعها ايضا , الأمر الذي شجع عناصر المعارضة العراقية للأنتقال إلى المناطق الكوردية المحررة و العمل من هناك لمتابعة العمل على اسقاط النظام في بغداد. و بحسابات خاطئة من قبل نظام بغداد في عزل كوردستان و المعارضة العراقية محصورين في كوردستان دون الوصول لتقوية عناصر المعارضة فرضت الحكومة طوقا على كوردستان و قاطعتها اداريا و سياسيا و اقتصاديا ضنا منها انها ستولد ضغظا على الأكراد في اسيعاب ملايين من المدنيين بمختلف الأعمار دون رعاية الدولة , لا رواتب و لا كهرباء و لا خدمات طبية و الخ....(1)
هذه الظروف ساعدت الأكراد الأستفادة من عزلة النظام العراقي و التحرك بأتجاه منظمات هيئة الأمم المتحدة في التعويض عن الضرر الذي تسببه انسحاب الأدارة المركزية إضافة إلى تفعيل الصداقات التي كونها الأكراد مع الأحزاب الأوربية في أنتقال المنظمات الأنسانية إلى كوردستان و العمل على تعويض الخدمات و نجاح الأكراد في ادارة الكمارك مع حدود تركيا و إيران في توفير الأموال لإدارة كوردستان الأمر الذي وفر الأموال لتسديد الرواتب و انشاء المشاريع الخدمية و الصحية و لو بشكل يسير لكن هذه الأمور اعطت الأكراد سبقا كبير في أدارة منطقة نفوذهم سياسيا و اداريا و تكفلت بعناصر و عواثل المعارضة العراقية المهجرين ايضا و كانت العامل في نجاح تجربته في الأدارة الذاتية و هذا التفاوت بين الأكراد و احزاب المعارضة في الأدارة اصبح عامل نقمة في مناقشات قانون أدارة الدولة و لاحقا مشروع الدستور و مسألة الحكومة المركزية. إذ يرى الأكراد التنازل عما حققوه من انجازات على صعيد أدارة منطقة كوردستان و هناك مخاوف من الحكومة المركزية بسبب الصراع السلطوي بين الأحزاب ان يعيدوا الأوضاع إلى ماكانت إليه في السابق فكان هناك اصرار على ادراج نقطة الحفاظ على المكتسبات التي حققتها ادارة إقليم كوردستان ضمن الدستور كضمان لعدم الرجوع عنها في حال انفراد أي جهه للسلطة و خاصة حين بدا التدخل الخارجي من إيران و تركيا و سوريا و السعودية واضحا في ترجيح كفة البعض ضد الطرف الأخر و خلق العثرات على التوافق السياسي ضد الأكراد بل ضد العراقيين ككل ايضا. فصراع هوية العراق القومية و الأسلامية كان عامل اساس في تدخل إيران و السعودية ضد بعضها البعض بدعم التيارات الشيعية و السنية و سوريا وريثة المشروع العربي و الأطماع الأقتصادية التركية كل هذه الأمور تعطي تصورا كاملا لوقف النمو و الوجود الذي حققه الأكراد.
(1) كنت اول من عرف بقرار حكومة بغداد بسحب الأدارة الحكومية من مدن كوردستان عن طريق محافظ مدينة السليمانية آنذاك الشيخ نجم الدين النقشبندي و الذي تقلد منصب وكيل وزارة الداخلية بعد انسحابه من السليمانية و بدوري ابلغت الفقيد الراحل سامي عبد الرحمن بأسبوع من موعد التنفيذ و بدوره تداول الأمر مع قيادة الجبهة الكوردستانية في حينها و تم الأستعداد لحل محل الأدارة المركزية.
التعليقات (0)