لا أدري هل هو حسن حظ أو سوء طالع العراق ان يكون بلد غني بالموارد الطبيعية و التكوين القومي و الطائفي في آن واحد ! هذا البلد يمكن لما يملكه من خيرات تكفي لأن يعيش منها ليس أهل العراق فقط بل سابع جار كما اوصى الرسول الكريم.. و مصيبة البيت هم أهلهِ إذا سمحتم لي التعبير ...
وفي مراجعة متواضعه لهوية العراق كجزء من تأريخ ما بعد اندحار الدولة العثمانية و في المساحة الجغرافية التي أفرزتها مخلفات سقوط الأمبراطورية العثمانية و استباحتها من بعد دول المحور و ولدت الأستعمار الأنكليزي و الفرنسي و الإيطالي التي رسمت حدود جديدة المعالم للخريطة الأسلامية التي امتدت من الخليج إالى المحيط لغاية سقوط الدولة الأسلامية العثمانية و منها العراق, حينها التعايش بين الهوية الدينية كمسلمين و مسيحيون و يهود و و باقي الأديان الصغيرة و الهوية العرقية للعرب و الأكراد و التركمان و غيرها , جميع تلك المكونات كانت من تراكم تأريخي لخصوصية العراق حيث لعب العامل السياسي دور في فرض هوية وطنية لتلك المكونات و من بعدها تأتي مسلمات الأنتماء الديني ثم العرقي كمن اقول عراقي كهوية وطنية و مسلم كدين و عربي أو كوردي و الخ.. كهوية عرقية تنظمت علاقة تعايشية بين تلك الأطياف ضمن الكيان السياسي الجديد كانت موجودة و استمرت من العهود السابقة أي قبل نشوء و انتكاس الدولة العثمانية و التي اكتسبت الهوية الأسلامية لمن اعتنق الأسلام و شملت من تعايش ضمن تلك الهوية الأسلامية من باقي الأديان و بمعنى أوضح تعايشت الديانات المسيحية و اليهودية وغيرها في الكيانات السياسية الأسلامية التي توالت على حكم العراق دون ان تترك دياناتها و أحتفظت بخصوصياتها بكل التفاصيل, لكن نمو شعور عدم الأستقلالية بسبب الأستعمار و اضمحلال الهوية الأسلامية بفشل الدولة الأسلامية و زوالها تولد الحس القومي و نشوء احزاب قومية عملت على اساس المشروع العربي و هذا ما تعزز بعد تثبتت اركان ثورة الضباط الأحرار في مصر, كذلك العراق منذ العهد الملكي و سوريا و غيرها, و المشروع القومي تولد للأ كراد ايضا ليتمرد على صيغة التعايش ضمن الهوية الجديدة للمشروع العربي التي من شأنها تهدد بزوال الهوية العرقية للأكراد و هذا التمرد جاء آبان الأحتلال البريطاني و أحتدم أكثر من خلال محاولة المشروع العربي في العراق في فرض الهوية العربية على الأكراد بدلا من الهوية الأسلامية في عهد الدولة الأسلامية و الهوية الوطنية بعد الأستعمار.. ثم جاءت ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 و وصول الراحل عبد الكريم قاسم ليقر الدستور العراقي الهوية الوطنية للعراق من خلال التعايش العربي الكوردي و الأقليات ضمن هوية العراق ككيان سياسي , لكن هذا المشروع فشل امام المد القومي للمشروع العربي مرورا بعبد السلام عارف و انتهاءا بالبعثيين.
تطور اسلوب النضال من البقاء و الحفاظ على القومية الكوردية من الحكم الامركزي(1963) مرورا بالحكم الذاتي(1970) و وصولا للنظام الفيدرالي(2004) الذي اعتمد التعايش ضمن الهوية الوطنية العراقية مع الحفاظ على الخصوصية الكوردية في المناطق الكوردية, لم يأتي نتيجة الصدفة أو عطف من الأنكليز و الحكوما العراقية التي توالت على حكم العراق, بل تطورت تلك الصغية كثمرة لنضال طويل و مرير تخللته العديد من عمليات التهجير القصري و القتل الجماعي و النفي و الترحيل وصل لدرجة الأبادة الجماعية بالقصف الكيمياوي ليس في حلبجة فقط بل سبقتها قصبات و قرى كردية مثل باليسان و قرى الشريط الحدودي مع تركيا. و بالطبع مثل هذا النضال لا يأتي دون قيادة سياسية قادت كل الأحداث و بتفاصيل دقيقة لا يمكن لصفحة أو صفحتين تنقل صورة كاملة لتلك الأحداث, و حين سنحت الفرصة بعد الأحتلال الأمريكي للعراق و سقوط دولة صدام, كان من الطبيعي ان للأكراد ان يحاولوا لعب دورا في الأحداث بشكل يعزز الهوية الكوردية ضمن المساحة السياسية للعراق.....!
و في مساحات الصراع عن هوية العراق القومية و الوطنية و ظهور الصراعات الفرعية للهوية الطائفية تبرز انواع و صور التداخلات الخارجية , إيران الشيعية , السعودية الوهابية, تركيا القومية العلمانية , و سوريا وريثة المشروع القومي العربي و من بين تلك الأحشاء يصارع الأكراد لتثبيت وجودهم القومي في صيغة تمكنهم من عبور مخلفات الماضي التي تحاول ألغاء أو احتواء قوميتها .. الرفض المطلق و الأبادة التي مورست على الأكراد و تعدد فشل الأتفاقيات التي ابرموها مع السلطات العراقية جعلت فقدان الثقة بالطرف الأخر صفة من صفات التعامل السياسي في العراق الجديد, خاصة حين تتعلق الأمور في نمط من الحياة لأكراد العراق و التي تؤثر على كل من إيران , سوريا و تركيا كونهم في حدود مشتركة مع العراق غالبية سكانها من الأكراد, و من هذا المنطلق نجد عرقلة و تشوية و تدخل مباشر من هذه الدول في مسار العملية السياسية و تأزيم العلاقة بين بغداد و إقليم كوردستان العراق و هذا ما يعزز عدم الثقة في ألتزامات حلفاء الأمس (أحزاب عربية و كوردية) من قبل الأكراد اتجاه حكومة المركز و بالعكس.
و يخطيء من يحاول سحب الهوية العراقية من أكراد العراق أو يحاول ألغاء قوميتهم , أو حتى أقحامها في صراع الهوية الحاصل بين المشروع القومي العربي و الهوية الأسلامية في العراق, فهم شعبا ذو تأريخ و لغة و دين و أرض و لم ينزلوا من المريخ.. إن لم ‘يحسب لهم أكراد عراقيين فمن هم؟
في نظري ان هذه هي المسألة الرئيسية في الصراع السياسي بالعراق مع الكورد , أما باقي التفاصيل المملة من الدستور و صراع السلطة هي مسألة أخرى و موضوع أخر ستكون له مساحات أكبر في مقالات قادمة... راجيا ان يستفيد القاريء من بعض الحقائق التي سأدونها كي نفهم الواقع الذي نعيشه اليوم من خلال المرور بلمحات من الـتاريخ الحديث الذي قادنا إلى الأعتقاد الخاطيء للبعض بأنه نهاية وحدة العراق و التي من خلال قراءتي للأحداث أجدها خط احمر لدى الأكراد كما هي لدى العرب سنّة و شيعة و كذلك باقي الأطياف .ليحفظ الله العراق و أهله..
التعليقات (0)