نصر حامد أبو زيد.... محمد عابد الجابري . و الآن محمد أركون. نخب الموت يتوزع تباعا على رواد التنوير في الفكر الإسلامي الحديث. في حياتهم حملوا جميعا هاجس الإصلاح من أجل زرع بذور عقلنة ما في هذا الفكر. و بعد موتهم تكاد الساحة تخلو تماما لمزيد من الظلمة و الإنغلاق.
مات محمد أركون عن سن تناهز 82 عاما. ومعه سيتأجل مشروع التصحيح إلى أجل غير مسمى. أركون خلف وراءه إرثا فكريا كبيرا بعناوين متميزة استخدم فيها الأدوات و المناهج العلمية الحديثة كالأنتربولوجيا التاريخية و اللسانيات و الدراسات المقارنة بين الأديان من أجل نقد عقلاني هادف و بناء في كتب متميزة مثل: " الإسلام: أصالة و ممارسة." و "تاريخية الفكر العربي الإسلامي " و " نقد العقل الإسلامي" و " من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني".... و كلها مؤلفات مشدودة بمنهج نقدي صريح وواضح يتوخى الكشف عن اللامعقول في حفريات الفكر الإسلامي كما تأسس من خلال التفسيرات الفقهية للنص الديني. وهو بذلك يعتبر أحد كبار دعاة التجديد في العالم الإسلامي. حيث يؤِكد على ضرورة قراءة القرآن بلغة عصرية من أجل تجاوز السلاسل الوسيطية التي تكبل حركته . و هذه الدعوة الجريئة عرضته لكثير من الاتهامات و الإنتقادات التي بلغت حد التكفير من طرف التيارات الإسلامية المتشددة .
محمد أركون قامة فكرية عملاقة يغيبها الموت في لحظة يحتاج فيها العالم الإسلامي إلى كثير من أمثاله من أجل الخوض في معارك تصحيحية شجاعة . لكن توالي سقوط رموز التجديد و التحديث في العقل الإسلامي لا يمنع من التطلع إلى الغد و لو بخطى متثاقلة. فالموت يختطف الأجساد لكن العقول تظل حية بما أنتجته من أفكار. و في كل أكثر الأماكن حلكة و سوادا يمكن لقبس من النور أن ينتصر على العتمة.
التعليقات (0)