مواضيع اليوم

أوجاع مخاض الإتفاق الإطاري

مصـعـب المشـرّف

2023-01-11 07:53:40

0

 أوجـاع مخــاض الإتفاق الإطــاري

مصعب المشــرّف

11 يناير 2023

أرسلت جولة رئيس مليشيا العدل والمساواة جبريل إبراهيم ذات الطابع والمغزى العنصري لولاية الجزيرة المروية ذات العمق الإقتصادي الأهم في السودان . وهتافات "سوء النوايا" التي تم ترديدها في كنابي العمال الزراعيين النازحين إلى الولاية ، أرسلت رسائل غير ودية ووضعت علامة فارقة بين الجد والهزل ، والمخفي والمعلن. لاسيما وأن جبريل إبراهيم لا يزال غير راغب أو ربما غير قادر على زيارة وتفقد أحوال النازحين وسكان المخيمات في داخل ولاية دارفور ومعسكر كلمة وغيرها من معسكرات اللجوء الأخرى ليثبت للناس بها أنه يمتلك حواضن وقواعد جماهيرية.

ربما كان هدف فكي جبريل بسيط جدا يقف عند حدود إعطاء إنطباع لفولكر وقوى الحرية والتغيير المركزي أنه يمتلك حاضنة في قلب وادي النيل النابض وأهم مشروعاته الزراعية الإقتصادية. وأن بإمكانه التحريض وإثارة النعرات العرقية والقتل والنهب المسلح فيها كما يفعل في دارفور . وبما يجبر فولكر على الأخذ والرد معه حول حجم نصيبه من كيكة الإتفاق الإطاري الذي تجاوز شروط الإبقاء على مكتسباتة الفير دستورية من إنقلاب ٢٥ أكتوبر المشئوم.

ولكن يبدو أن فكي جبريل كان أكثر سذاجة في نظر معظم أهل الداخل . وأعلى تطاولا في نظر البعض الآخر المعروف بأنه لا يرضى المزاح في حقوقه التاريخية ولا يتهاون مع كل من يحاول أن يذهب بطريقتهم المثلى.

وسواء حصل حوار أو لم يحصل في القاهرة. فالخلاصة أن الأمن القومي المصري الإستراتيجي مستحيل أن يتقبل فكرة أن تتغير تركيبة السلطة بهذه المجانية والغفلة. وتحكم السودان مليشيات وقطاع طرق وعصابات. ورواسب لاجئين وبقايا عابرين ، وسلالات وافدين وهاربين مطاردين وطارئين لا يعرف لهم أصل من فصل أو إنتماء ، هبطوا إلى هذا الوادي من شتى بلدان وأصقاع آسيا وأفريقيا على حين غرة على مدى ثلاثين عام ، بمباركة من الأصولية العالمية وإحتضنهم وإحتواهم نظام الكيزان لتكثيف حجم قاعدته الجماهيرية وتجنيدهم في إحكام قبضته الداخلية وشن تصفياته الدموية وحروبه الأهلية.

ومن لم يقرأ تاريخ وادي النيل ويفهم الممكن والمستحيل في مجراه ؛ فعليه الإدراك بأن هذه الإستراتيجية العليا الأمنية لا تزال قائمة والتخوفات من عودتها واردة وممكنة واللعب والمساومة بكروتها مطروحة من جانب دول وقوى أجنبية. ولها من جانب مصر تبريراتها ومسوغاتها المشروعة التي تنامت بعد الفتح الإسلامي وتحول السودان من دويلات نوبية إلى دولة عربية هي الآن عضو فاعل في الجامعة العربية وسط محيط أفريقي متلاطم متفرق الأهواء والمزاج العام والإنتماءات والأصول العرقية. ولكن يظل المكون العربي هو الكتلة الوحيدة الأكثر تداخلا فيما بينها وتماسكا وإتحادا وصلابة . وتتمتع بإمتداد إستراتيجي شمال أفريقيا وغرب آسيا. ولها دورها الحضاري الإسلامي ونضالها المشهود الفريد في ريادة وقيادة تحرير وإستقلال السودان والحفاظ على مكاسبه.

وبالعودة إلى التاريخ الموثق نجد أن أول من قام بتشكيل الملامح والمعالجات الأمنية هو الملك تحتمس الثالث (١٤٨١ ق.م -- ١٤٢٥ ق.م) ؛ بعد حروب مكلفة مرهقة طويلة بمواجهة عصابات النهب المسلح القبلية وبدو الصحراء التي كانت تؤرق جنوب مصر وصعيدها. قاد تحتمس الثالث هذه المعارك بنفسه وسخر لها كل إمكانيات مصر حتى تمكن من حسمها بالحديد والنار داخل بيئاتها الحاضنة ... وبما سمح نهاية المطاف بنشأة ممالك وحضارات سودانية مدنية مستقرة مترامية الأطراف أبرزها نبتة و مروي و سوبا. سمح إزدهارها بتأمين حدود مصر الجنوبية والتفرغ للتنمية. بل وأسهم بعضها لاحقا في الدفاع عن حدود مصر الشرقية ضد الغزاة وطردهم على يد الملوك بعنخي ثم ترهاقا. وامتدت تلك العلاقة الأزلية حتى المشاركة في حرب الإستنزاف ضد إسرائيل ودعم مصر سياسيا ومعنويا بلاءات الخرطوم الثلاثة وخوض غمار معارك ومواجهات حرب أكتوبر ١٩٧٣م.

واليوم بعد ما يقرب من ٤٠٠٠ عام . واضح ان الملك تحتمس الثالث كان محقا في سياساته. ورسمه وتكريسه لإستراتيجية العلاقة الأزلية بين الشعبين . وخطوط متطلباتها الأمنية العريضة التي تكفل لهما الإستقرار بلا ضرر ولا ضرار على إمتداد جريان مياه نهر النيل العظيم.

ونحمد الله أن العلاقة الإستراتيجية العميقة بين القوات المسلحة النظامية في السودان ومصر لا تزال قائمة. وتظل هذه العلاقة هي رمانة الميزان والضمانة الأهم للإستقرار وحسم كل محاولة للتخريب وخلط الأوراق في وادي النيل بأيدي غرباء. لمصلحة أعداء الأمة العربية والإسلامية.

ويبقى بعد ذلك القول أن كثير مما يكتب ويقال في السوشيال ميديا عن أوضاع السودانيين بمصر هو هراء . وحيث لا يعقل أن يلجأ إنسان بأسرته إلى بلد مجاور ويبقى مقيما فيه إلا إذا كان على قناعة بأنه الملجأ الآمن وتتوفر فيه متطلبات العيش الآدمي الكريم.

وعليه فإنه من العقل بمكان التعامل مع كل هذا الهراء بريبة وسماعه بحذر . وعدم الإنسياق وراء هذا المهرجان من بث الكراهية والعداء بين الشعبين . وتعميم بعض الحالات الفردية السلبية . فالهدف الواضح من كل هذه الحملات الدعائية والأكاذيب والإشاعات الممنهجة هو الإضرار بالعنصر العربي في السودان وتهميشه وإبعاده عن الحكم والسلطة. وبما يؤدي في النهاية إلى تحقيق الغاية الكبرى وهي المساس بمصالح مصر وشغلها بإغراقها في مستنقعات أمنية تستنزف قدرتها على مواجهة أعداء الأمة العربية والإسلامية الأزليين. فمصر هي كنانة الله في الأرض وقلب العروبة النابض وعروة الإسلام ووسطيته الوثقى.

وعلى كل من يحاول الإستخفاف بالمكون العربي السوداني إستخفاف العامة والسوقة بالرجل المجهجه . أو الظن أن بالإمكان خلعه من أرضه خلع السن الملخلخ . عليه أن يستيقظ من أحلامه. ويدرك مدى حجمه وأين يقف ، ورحم الله من عرف قدر نفسه وجذور وعمق تاريخه وإسهاماته الحضارية المضافة التي أثرت مسيرة الإنسانية ولها آثارها ومعالمها وصداها على وجه الأرض.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات