بقلم/ ممدوح الشيخ
في زحام الاهتمام الدولي الكبير عن الفوز التاريخي للسيناتور باراك أوباما برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية كان هناك اهتمام محدود بتقارير تتحدث عن احتمال تنحي الرئيس الروسي ديمتري ميديفديف ليعود رئيس الوزراء الروسي الحالي (رئيس الجمهورية السابق) فلاديمير بوتين لمنصب الرئيس، وهو الذي أبى أن يغادر منصب الرئيس في مدة رئاسته الثانية إلا بعد الاتفاق الواضح مع ديمتري ميدفيديف على أن يتولى منصب رئيس الوزراء.
يحدث هذا بينما تحتفل الولايات المتحدة الأمريكية بتغيير كبير جاء عبر صندوق الانتخابات برئيس من أصول إفريقية والده مسلم في مناخ لا يتعامل بمودة لا مع المسلمين ولا مع غير الواسب (الوايت أنجلو ساكسون بروتستانت – الإنجلوساكسون البروتستانت ذوي البشرة البيضاء)، وبآليات الواقع الأمريكي اخترق هذا العصامي في سن مبكرة نسبيا كل الحواجز والسدود التي تجعل فرصته في دخول المكتب البيضاوي – بالحسابات التقليدية – محدودة جدا. وبينما يوفر صندوق الانتخابات، وهو الوسيلة الديموقراطية الأهم، فرصة أن تغير الولايات المتحدة الأمريكية جلدها وأجندتها السياسية الداخلية والخارجية دون صراع، تصبح الإجراءات في روسيا مجرد واجهة تخفي وراءها بنية سلطة ترفض مبدأ "التداول" وتفضل بدلا منه "التحايل" وهو تعبير استخدمته وسائل إعلام كثيرة لوصف احتمال عودة بوتين لمنصب الرئيس.
والمفارقة هنا مزدوجة، فهذا الموقف مرت به أطراف أخرى تجاهر بتحفظها على الديموقراطية الغربية – عكس روسيا التي تحاول تصوير نفسها دائما دولة ديموقراطية على النمط الغربي – ففي إيران رفض الرئيس السابق على أكبر هاشمي رفسنجاني أن يتم تعديل الدستور الإيراني لأجله ليحكم لفترة رئاسة ثالثة (كان رئيسا لإيران من 1989م إلى 1997).
وهي من ناحية أخرى مؤشر على أن الديموقراطية الغربية ليست موضوع خلاف في أفضليتها على غيرها من أشكال تنظيم الاجتماع الإنساني، وإلا لما كانت دولة في حجم روسيا مضطرة لأن تتحايل كل هذا التحايل لتبدو – ولو شكليا – دولة ديموقراطية، والتغيير في حالات كثيرة يبدأ بمجرد الإقرار حتى لو أقدم عليه صاحبه وهو لا ينوي احترام إقراره.
والطريف أنني عندما تأملت هذه المفارقة الثلاثية التي كانت الديموقراطية – إما بسبب حضورها أو غيابها – البطل الرئيس فيها، عدت بالذاكرة إلى واقعة شديدة الدلالة ترويها بعض كتب السنة النبوية، فعن مستورد الفهري أنه قال لعمرو بن العاص: "تقوم الساعة والروم أكثر الناس"، فقال له عمرو: "أبصر ما تقول"، قال: "أقول لك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم". يقول قال عمرو: "ولئن قلت ذاك إن فيهم لخصالا أربعا: إنهم لأسرع الناس كرة بعد فرة، وإنهم خير الناس لمسكين وفقير وضعيف، وإنهم لأحلم الناس عند فتنة، والرابعة حسنة جميلة أمنع الناس من ظلم الملوك".
وهذا التعقيب من الصحابي عمرو بن العاص يكشف عن بصيرة ثاقبة، فالأمم تسود بهذه الأربع: الإفاقة السريعة من الهزائم، والعدالة الاجتماعية، والتروي عند الفتن، ورابعا الممانعة ضد الاستبداد.
ولقد تمنى الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون بعد انتهاء مدته الرئاسية الثانية أن يكون من حقه الترشح لمرة ثالثة، وقد ترك المنصب في سن مبكرة نسبيا، لكن الأمر لم يكن أبدا ليتجازو حدود التمني في تعليق علني، لكن الرئيس الروسي السابق فلاديمير بوتين – كما هو واضح – انحاز إلى خيار احترام هذا القيد الإجرائي علنا، والتحايل عليه سرا. وبالتالي فليس في الأمر أية مبالغة عندما نقول إن دخول باراك أوباما المكتب البيضاوي في واشنطون واحتمال عودة بوتين لمنصب الرئيس في موسكو نموذجان لمسارين مغايرين، تسير الولايات المتحدة الأمريكية في أحدهما وتسير روسيا في الآخر، فالاقتناع بجدوى الديموقراطية بوصفها وسيلة للسير للأمام يدفع إلى احترامها، أما الاقتناع بأنها قيد على المستقبل فيدفع بالضرورة إلى التحايل على "قيودها"!!
لقد كانت الديموقراطية في اختبار حقيقي في الولايات المتحدة الأمريكية وسيشكل فوز باراك أوباما دليلا عمليا – ربما يستحيل إنكاره – على قدرة هذه الديموقراطية على التغيير، وبالتالي سيخفف فوز أوباما إلى حد كبير موجة العداء المتصاعد لأمريكا التي نجمت عن حكم جورج بوش، كما سيمنح هذا الفوز مصداقية للادعاء بأن هذا البلد يحكمه في المقام الأول صندوق الانتخابات وليست جماعات الضغط المختلفة من اللوبي الصهيوني إلى لوبي البطاطس مرورا بلوبي تجارة الأسلحة.
وإذا كان رحيل بوش بعد مدتين رئاسيتين – لا أكثر – يؤدي إلى تحسين صورة الولايات الأمريكية بأكثر بكثير مما ينجزه تعيين خبراء في الخارجية الأمريكية لإنجاز المهمة، فهل يعني هذا أن تؤدي عودة بوتين لمنصب رئيس الجمهورية في روسيا لإلحاق الضرر بصورة روسيا في العالم؟ إنه يعود بعد أن تولى المنصب لفترتين متعاقبتين (2000 – 2008)، وأعلن في نهاية المدة الثانية رفضه تعديل الدستور الروسي ليحكم لفترة أو فترات أخرى!
التعليقات (0)