أنا الان اكتب ... تلك اللحظة التي كتبت بها أول حرف من هذا السطر أصبحت الان في هذه اللحظة من الماضي حالها حال أي لحظة مر عليها الزمن قبل 1000عام او قبل 100عام . لا فرق كلها لحظات مضت ولا يمكن أن تعود ولا يمكن أن تتغير . كلها مجموعة من الثواني المتراكمة تمر دون توقف . الزمن ذلك الشيء العجيب الذي طالما تأملته وطالما أدهشني . كلما نظرت الى عقرب الثواني شعرت بشعور غريب , هو مزيج من الحزن والغرابة في ان واحد. يشعرني عقرب الثواني ان كل شيء خارج عن السيطرة وان هناك لغزا ما يقف خلف دقاته التي تحاكي بشكل عجيب نبضات القلب التي بتوقفها يتوقف الزمن .
في اللحظة التي سيتوقف فيها قلبي سيكون الزمن بالنسبة لي قد توقف . كأن الحياة وهم كبير ولغز عجيب كلما تعمقت في محاولة حله كلما زادت المتاهة أتساعا وتعقيدا . لم أكن قبل سنوات أهتم لبعد الزمن فكان بالنسبة لي يعني ببساطة مرور الوقت . حين تعمقت في تامله شعرت أن الحياة تزداد غموضا وظلمة. يبدو أن الزمن هو مفتاح الحل للغز الحياة ويشترك معها في انه كلما نظرت أليه ببساطة وسطحية فهمته وكلما نظرت أليه بعمق وقوة شعرت بمقدار هائل من السذاجة والضياع والتوهان .
المكان الذي أجلس فيه الان لا أعلم كيف كان قبل 100 عام ( قد يكون بيت من الطين أو بستان نخيل أو مستودع أسلحة للجيش العثماني أو بيت لأحد وجهاء بغداد لا أعلم ) ولا أعلم كيف سيكون بعد 100 عام (مركز أبحاث متطور أو أرض فارغة أو مرصد فلكي أو بيت أحد أحفادي لا أعلم ) ولا أعلم من كان يجلس هنا ولا أعلم من سيجلس ولا أعلم كيف سيفكر . لكن ما أعلمه أن كل هذه المتغيرات يحدثها عدد هائل من البشر بمقدار هائل من الثواني المتراكمة .في لحظة ما شعرت أن الحياة عبارة عن عدد هائل من الناس تمر عليهم مجموعة هائلة من الثواني يكررون نفس التجارب ويقعون بنفس الأخطاء بدون توقف .
لا يمكن العودة بالزمن للماضي فهذا شيء لا يحدث ألا في هوليوود كما حدث في مسلسل لوست حين عاد بهم الزمن الى حقبة السبعينات . وعلى ذكر السبعينات لو عدنا الى عام 1970 في أندونيسيا تحديدا وتحدثنا مع ذلك الطفل الأسمر البشرة باراك حسين أوباما ذو التسع أعوام الذي ولد في حجر عائلة هجينة (أم أمريكية من أصل أوربي وأب أمريكي من أصل كيني) والذي يقيم مع عائلته هناك . لو قلت له مثلا أريد ان اخذ معك صورة تذكارية لأنك ستكون أول رئيس أمريكي ذو بشرة سوداء . ماذا لو كنا في عام 1900 وقابلت الطفل أدولف وقدمت له قطعة حلوى وتوسلت أليه أن لا ييأس من أن يكون رسام بعد أول فشل وأن يستمر في الرسم على أمل أن لا يدخل مجال السياسة . الزمن يمر وتحدث متغيرات لا يصدقها أحد فلا أوباما في عام 1970 كان يحلم أن يكون رئيسا لأمريكا ولا هتلر في عام 1900 كان يعلم أنه سيتحول الى جلاد وسفاح لا مثيل له .
لا أجد فرق كبير بين العودة الى عام 1970 أو البقاء في عام 2011 . النتيجة واحدة وثابتة هناك رئيس مستقبلي لا يزال طفل صغير وسيدور عقرب الثواني مرات ومرات ليصبح هذا الطفل رئيس . على سبيل المثال الرئيس الذي سيحكم العراق عام 2046 والذي سيرشح من قبل الكتلة النيابية الأكبر , أي بعد تسع دورات أنتخابية لمجلس النواب هو الان في عام 2012 طفل صغير . على فرض أنه من مواليد عام 2000 فهذا يعني أن عمره الان 12 عام أي أنه الان في السادس الأبتدائي . لا زال يكستب من الحياة ويتعلم ولا أعتقد أنه يحلم ان يصبح رئيس أو رئيس وزراء . قد يحلم أن يصبح طبيب أو مهندس أو محامي أو مغني أو لاعب كرة قدم أو أي شيء اخر ألا منصب رئيس الوزراء او رئيس الجمهورية فلم أسمع في حياتي حين كنت طفلا من أي صديق لي حين كنا نتحدث عن المستقبل انه يحلم أن يكون رئيس . قد يكون السبب اننا جيل كان يعتقد انه لم ولن يرى رئيس اخر غير صدام حسين لأننا ولدنا وهو رئيس وكبرنا وهو رئيس ولولا التدخل الامريكي لمتنا وهو رئيس .
لم نكن نفهم ولم نكن نستوعب أن الرئيس شخص عادي كان يعيش طفولة مثلنا . قد يكون حلم الرئاسة من ضمن خيارات أطفال الجيل الحالي على ضوء المتغيرات الحالية . لا أدري لكن الامر يستحق أن نسأل مجموعة من الاطفال عن طموحاتهم المستقبلية لما لا . ولم لا يكون أحدهم يطمح أن يكون رئيس وهو من سيصبح الرئيس العراقي في عام 2046 فعلا , من يدري كل شيء وارد وممكن الحدوث حتى لو كان بنسبة 1 الى عشرة ملايين .
هناك لحظات في الحياة تغير الطريق الذي يسير عليه الانسان الى طريق لم يكن في الحسبان قد يكون طريق أجمل من الطريق السابق وقد يكون أسوء وبكل الأحوال تبقى تلك اللحظة التي أتخذ فيها هذا القرار المصيري هي الفيصل . قد تكون اللحظة التي خير بها بين أن يدرس الهندسة او يدخل كلية القوة الجوية . قد يكون اختياره للقوة الجوية يحوله الى محمد حسني مبارك الطيار البطل الذي قصف اسرائيل ويمتد طموحه بعدها ليصبح الرئيس محمد حسني مبارك وليتحول بعدها الى المخلوع مبارك الذي يحاكم وهو ممدد على سدية . ماذا لو أختار في تلك اللحظة اختصاص الهندسة المدنية بدل الطيران الحربي ؟
قد تكون الحظة التي يدخل فيها احدهم الى الشارع الخطأ هي اللحظة التي يلتقي بها بشريكة حياته المستقبلية ويتزوجها لاحقا و يعيشون حياة سعيدة وتكون له خير سند . ماذا لو لم يدخل في الطريق الخطأ تلك اللحظة ؟ لحظات كثيرة عابرة لكن ثقلها في الحياة كبير وقد تقلب كل الموازين . صدف تغير مسار حياة الانسان وتقلب واقعه .
تبقى الحياة لغز وتغيرات الزمن لغز والطريق الذي نسلكه يتغير رغما عنا ولوحة الحياة التي نعتقد أننا نرسمها هي في الواقع ترسمنا أحيانا . مهما كنا أصحاب أرادة ومهما كان تخطيطنا محكم لا بد أن تأتي لحظة تلعب دور كبير في تحديد مسار الواقع الى مسار اخر يمثل كابوس مرة ويمثل حلم تحقق مرة اخرى . هناك لحظات قد نعتبرها عابرة لكنها مصيرية .
مع الاسف الحياة ليست لعبة بلي ستيشن يمكننا أعادتها من البداية أذا فشلنا في تخطي مرحلة أو اذا أخطأنا في قرار متسرع أخذ منا جزء من الثانية . كل لحظة تمر لا تعود مرة أخرى وكل قرار نتخذه سنتحمل نتائجه مهما كانت ولا يمكن للزمن أن يعود أبدا .
التعليقات (0)