كلنا انتظرنا خطاب اوباما في القاهرة وكأنه سيأتي بكلام لم يقال من قبل، وذلك نظراً لسياسة اوباما البعيدة كل البعد عن بناء علاقات تصادمية مع الدول الأخرى، وبالفعل جاء خطابه متوازناً نوعاً ما وبلغة جديدة اثبتت الثقافة العالية للرئيس الامريكي وسعة اطلاعه وخاصة حينما اشار متودداً في بداية خطابه لمساهمات الحضارة الاسلامية في اثراء العالم في مجال العلوم والطب والاقتصاد والتكنولوجيا، ولم يختلف أحد على ان اوباما حاول ان يثبت ان التغيير في امريكا اصبح واقعاً رغم ان ذلك لم يتجاوز حتى اللحظة مجرد كلمات، إلا أن لغة الخطاب جاءت تستند على المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل، وهو ما يعتبر مقدرا جداً من رجل يحمل على كاهله ارث سياسي مثقل بالعنجهية والتسلط والتصرف بالقوة، فجاءت لغة خطابة فوق المتوقع.
ورغم ردود الفعل الايجابية إلا ان الاراء جاءت متناقضة بين مؤيد لما سمعوه، ورأى البعض الآخر انه خطاب جاء من ممثل بارع كأوباما ومخرج رائع كالحزب الديموقراطي وان امريكا ستبقى امريكا، والرأسمالية هي ذاتها ولكن بإخراج جديد، إلا أننا يجب ان ندرك ان سياسة الادارة الامريكية لا يحددها شخص االرئيس وانما تحددها مؤسسات الدولة المختلفة ولا يستطيع اي رئيس ان يخرج عن هذه السياسات المحددة والمبرمجة له، فهو مجرد واجهة لتلك الادارة، وأيا كان فقد حاول اوباما ان يمسك العصا من المنتصف، فقد اكد على قوة ومتانة العلاقات الامريكية الاسرائيلية وأتى على ذكر المحرقة التاريخية وما تعرض له الشعب اليهودي من قمع وتنكيل متجاهلاً بذلك ذكر محرقة غرة الاخيرة، مع مطالبته بنبذ العنف والمتمثل بحركة حماس والاعتراف بحق اسرائيل في الوجود، ثم استطرد هذا بالاعتراف كذلك بحق الشعب الفلسطيني في الحياة، مشدداً على ضرورة انهاء الازمة الانسانية والتي امتدت لاكثر من ستين عاماً، ومع تأكيده انه لن يفرض حلاً على احد ، حاول اوباما ايجاد التوازن كذلك أثناء تطرقه لقضايا كثيرة مثل الارهاب والملف النووي الايراني والحرب في افغانستان وقضية العراق، فخلا خطابة من اية التزامات او سياسات واضحة تجاه عملية السلام في الشرق الاوسط، متفادياً بذلك الصدام مع الجميع.
لا نستطيع في النهاية سوى القول بأن خطاب اوباما شكل –دون شك- سابقة جديدة وخطوة في الاتجاه الصحيح، لتصحيح مسار العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم الاسلامي، ولسنا نتوقع ان تتغير السياسة الامريكية بين ليلة وضحاها وما علينا الان هو المطالبة بالافعال مع ادراك اهمية عامل الوقت لتنفيذ ما ورد في الخطاب.
امريكا ارسلت لنا محامٍ بارع للدفاع عنها، ونحن كعادتنا صفقنا له بحرارة، رغم ان الخطاب لم يقدم جديداً إلا ان الجديد كان في لغة الخطاب نفسها.
ولكن هل يصلح العطار ما أفسد الدهر ؟!!
سميحه حسين محمد
أبوظبي
التعليقات (0)