مواضيع اليوم

أهم ما جاء بكتاب "عودة الوعى" للحكيم

هشام صالح

2012-10-28 00:35:03

0

لو عدنا لكتاب الكاتب الكبير والمُفكر توفيق الحكيم "عودة الوعى" والذى شن فيه هجوماً على ثورة يوليو وتجربة عبد الناصر وقال عنه الأستاذ هيكل أن هذا الكتاب " صدر فى مناخ محاولة عامة فى الوطن العربى لإعادة تقييم جمال عبد الناصر والنظر إليه من جديد " ، سنجد بعضاً من المواقف التى حدثت ولم تُلفِت ـ وقت حدوثها ـ إنتباه الكاتب الكبير يحدث مثلها الآن ، لذلك لو حذفنا إسم عبد الناصر والإتحاد الإشتراكى ووضعنا إسم مرسى وجماعة الإخوان مكانه سنجد أن الطريق إلى تكرار أسوأ ما فى تجربة عبد الناصر وكذلك أسوأ ما فى تجارب الأنظمة التى جاءت بعده واضح لا ريب فيه ! .

 

 

يقول الحكيم

( أذكر يوم جاءنى صاحبى الصحفى اللامع ـ بالتأكيد هو الأستاذ هيكل ـ  صديق عبد الناصر بنسخة من كتاب "فلسفة الثورة" مُهدى من مؤلفه الزعيم ، أنى فكرت بعد قراءته : كيف يصح لسياسى أن يكشف ورقه للعالم هكذا ؟! ، وحدث أن إطلع الحكيم على مقال فى جريدة فرنسية حلل فيها أستاذ تاريخ فرنسى كتاب فلسفة الثورة وبين ما فيه من أحلام وآمال وتصورات تكاد تُشبه الإمبراطورية الواسعة للدول العربية والإفريقية التى تنتظر الزعيم أن يؤلفها ، وأدهش الحيم بعد ذلك ما جاء فى بعض الصحف العالمية : أن كتاب فلسفة الثورة هذا تتولى توزيعه فى الخارج جهتان فى نفس الوقت : السفارة المصرية ، والسفارة الإسرائيلية ) ! ، وبالطبع كان غرض السفارة الأخيرة من ذلك إفهام العالم أن زعيماً من طراز هتلر قد ظهر فى العالم العربى .. ) .

 

( ومن يدرس بعناية الأحداث السياسية والعسكرية والإجتماعية التى وقعت فى مصر على مدى حكم عبد الناصر يجد أن المُحرِك الخفى الحقيقى لها كان هو "الإنفعال ورد الفعل" وليس التفكير الهادىء ، الرصين الرزين المبنى على بعد النظر  ) .

 

( قابلت رجلاً من أهل الريف أعرفه وسألته عن سبب وجوده فى القاهرة فذكر أن الإتحاد الإشتراكى أحضره وزملاءه فى القطارات بإستمارات سفر أو نحو ذلك للإحتشاد فى إستقبال الرئيس عبد الناصر عند عودته من الخارج ، لأن الإستقبال شعبى كما يُقال فى العادة .

كنت أظن أن الشعبية تنبع فقط من القلوب ، أو حتى من صور الأمانى والوعود والأوهام والأكاذيب ، ولكنى ما كنت أظن حتى تلك اللحظة ، أنها يُمكن أيضاً أن تُصنع وتؤلف تأليفاً وتوزع لها أوراق هتاف كأنها نوتة موسيقية للغناء .

ومع ذلك وهذا هو العجب : كيف إستطاع شخص مثلى أن يرى ذلك ويسمعه ، وأن لا يتأثر كثيراً بما رأى وسمع ، ويظل على شعوره الطيب نحو عبد الناصر : أهو فقدان للوعى ؟ أم هى حالة غريبة من التخدير ؟! ) .

 

( إن الإنسان أحياناً يرى الأشياء والأشخاص من خلال طبيعته ، فهل كانت طبيعة عبد الناصر التهويش ؟! إذا راجعنا ظروف حرب 67 ونشر جيوشنا كلها فى سيناء بشكل إستعراضى هائل دون أن تكون هناك نية هجوم حقيقى ، نجد أن المقصود هو الوصول إلى الهدف بالتهويش وليس بالفعل ، وهذا يؤكد ما أعتقده من أن عبد الناصر فى داخليته رجل سلام بالرغم من كلامه العنيف ، إنه رجل يريد السلام ويُهوش بالحرب فى حين أن إسرائيل تريد الحرب وتهوش بالسلام ، وبذلك خدعت العالم  وجعلت نفسها فى صورة الأمة الضعيفة المسالمة المهددة بدولة تفوقها عدداً وتُجعجع بالحرب لتلقى بها فى البحر  ، ومن يهوش بالسلام ويريد الحرب يكسب الحرب ومن يهوش بالحرب ويريد السلام يخسر الحرب ويخسر السلام ، وهذا كان حالنا .. ) .

 

( رسمت فى رأسى صورة لخطة جيوشنا الظافرة ... فلما دخل علىّ زائر صديق يقول لى فى قلق أنه سمع من الإذاعات الأجنبية أن العريش سقطت فى يد العدو ، وأن جيوشنا تتقهقر بإستمرار لم يظهر علىّ أى إنزعاج ، وقلت فى هدوء وإبتسام وبلهجة الوثوق التام : إسمع ... أنت لا تفهم خطة جيوشنا ... لقد إتضح لى الآن أنها لا تقصد الوصول إلى تل أبيب ولا التوغل فى أرض العدو ، إنما هى تريد إستدراج جيشه إلى أعماق صحراء سيناء والقضاء عليه ، لأن احتلال أراضيه أمر قد تقوم له قيامة هيئة الأمم ومجلس الأمن فينتهى الحال إلى التراجع عنها ، أما تحطيم قوته العسكرية وانزال الخسائر الجسيمة بها فهو لاشك هدف أهم وأبقى فى نظر قيادتنا ، هذه هى الخطة وهذا هو سر التراجع والتقهقر فى صفوفنا ، ولبثت مطمئتاً لتفسيرى هذا ،  ومضت الأيام التالية ، وقواتنا مستمرة فى تراجع يشبه الركض تاركة فى شبه هرولة كل المواقع من شرم الشيخ إلى رفح ، وأنا ما أزال هادئاً مبتسماً بتفسيرى وبالخطة العسكرية التى أنشأها خيالى  ، وكلما قيل عن تقهقر لجيوشنا إزداد إعتقادى بأن الخطة تطبق بإحكام ، وأن هذا التقهقر هو عملية إلتفاف حول جيش العدو ، وحركة كماشة واسعة للتضييق عليه .

ذلك أنه لم يكن من الممكن عقلاً ولا منطقاً أن نصدق بسهولة أن جيوشنا يمكن أن تهزم فى بضعة أيام ، لقد لبثنا الأعوام وهم يروون عنها الأعاجيب و ...... و .... إلى أن إتصل صديق بالتليفون منتصف ليل الخميس ليخبرنى بأن مصر قبلت وقف إطلاق النار ، فأفقت قليلاً : كيف تقبل مصر ذلك وهى منتصرة ؟! ثم شط خيالى مرة أخرى وفسرت الأمر على أن قبول مصر التوقف عن المضى فى إنتصاراتها إنما جاء نزولاً على رجاء أمريكا ، ووعدها بتعويض مصر بمعونات مغرية فى نظير هذا التوقف عن إطلاق النار .... لم أعرف الحقيقة ويعترينى الذهول إلاّ فى يوم الجمعة 9 يونيه .. فقد ظهر أننا خسرنا الحرب منذ الساعات الأولى من يوم 5 يونيه ... وتوفى عبد الناصر بعد ثلاث سنوات من الهزيمة ولا ندرى كيف أمكنه أن يعيشها ، غلبت علينا جميعاً العواطف يوم وفاته ، وأنا بنوع خاص ، دفعتنى المشاعر ودواعى الوفاء فإقترحت إقامة تمثال له فى ميدان بالقاهرة ، فجاءتنى خطابات محبذة متأثرة مثلى بالعاطفة وجاءتنى قلة من الخطابات مترددة ثم وجدت من بينها خطاباً يقول فيه صاحبه أنه موافق على إقامة التمثال ولكنه يرى أن يكون مكانه ليس فى القاهرة بل فى تل أبيب ، لأن إسرائيل لم تكن يوماً تحلم بأن تبلغ بهذه السرعة هذه القوة العسكرية ولا أن تظهر بهذا التفوق الحضارى ، إلاّ بفضل سياسة عبد الناصر ! .. ) . 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !