ما هو شأننا بأصحاب الثروات في العراق؟ ما الذي نجنيه من موضوع شائك كهذا؟
أليست لهؤلاء خصوصية في ثرواتهم وأموالهم؟ اليس الخوض في امر كهذا فيه اشارة سلبية، ضمنية وظنيّة، عن مشروعية مكاسبهم؟
الفساد من ابرز العناوين في بال كل مواطن، والفساد هو المشترك بين الهمين الاساسيين في العراق، الارهاب وانعدام الخدمات. 400 مليار دولار دخلت الى الميزانية العراقية في خضون خمس سنوات، وذلك جراء اسعار النفط العالية عالميا. لم يشهد العراق “بحبوحة” مالية كهذه في تاريخه. ولكن اين هي هذه الاموال؟ اين ذهبت؟ لماذا لا نستطيع ان نشير الى مستشفى واحدة تحسب متوافقة مع المواصفات والتقنيات والخبرات العالمية؟ لماذا يضطر العليل العراقي ان يغادر الى الهند او بيروت او اسطنبول للعلاج؟ اين مدارسنا النموذجية؟ اين الجامعات الحديثة؟ اين البعثات الجامعية الى الخارج؟ هناك خلل هائل في ادارة الاموال الوفيرة التي تدخل الى ميزانيتها، وعلينا تتبع السبب.
400 مليار دولار. هل تتخيلون حجم هذا الرقم؟ دعوني اقربها اليكم بصيغة “حساب عرب”: اذا حسبنا الحجم المساحي التي تحتلها فئة المئة دولار (“ورقة”) على 400 مليار دولار، فذلك يعني 60 “تريلة” ممتلئة بـ “الدفاتر”، هذا اذا قسنا حجم الـ”كنتاينر” بأربعين قدم، وهو اكبر احجامها. 60 كنتاينر محمّلة على 60 مركبة طويلة ممتلئة بالدولارات! اين ذهبت؟ هل تعلمون ان تريلة واحدة من هذه التريلات الستين تكفي لبناء 18 مستشفى بأفخم المعايير العالمية وبكادر طبي وتمريضي اجنبي؟ ما يعني مستشفى في كل محافظة من محافظات العراق.
موضوع الفساد وسماسرته ليس بجديد عليّ. في الاشهر الاولى من عام 2003 كتبت مقالا بعنوان “اسيادنا في الطغيان اسيادنا في الحرية” في جريدة المؤتمر. وكان دافعي في كتابة المقال هو قيام مجموعة من المسؤولين الامريكان بالترويج لكل من “خليل عبد الوهاب محمود بنية” وشريكه وقتئذ “سعد عاصم الجنابي” كأقطاب جدد للقطاع الخاص العراقي، وكأن شيئا لم يكن من ماضيهما في العمل مع نظام البعث، وهذا الامر استفزني ودفعني للكتابة والاحتجاج. وتعرضت لحملة من التهديد والتوعيد من بعد نشر المقالة، اتتني من اطراف عراقية وامريكية. ومنذ ذلك الوقت، استمريت على هذا المنهج، فتارة افتح جبهات على نائر الجميلي وزياد القطان وجماعتهم في وزارة الدفاع، وتارة مع بنك الوركاء الذي يملكه “سعد سعدون بنية”، على سبيل الأمثلة. والردود كانت دوماً تأتيني متراوحة بين التهديد والترغيب.
بدأت هذه السلسلة من الصور والاسماء التي اضعها امامكم الآن في شهر يناير من هذا العام، عندما تيقنت بأن بعض الاسماء الدارجة من فئة “حيتان” التجارة، مثل “عصام الاسدي” و”خميس الخنجر”، مطروحة بين الناس ولكن الغالبية لا تستطيع ان تميزهما بالصورة. فشرعت بوضع صورة لأحد اصحاب الثروات الكبرى في البلد بين الحين والآخر على صفحتي في الفايسبوك ضمن سلسلة اسميتها “تعرفوا على هذه الوجوه يا ايها العراقيون”، وكنت اطلب ممن يتابع سلسلة الصور هذه ان يشخّصها، بعد ان اضع بعض الاستدلالات على علاقاتها وماضيها. فأستهوى الامر بعضهم، فشرع هؤلاء في الاستفسار والتحري، وفي محاولة تشخيص صاحب الصورة والغور في تفاصيله. فكان عملا جماعيا جميلا، جمعته هنا لتصبح هذه الاسماء العشرون، ادناه، اول وجبة من اصحاب الثروات التي علينا ان ندقق بها.
لنكن حذرين ومنصفين. هؤلاء ليسوا “الحرامية” كما هو دارج في التعبير الشعبي. تحديد الجُرم هو من اختصاص القضاء العادل، إن وُجد، وليس من اختصاصنا. ولكن لدينا ظنون فيهم، فهم الحاصلون على العقود الكبرى في البلد، ويبدو بأنهم يحصلون عليها عن طريق علاقاتهم السياسية مع المسؤولين والمتنفذين في الدولة، بل قد يكونوا شركائهم، حسب ما هو متواتر بين الناس. 400 مليار دولار دخلت علينا، ولكن لا نرى حركة واضحة المعالم للإعمار لا في بغداد ولا في المحافظات. فأين تذهب الاموال؟ ان اختلاط المال بالسياسة قد افرز لنا طبقة يطلق عليها في الاصطلاح السياسي بـ “الاوليغاركية”، كما حصل بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والانظمة الاشتراكية في روسيا واوروبا الشرقية وبلدان اواسط آسيا. اموال وثروات هائلة بدأت تتكون وتتراكم لدى اشخاص معينون، ونسمع بها عندما تُصرف، من باب فلان اشترى ثلاثة سيارات مارسيدس من طراز “مايباخ” لكل من زوجاته الثلاثة في عمّان. او فلان “راوس” طائرته البوينج بطائرة علان الايربص، او فلان يتنقل بسيارة “بنتلي” مطلية بالذهب الخالص، وهكذا. هناك عدد لا بأس به من المليارديرية العراقيين (مليار بالدولار!) الذين ظهروا في السنوات الاخيرة، وهم طبقتنا الاوليغاركية، ويبدو بأنهم انتعشوا بموازاة طبقة سياسية منتفعة وفاسدة كما حصل في روسيا وغيرها.
كي نكشف الفساد، علينا تتبع هذه الحيتان. وعلى صحافتنا المهنية والمستقلة القيام بواجبها في هذا الخصوص، فأصحاب الثروات يعتبرون شخصيات عامة في عموم العالم حالهم حال الساسة ولاعبي الرياضة والمشاهير ونجوم السينما. وعلينا ان نسلّط عليهم الاضواء، حتى وان ازعجهم ذلك.
والمصيبة الكبرى التي امامنا هي ان الكثير من هذه الاسماء كانت رنّانة في الحقبة البعثية. فهل يعقل بأننا ما زلنا نتكلم عن “حيتان” القطاع الخاص ممن كان في وقت سابق من شركاء عدي صدام حسين، او من واجهات جهاز المخابرات؟ نحن نرغب بقطاع خاص قوي ومزدهر، ونحن لسنا ضد اجتماع الثروات الكبيرة، فهذه حالة صحية وطبيعية في اجواء الاقتصاد الحر والمفتوح. فنحن لا نغار منهم، ولا نحسدهم على نعمتهم، ولا نتحسّس من الثروة المالية المشروعة. ولكن الذي حصل في العراق هو ان اقطاب الفساد في الثمانينات والتسعينات انتقلوا بسهولة بالغة، ومن دون حساب او عقاب، من دهاليز عراق صدام حسين الى درابين العراق الجديد، وعاود فسادهم للانتشار بين النخبة السياسية في البلد من جد وجديد.
هؤلاء هو جماعة “الاندرون”، اي المتواجدون في الغرف الداخلية في بلاط السلطنة، والذين لا يتغيرون وإن تغير السلطان.
في المدى المنظور، علينا انشاء قطاع خاص عراقي ملتزم وبنّاء، يستطيع ان يتكافئ، بقدر المستطاع، مع الشركات العالمية العملاقة. لدينا مال وفير، ولكن الكثير منه اختفى في جيوب “الحيتان” وجماعة “الاندرون”، الذين لا يبنون ولا يطورون، او على الاقل هكذا يبدو الامر لدينا. علينا تجاوزهم وتجاوز البطانة الفاسدة في بلاط السلطنة التي مكّنتهم من ان يصبحوا الطبقة “الاوليغاركية” في مرحلة ما بعد التغيير. واول خطوة في هذا الاتجاه هو تسليط الاضواء عليهم، كونهم شخصيات عامة، وطرح مجموعة من التساؤلات عن خلفياتهم المهنية، وعلاقاتهم السياسية.
هذه خطوة ضرورية حتى نبدأ في التكلم عن الفساد المستشري بمنهجية وتأني وإنصاف، وكي نكون دقيقين ومحصنين بالمصداقية في كلامنا وتُهمنا، ان توصلنا الى تُهَم، ضد هؤلاء او ضد شركائهم من المسؤولين، وكي نقف على ارضية قانونية صلبة.
لن يكون الامر سهلا. فهذه مافيات تعمل في الظلام. وهي مافيات مترابطة مع عالم الارهاب والمليشيات. وقد يدفعهم اليأس والخوف الى محاولة تكميم الافواه عن طريق التصفيات الجسدية، كما فعل بعض “الاوليغاركيين” في روسيا او اوروبا الشرقية مع كوكبة من الصحفيين الذين سعوا لتسليط الاضواء على المفسدين. ولكنها، في رأيي، منظومة هشّة، فهي موجودة ببقاء السياسي السانِدِ لها، واذا وَجَد هذا السياسي بأن السخط الشعبي، والتسليط الاعلامي، وبالتالي الثمن السياسي، قد وصل الى درجات تُهدّد بقاءَه هو، سنراه حينئذ من اول من يحرِّك القضايا ضد هؤلاء “الاوليغاركيين” ويَفتعل المواجهات “النزيهة” معهم.
وحتما ستأتي العافية بالتدارج اذا ما طالعنا تجارب الغير في مكافحة الفساد، فعلينا ان نستخلص العبر من خطوات وتوقعات الغير كون الفساد ظاهرة موجودة لدى كل الشعوب وحتى في البلدان المتقدمة. فنحن في العراق امام فساد هدّام في ظرفنا الحالي، ولكن ان نجحنا في مسعانا، سندخل في مرحلة لاحقة من الفساد البنّاء، كما هو الحال في دول الخليج والاردن وكردستان العراق، ومن بعد هذه المرحلة، اذا استمرينا في مسعانا، سنصل الى مرحلة الفساد المحدود، اي ان بعض الفساد قد يحصل، ولكنه يحسب كحالة شاذة، في حين ان في مرحلتنا الحالية فإن الفساد هو الحالة الدارجة والشبه “مقبولة” أو “المتوقعة”.
بالطبع، كنت اتمنى من هيئة النزاهة ان تقوم بدورها في هذا الامر. ولكن الهيئة تبدو مقيّدة سياسياً كما اتضح من مصير القاضيان راضي الراضي ورحيم العگيلي، وكما وضّح ذلك الشيخ صباح الساعدي في شقشقته الشهيرة ضد “فساد الحزب الحاكم، واحمد عز الحزب الحاكم”. ولكن، إن شُلّت هيئة النزاهة واذا التزم اعضاء مجلس النواب الصمت، فما العمل؟ هل نسكت؟ بالطبع كلا. ليست لنا مقومات او صلاحيات دولة للتحري عن هؤلاء، بل يبدو ان في ظرفنا الحالي فإن مقومات وصلاحيات الدولة مسخّرة للتغطية على جماعة “الاندرون” وعلى اعمالهم وعقودهم. ولكن، ان استمرينا على عمليتنا الديموقراطية، فإن كل سياسي عليه ان يُثبت، عاجلا ام آجلا، بأنه يبني شيئا بالمليارات العديدة التي تأتينا، وإلاّ الناس ستحاسبه في صندوق الاقتراع على التقصير، وان وجدوا في الامر فسادا بفعل التغطية الصحفية المهنية، فيا ويله من ذلك.
فهذه دعوة الى صحافتنا المستقلة، إن وُجدت، والى صحفيينا الشباب الشجعان، ممن تتوفر فيهم ميّزات المهنية والانصاف ودقة التحري والنقل، الى متابعة الاسماء التالية والاستدلالات الموجودة عليها، وتتبع خيوط شركاتها وواجهاتها، وعلاقاتها السياسية. فهذا هو المتوقع من الصحافة، خصوصا كون الفساد من ابرز عناوين البلد، بل جعله في مرتبة متقدمة على افسد دول العالم. والفساد يؤدي بشكل مباشر الى حرمان العراقيين من رغد العيش، او من حتى ابسط مقومات المعيشة، مما جعل من عاصمتنا بغداد اسوء مدينة كبرى من ناحية مستوى المعيشة حسب التسلسل العالمي المنشور في عام 2011.
وفي الختام، اوّد ان اوضح مسألة مهمة عن هذه الاسماء في اجوائنا المحتقنة طائفياً، فهذه الصور والاسماء تجمع بينها الشيعة والسنة والمسيح والاكراد، وبينهم ولد شيوخ وسادة وولد عوائل وولد البارحة. واكثرهم كان لديه ارتباط بالنظام السابق، وهم الآن مقربون من اقطاب ورموز العملية السياسية الذين كانوا منذ امد قريب معارضين للنظام السابق. على ماذا يدل ذلك؟ …ناس ايدها بالثريد، وناس طلعت من المولد من دون حمص ونازلة دگ بوكسات بين حيدر وعمر وتوما وآزاد…هل وصلت الصورة؟
والآن، اليكم الوجبة الاولى مع بعض الاستدلالات عليها والتي تتطلب التحري الصحفي والتدقيق:
عصام كريم گزار الاسدي
(عدي صدام حسين، نوري المالكي، شركة البيبسي، بنك الوركاء، شركة العصام، شركة المبروك، وزارة النفط)
فاضل جاسم محمد الدباس
(النظام السابق، بنك المتحّد، العراقية، وزارة الداخلية، الدفاع المدني)
عبد الرحمن فاضل حميد الفتلاوي
(نوري المالكي، العراقية، وزارة الكهرباء)
عمر عدنان نجم عبد الله المشهداني
(العراقية، وزارة الكهرباء)
خميس فرحان علي الخنجر العيساوي
(عدي صدام حسين، التنظيمات السلفية، العراقية، وزارة الكهرباء)
حاتم خوام عبد العباس الفرهود
(جهاز المخابرات السابق، اياد علاوي، المجلس الاعلى، وزارة النقل)
نزار حنا عبدو نصري
(عدي صدام حسين، الحزب الديموقراطي الكردستاني، كامل الزيدي، جريدة البينة)
نمير كريم عبد الحسن العقابي
(نظمي اوچي، الجيش الامريكي)
نائر محمد احمد الجميلي
(التنظيمات السلفية، وزارة الدفاع، العراقية)
سعيد محمد حسين الفحام الموسوي
(عصام الاسدي، نوري المالكي)
اكرم زنگنة
(اياد علاوي، تلفزيون الشرقية، وزارة النفط)
حارث شاكر عبد العزيز آل يحيى
(المخابرات العراقية السابقة، المخابرات الليبية، عصام الاسدي، بنك البلاد الاسلامي)
عبد الكريم نور مفتن الياسري
(وزارة النفط، سردار الجاف، بنك الشمال، المجلس الاعلى)
نظمي شاكر اوچي
(برزان التكريتي، شركة عراقنا، ابراهيم الجعفري، صابر العيساوي)
طارق خلف عبد الله الحلبوسي
(عدي صدام حسين، العراقية، جواد البولاني، وزارة النفط)
جبار محسن ذياب الكبيسي
(هيئة التصنيع العسكري، الاتحاد الوطني الكردستاني، العراقية)
شاكر وادي نصيف الخفاجي
(مذكرة التفاهم-كوبونات النفط، طارق عزيز، شيروان الوائلي)
سمير امبروز فنسنت
(مذكرة التفاهم-كوبونات النفط، جهاز المخابرات السابق، شركات كورية، الحزب الديموقراطي الكردستاني، وزارة النفط)
قاسم زغير ذيب الراوي
(التنظيمات السلفية، وزارة الدفاع، عبد القادر العبيدي، العراقية)
علي عمر فليح عمر الغزي
(شيروان الوائلي، نوري المالكي)
روابط متصلة:
دليل القطاع الخاص العراقي 1936 من دليل المملكة العراقية
التعليقات (0)