أهمية الـعـمـل الـسـلـمـي في مواجهة العدوان والاستعمار
بقلم: مولاي محمد إسماعيلي
شهد التاريخ مجموعة من الحركات السلمية والأشخاص الذين دعوا إلى تأسيس عمل سلمي ونضال مبني على اللاعنف من اجل استرداد الحقوق والحصول على الاستقلال، أو نبذ طغيان وعدوان تعاني منه من طرف قوة غاصبة احتلت أرضها أو سيطرت على مواردها الحيوية والإستراتيجية، وقد أثبتت هذه التجارب أن أثرها فعال في الوصول إلى الهدف المنشود والوصول بالمطالب إلى حدها النهائي، وظهر أن العمل السلمي تكون نتائجه أفضل بكثير من نتائج عمل مسلح يزهق الكثير من الأرواح البريئة التي لا ذنب لها في كل ما وقع و يقع.
العمل السلمي الآن أصبح ملحا بل وضروريا في ظل ما يشهده العالم من عملية تسلح لا سابق لها، من طرف كل دول العالم المتقدمة منها والنامية على حد سواء، وكأن العالم سيصبح بين عشية وضحاها مسرحا مفتوحا للحرب والدمار واستعمال أنواع كثيرة من الأسلحة لا يعلم حجم فتكها وتدميرها إلا العلماء والخبراء الذين قاموا بتصنيعها، وحتى تبقى كل هذه الأكوام الهائلة من الأسلحة بلا معنى، يبرز دور العمل السلمي لمواجهة أي عدوان أو احتلال من طرف من يمتلكون قوة السلاح والغصب، والأكيد أن شعبا إذا خرج عن بكرة أبيه مطالبا بحقوقه و بجلاء الظلم والاحتلال فلن تستطيع أية قوة في الأرض مهما كانت أن تكبحه، وتبيد شعبا بكامله.
هابيل أول من آمن بالعمل السلمي.
قال تعالى:"وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ" المائدة 27 - 28. هاتان الآيتان تتحدثان عن قصة ابني آدم قابيل وهابيل، فقد قرر قابيل تصفية أخيه هابيل، واستعمل العنف من أجل نفيه وحرمانه من حق الحياة والعيش، لكن هابيل آمن بشكل مبدئي بالعمل السلمي، وقرر آن يواجه به عدوان وطغيان أخيه، لذلك قال له إن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك، ورغم أن الأمر يبدو أن فيه استسلاما وانهزاما من طرف هابيل، وسيقول البعض بأن موقفه كان سلبيا للغاية ولم يستطع أن يرد العدوان بالقوة، وأنه في موقف لن يستطيع أن يواجه من خلاله أخاه الذي يريد أن يقتله، هذا الأمر لا يستقيم إذا علمنا أن قابيل ندم كثيرا على فعلته وصاحبه تأنيب كبير للضمير أرخه القرآن ليكون عبرة لكل من يؤمن بالطغيان والقوة والعدوان، وبأنه سيموت في أقل الأحوال وأهونها في حالة نفسية سيئة وتأنيب ضمير لا مثيل له، قال تعالى:" فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ، فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ" المائدة 29-31. يقول المفكر السوري الكبير جودت السعيد: نعم لقد وصلت البشرية، ووصل أبناء آدم في تطورهم التقني وعبر تجاربهم التاريخية إلى أن حل المشكلات بالعنف حل انتحاري. وصلوا إلى الطريق المسدود، ولم يبق إلاّ أن يكتشفوا الوسائل الأخرى لحل المشكلات، وفي هذا الحق خصَّصت كلَّ جهودي المتواضعة، وأنا لا أشك، ولا أتردد في القول، إن البحوث التي ستكتب في هذا الموضوع ستكون أفضل من كتابي هذا، وليس لي من فضل إلا أنني صدمت عقول الكثيرين بطرحي لشيء لم يسمعوا به. وإذا لم تنفع الكلمات في إخراج الإنسان من العنف فستخرجه نتائج وعواقب الكلمات، وقد آن لنا أن نتعلم!!( كتاب كن كابن آدم – مقدمة الكتاب).
غاندي داعية العمل السلمي
رغم المعاناة الشديدة التي كابدها غاندي بعد اختياره لخيار العمل السلمي واللاعنف في مواجهة غطرسة المستعمر البريطاني وجبروته، إلا انه لم تساوره الشكوك يوما ولم يفكر ولو للحظة أنه سيتخلى عن العمل السلمي ويتجه إلى خيار العنف أو السلاح، رغم أن الموضة السائدة في عهده آنذاك هي حركات المقاومة المسلحة التي كانت تقاوم المستعمر بالسلاح في العديد من دول العالم الثالث.
لقد شكل غاندي ملهما للكثير من الشعوب المستضعفة والتي آمنت بما قام به غاندي وسعت بكل وسائلها المشروعة إلى المقاومة السلمية والعمل السلمي في مواجهة الغطرسة والاستعمار، فبعد أن كان استثناءا أصبحت أفكاره ملهمة للعديد من الزعماء التاريخيين المعاصرين للسود في أمريكا، والحركات التحررية في آسيا وإفريقيا، لقد أصبح غاندي ملهما للكثيرين بعد أن كان حالة استثناء جزم الكل مسبقا أنها ستفشل، وأنها فكرة لن تعود عليه وعلى الشعب الهندي إلا بالوبال والدمار، فكان العكس وتحررت الهند بسبب العمل السلمي لغاندي.
لقد اعتمد غاندي على مبدأ العمل السلمي و اللاعنف الذي يستند إلى احترام عميق للقانون، ويدعو الناس إليه بقوله: "إن على الذين يستخدمونه أن يفعلوا ذلك بطريقة غير عنيفة دائماً"، ويركز غاندي أيضاً على واجب الطاعة المدنية العام، إن هذا التصور الذي يطرحه غاندي هو تصور مطلق للاّعنف، وهو التصور الذي يعد نظرية سياسية وصلت إلى مصاف المبادئ السامية للإنسانية.
لقد رسخ (المهاتما غاندي) مبادئ اللاعنف - والتي يطلق عليها أحياناً مبدأ المسالمة -، ويقول بهذا الصدد:"إن عقيدتي بشأن اللاعنف لم تعتمد على سلطان شخص بل نشأت من دراستي لكل أديان العالم، ويضيف؛ أن الديانات المختلفة قاطبة هي زهور روضة واحدة، وأفنان دوحة باسقة".
وقد أوضح غاندي أن اللاعنف لا يعتبر عجزا أو ضعفا، ذلك لأن "الامتناع عن المعاقبة لا يعتبر غفرانا إلا عندما تكون القدرة على المعاقبة قائمة فعليا"، وهي لا تعني كذلك عدم اللجوء إلى العنف مطلقا "إنني قد ألجأ إلى العنف ألف مرة إذا كان البديل إخصاء عرق بشري بأكمله". فالهدف من سياسة اللاعنف في رأي غاندي هي إبراز ظلم المحتل من جهة وتأليب الرأي العام على هذا الظلم من جهة ثانية تمهيدا للقضاء عليه كلية أو على الأقل حصره والحيلولة دون تفشيه.
ما أحوجنا اليوم إلى تبني نظريات مماثلة غاية في المرونة لتحقيق الأمن والسلم على الأقل في ربوعنا كعرب أو مسلمين، حيث نظريات علمائنا الأجلاء المتعلقة باللاعنف مركونة ولا يتجرأ احد على تطبيقها رغم تعالي الأصوات الداعية لنبذ العنف وتبني السلام كخيار استراتيجي في كل الأمور والأحوال.
التعليقات (0)