بعد " الجامعة العربية" و " المغرب العربي "، يبدو أن المغرب يتجه نحو الإنضمام إلى تكتل جديد من تكتلات العبقرية العربية الحديثة. فقد قال بلاغ لوزارة الخارجية المغربية أن " المملكة المغربية تلقت باهتمام كبير،الدعوة التي وجهها مجلس التعاون الخليجي،المنعقد الثلاثاء بالرياض،على مستوى رؤساء الدول،بهدف انضمامها إلى هذه المنظمة وطلب مجلس التعاون الخليجي فتح مشاورات مع المغرب حول هذا الموضوع ".
واضح من خلال صيغة البلاغ أن دول مجلس التعاون الخليجي هي التي بادرت إلى دعوة المغرب للإنضمام، لكن ذلك لا يمنع من التساؤل حول حقيقة ما يجري في الكواليس. فهل المغرب هو الذي طلب عضوية المنظمة أم أن المجموعة الخليجية هي التي قدمت هذه الدعوة؟. و في الحالتين معا، يثير هذا الخبر مجموعة من علامات الاستفهام. فقد كان مجلس التعاون الخليجي دائما منظمة إقليمية تتأسس على خصوصيات جغرافية و ثقافية مشتركة تؤهل الدول العربية المطلة على الخليج للتعاون فيما بينها في مختلف المجالات. و منذ تأسيس هذا المجلس بتاريخ 25 ماي 1981 بالعاصمة الإماراتية، ظلت عضويته مقتصرة على ست دول هي: السعودية و الكويت و الإمارات العربية المتحدة و قطر و البحرين و سلطنة عمان. و بين هذه البلدان تكامل كبير فهي جميعها دول نفطية، كما أن أنظمة الحكم تتشابه فيها إلى حد بعيد بالرغم من بعض الإختلافات البسيطة في طبيعة المؤسسات السياسية في كل بلد. أما على المستوى الثقافي فإن الدول الستة تعرف تجانسا كبيرا يتأسس على القبلية و العشائرية، رغم أن رفاهها الاقتصادي ساهم إلى حد بعيد في عصرنة و تحديث أنماط العيش، و تجاوز حياة البداوة التي طبعت تاريخ هذه المنطقة منذ مرحلة الجاهلية التي سبقت ظهور الإسلام. و إذا كانت طبيعة المجتمعات الخليجية تكاملت مع الإرادة السياسية لدى حكامها فتمخض عنها هذا المجلس، فإن الانغلاق الذي يميز الثقافة الخليجية يجعلها لا ترحب شعبيا بالمغرب الذي لا يجمعها بها أي شيئ على المستويين الثقافي و الإثني.
دول المجلس إذن تتشابه في كل شيء، و بذلك فإن كل الظروف كانت مهيأة لإنجاح تكتل من هذا القبيل. لكن الواقع أثبت العكس تماما، فالقرارات و الإتفاقيات تصدر باستمرار في كل قمة خليجية، لكنها لا تجد طريقها إلى التنفيذ أبدا. لذلك فإن السؤال الذي يفرض نفسه في هذه المرحلة هو: ما الذي سيضيفه المغرب بانضمامه إلى هذا المجلس؟. و بأية صفة سيكون المغرب عضوا في نادي الخليج؟. و لماذا وقع " الاختيار" على المغرب و الأردن تحديدا؟. و الوقائع التي تمنح لهذه الأسئلة مشروعيتها تتعلق بطبيعة و أهداف المجلس الخليجي نفسه، و بالمناخ العام الذي غير كثيرا من ثوابت النظام العربي في خضم ربيع الثورات في عدد من الدول العربية. فقبول عضوية المغرب و الأردن لا ينسجم مع الغايات التي تأسس بموجبها هذا التجمع الإقليمي، و هو يفرغ الدلالة الجغرافية للمجلس من محتواها خصوصا في الحالة المغربية. فهذا البلد يقع على المحيط، لكنه أصبح بقدرة قادر دولة خليجية. و كان حريا بحكام دول البترودولار أن يلتفتوا إلى الجار اليمني الذي يطالب باستمرار بعضوية المجلس دون جدوى... لذلك فإن الحراك الشعبي في عدد من الدول العربية، و كل ما يرتبط به من تغيرات في المشهد السياسي العربي، كان هو الدافع الرئيسي لدعوة المغرب و الأردن إلى المجلس. و هذا يعني أن الهواجس السياسية هي التي تحرك هذا الموقف الخليجي المفاجئ. و قد قرأ الكثير من الملاحظين في مستقبل " الخليج الجديد" تكتلا للأنظمة الملكية ضد رياح التغيير التي تهب على المنطقة. وهذا يشي بتخوف دول المجلس من وصول هذه الرياح إليها. لذلك فهي تبحث عن دعم ممكن من دول أخرى تبدو في منأى عن خطر الثورات، نظرا للإجماع الشعبي فيها على الملكية. و هذا ما ينطبق على المغرب تحديدا.
هكذا إذن تبدو دول الخليج في حاجة إلى المغرب أكثر من حاجته إليها. فالمغرب يعرف انفتاحا سياسيا تفتقر إليه أنظمة دول المجلس. كما أن الإعلان عن التعديل الدستوري يؤهل هذا البلد نظريا لتحقيق قفزة كبيرة في دمقرطة الشأن العام والحفاظ على الاستقرار. و على هذا المستوى فإن الاستفادة من التجربة المغربية من شأنها أن تحمي الدول الستة من كل ما من شأنه أن يعكر صفو أنظمتها، خصوصا و أن الحراك الشعبي كان قد انطلق في الأشهر الأخيرة في البحرين و سلطنة عمان. كما أن هذه الالتفاتة الخليجية إلى المغرب تأتي في سياق تنامي التخوف من الدور الإيراني في المنطقة. و من المعروف أن المغرب قد قطع علاقاته الديبلوماسية مع إيران على خلفية سياساتها في تصدير المد الشيعي إلى المنطقة... و استنادا إلى هذه الوقائع فإن الخلفية السياسية هي التي تتحكم في القرار الخليجي أكثر من أي سبب آخر. لكن باقي مسوغات هذا القرار غير واردة. لذلك فإن السؤال الجديد الذي يتبادر إلى الأذهان عند مقارنتنا بين مغرب منفتح قطع أشواطا كبيرة على مستوى التحديث السياسي ( مؤسسات الدولة) و الإجتماعي ( مدونة الأسرة...)، و خليج محافظ و منغلق، هو: من سيؤثر في الآخر؟. أو : من سيجر الآخر؟. محمد مغوتي.12/05/2011.
التعليقات (0)