إذا كان المسلمون مطالَبين بالاستقامة ، والتحلي بالأخلاق الحميدة، ونشر مبادئ الحق والعدل والعدالة بين الناس جميعًا في هذا الكون على مدار العام، فإنهم مطالبون بأضعاف هذه الفضائل والخصال وأعمال الخير والبر والصفات والآداب والأخلاق الحميدة في رمضان، لأنه شهر العبادة، ولأنه شهر الاختبار، ولأنه شهر المغفرة، ولأنه شهر نزول القرآن، ولأنه الشهر الذي من المفترض أن يتوحد فيه المسلمون على صعيد المشاعر والأحسيس على الأقل، إن لم يتوحدوا فيه جغرافيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا، وهو ما يجب أن يتحقق في يوم من الأيام.. ولئن كان من المفترض أن يتوحد المسلمون في هذا الشهر على صعيد المشاعر والأحاسيس على الأقل، فإنه من المفترض أيضًا أن تتحسن فيه أخلاق كثير منهم، وأن تتحسن فيه علاقاتهم الاجتماعية، وأن يكفوا عن الإساءة إلى غيرهم من عباد الله، وأن يكفوا أيضًا عن مساوئ القبلية والعصبية والعشيرية والانتهازية والمكاسب الرخيصة وسائر أشكال الانحرافات والولاءات والتبعية لأعدى أعداء هذه الأمة ، وأن يتقوا الله في علاقاتهم الخاصة والعامة، وفي مؤسساتهم دون استثناء، وفي قطاعي العمل العام والخاص، وفي سائر وسائل الإعلام والمطبوعات والنشر والثقافة.. وأن يكفوا عن ظلم الآخرين، والافتراء عليهم، والغض من شأنهم، وانتقاص حقوقهم، واتباع سياسة الإحلال والإقصاء في هذه المؤسسات التي باتوا يترأسونها، ويتحكمون فيها.. ولئن كان من المفترض أيضًا أن يكون المسلمون على خير حال من التكافل والتكامل والتواصل والتعاون والتسامح والتناصح والمحبة والمودة والوئام في رمضان، فإنه لمن الضروري جدًّا أن يكونوا كذلك طوال أيام العام.. إذ لا يعقل أن تكون أمة الإسلام متباغضة متخاصمة مقتتلة محتربة تسودها العداوة، وتنتشر فيها الكراهية والبغضاء والحسد، وتتفشى فيها كل هذه المكاره النفسية، والعلل الأخلاقية المسلكية.. أمة الإسلام يجب أن تكون متسامحة خلوقة قوية كريمة بعيدة عن الآثام، وبعيدة عن نقائص الكذب والنفاق والزور، وقول الزور، والعمل بالزور.. أمة الإسلام أمة واحدة، والمؤمنون فيها جميعًا إخوة، وسائر الناس فيها سواء أمام القانون، وهم جميعًا متساوون في الحقوق والواجبات.. وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا يظلم بعضنا بعضًا؟ ولماذا يفتري بعضنا على بعضنا الآخر؟ ولماذا يهضم بعضنا حق بعض؟ ولماذا كل هذه المحاباة لمن نحب ونهوى، ولمن تربطنا به صلة المصلحة والمنفعة والقرابة والرابط السياسي أو الاجتماعي؟ ولماذا نقدم فلانًا على فلان ، ونبعد فلانًا ونقرّب من هو دونه لا لشيء إلا لأسباب خاصة بنا، متأصلة فينا، متعلقة بأمور واعتبارات وأخلاقيات لا صلة لها بأخلاقيات العمل، وأخلاقيات المهنة، ولا علاقة لها بالإنتاج؟؟
لماذا يتقدم الناس من حولنا ونتأخر؟ لماذا ينشد كثير من الناس العدل والعدالة والإنصاف واحترام الإنسان في هذا الكون ، ونسعى نحن خلف الظلم نستمرئه، ونعمل المستحيل من أجل وضعه موضع التنفيذ، ومن أجل العمل به ونشره وتعميمه، حتى يصبح مجتمعنا أسوأ المجتمعات، وحتى تصبح شعوبنا أسوأ الشعوب، في الوقت الذي يجب أن نكون فيه قدوة للناس، وفي الوقت الذي يجب أن نكون فيه أمة المحبة والتسامح والاستقامة والخلق الكريم والمثل الأعلى لكل شعوب هذه الأرض التي عرفتنا ذات يوم، وعرفت ما نحن عليه من كرم الأخلاق ومحبة الناس والإحسان إليهم؟
فمتى يتحلى المسلمون في شرق الدنيا وغربها من جديد بأخلاق الإسلام، ومتى يكف المسلمون في هذه الديار، وفي غير هذه الديار عن كل هذه الممارسات السيئة، والمحاباة الرخيصة، والصفات الذميمة، والإساءة للمسئولية في رمضان، وفي غير رمضان؟؟
التعليقات (0)