أهذا حديث الصادق الأمين ..؟
بقلم : عمر غوراني
ليس من عبث و لا من محض المصادفة ، أن يكون حديث المصطفى ( صلى الله عليه و سلم ) : " إنّ كذبا ً عليّ ليس ككذب على أحد ، فمن كذب عليّ عامدا ً فليتبوأ مقعده من النار " ( 1 ) من الأحايث النبوية الشريفة المتواترة .و المتواتر من الحديث الشريف يأتي في السنام و الذروة و الدرجة العليا من حيث الصحة و صدقية النسبة إليه ( صلى الله عليه و سلم ) و هو في هذا كالقرآن العظيم صحة و صدقا ً في النسب إلى قائله . و لذا فقد كفّر علماء الشريعة من كفر بالقرآن أو بمضمون حديث متواتر ..
ليس من عبث .. فإن كلام رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) دين يدين به الناس أمرا ً أو نهيا ً ، و تبنى عليه من المسلم سلوكات و عقائد .. و لذا كان قول رسول الله (صلى الله عليه و سلم ) في صدر هذا الحديث المتواتر : " إنّ كذبا ً عليّ ليس ككذب على أحد ... " و قوله : "اوتيت القرآن و مثله معه " ( 2 ) و قوله : " نضّر الله امرءاًسمع منّا مقالة فبلّغها كما سمع ،فربّ مبلّـَغ أوعى من سامع " ( 3 )
إن الأمر جد خطير إذن . و لئن كان لكل امريء ٍ رقيب عتيد على ما يلفظ من قول ، حقيق به أن يزنه و يضبطه و يحكمه قبل النطق به ، فإن ذلك ينبغي أن يكون ألزم و أوجب فيما يتصل بدين الله و رسوله ، و أن لا يقول في ذلك بشيء البتـّة أو ينقل أو يقرّ إلّا ما كان مستيقنا ً منه حق اليقين ..
و الباعث على قولي هذا كلّه ، أنّي رأيت عموم المثقفين فيما يقولون أو يكتبون _ و إن بدا منهم حبّ لدينهم و انتصار له _ يتساهلون و يتهاونون تهاونا ً مفزعا ً فيما ينسبون من كلام ٍ إلى رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) ..
و شتّان شتّان بين أن تنسب قولا ً إلى الصادق الأمين ( صلى الله عليه و سلم ) و هو من كلامه حقا ً ، و بين أن تنسبه إليه و هو لأكذب الكذابين ..!
و أكذب الكذابين على الإطلاق ، دون شكّ إنما هو ذاك الذي تعمد الكذب على رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) و هو يعلم ، و إن كان حسن النيّة فيما فعل ..
و هل يعقل أن يفعل ذلك الفعل الشنيع الفظيع ذو نيّة حسنة تجاه دينه ..؟
و الحق ّ أنّه لا يُعقل ، و إن كان ذلك قد حدث فعلا ً، بمصائد من الشيطان لبعض من الوضّاعين المفترين ، كان باعث بعضهم على افترائه الزهد و الورع ..!
و في هذا حكاية طريفة مع عالم الحديث الشريف الكبير عبد الله بن المبارك رحمه الله . قال : " تمنيت عمري _ أي طوال عمري _ أن أرى فلانا ً _ لما سمع عن تقواه و ورعه _ فلمّا رأيته تمنيّت أنّي رأيت بعرة و لم أره "! و السرّ في ذلك ، أنّ ابن المبارك _ و هو المحدّث المحقّق _ قد جالس ذلك الرجل فرآه يكذب على رسول الله ( صلى الله عليه و سلم )
بقصد الورع .. كأن يقول : ( قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : صلّوا في الليلة مئة ركعة ) و لم يقله ..!
و قد يكون باعث أحدنا على تساهله في التحقق من صحة الحديث كباعث صاحب البعرة ؛ تقوى أو ورع .. لما يرى من الخير في مضمون النص المتساهل فيه أو المتكاسل عن التحقق منه ، أو المعلوم عنده وهنه الشديد أو وضعه ..! إن من يفعل ذلك ما أحسبه إلّا شريكا ً في إثم نسبته إلى الصادق الامين و هو في الواقع من وضع أفّاك ٍ أثيم ..
لقد برع وضّاعون ذوو غايات خبيثة في دسّ أحاديث نسبوها للمصطفى الأمين ، أحكموا سردها و تفننوا في نسجها ، فبدت للعامّة _ و عموم المثقفين من العامّة _ بعيدة ً عن النسبة لسواه ( صلى الله عليه و سلم ) ..
و من أخطر هذه الأحاديث المدسوسة ما كان في سياق تفسير آية ، و قد اجترأ فيها واضعوها على سير النبيين الكرام و عصمتهم ..! و منها :
1- حديث : " تلك الغرانيق العلى و أنّ شفاعتهن لترتجى " الذي يزعم راووه أنّه مما ألقاه الشيطان على لسان النبي ( صلى الله عليه و سلم ) بعد تلاوته : ( أفرأيتم اللات و العزّى و مناة الثالثة الأخرى ) النجم (53/19و 20) ففرح المشركون ..!
2- وقوع زينب بنت جحش في قلب الرسول ( صلى الله عليه و سلم ) و قد أبصر حسنها ، و قوله : سبحان مقلب القلوب ، و طلاقها من زيد بسبب من ذلك و زواجها من النبي بعدها ..! و زعموا أنّ ذلك سبب لنزول :( ... و تخفي في نفسك ما الله مبديه ...) (الأحزاب 33/37 )
3- " تسوّر الملكين المحراب على داوود عليه السلام متلبسين بصورة بشرين أخوين ليقضي بينهما في نعجة لأحدهما و تسعة و تسعين لأخيه الذي أراد حيازة نعجة أخيه بإلحاح .. " إلى هنا مضمون آي ٍ من القرآن ( ص 38 / 20-23 ) و لكن أنظر كيف لبّس الوضّاعون على هذه الآيات من الاسرائيليات بما لا يليق بعصمة الأنبياء .. و وجيزه أنّ داوود عليه السلام قد عشق زوج قائد جيوشه ( اوريا )و قد رآها ن و كان لداود تسع و تسعون زوجة ، فأرسل داود ( اوريا ) إلى وجه الحرب الشديدة ليهلك ، فهلك و تزوج امرأته .. فجاء الملكان بصورة بشرين و قضية يورّيان بفعلة داود ..! و قد كان داود عليه السلام صوّاما ً قوّاما ً ، و كان في قلبه من تقوى ربّه ما ألان له الحديد !
أنظر ، كيف يجتريء الوضّاعون بكذب على لسان نبيهم – وباعثهم الصلاح بزعمهم – ويحسبونه هيـّنا ًوهو عند الله عظيم ، وآخرون على سير أنبياء الله الطاهرة المطهرة بافتراء بما لا يجمل ولا يليق بعامة الناس ، فضلا ً عن صفوة الله من خلقه ..
فمن روى منا حديثا ً موضوعا ً ، بل ضعيفا ً، فلأجل التنبيه على وضعه أو ضعفه لا للإحتجاج به أو الاستدلال .. فإنّ علماءنا الأعلام لم يجيزوا الاستدلال بحديث موضوع – وإن بدا موافقا ً للشرع – ولا بضعيف إلاّ في الحض على فضائل الأعمال ، شرط أن لا يكون شديد الضعف سندا ً ، أو مخالفا ً متنه (نصّه) لمضمون صحيح الكتاب الكريم والسنّة الشريفة وصريحهما ..
_______________________
هوامش :
1) صحيحا البخاري ومسلم ( أنظر : الموسوعة الحديثية : الدرر السنية )
2) صحيح ( الدرر السنية )
3) صحيح (الدرر السنية )
التعليقات (0)