هو بنك آلي من النصوص العربية القديمة والحديثة مما أنتجه الفكر العربي فهو ديوان العرب في عصرنا فسيكون آليا أي محوسبا وعلى شبكة الإنترنت، وهو بنك نصوص لا بنك مفردات أي ليس مجرد قاموس بل مجموعة من النصوص مندمجة حاسوبيا ليتمكن الحاسوب من المسح لكل النصوص دفعة واحدة أو جزء منها كبيرا أم صغيرا أو نصا واحدا وغير ذلك [1]،ويعرفه الأستاذ الدكتور العلامة عبد الرحمن الحاج صالح وهو صاحب فكرة المشروع بقوله : " هو بنك آلي من النصوص العربية القديمة وخاصة التراث الثقافي العربي والحديثة مثل الإنتاج الفكري العربي المعاصر وأهم الإنتاج العلمي العالمي بالعربية وذلك على موقع من الإنترنيت "[2] وهو يغطي ويكشف في نفس الوقت " استعمال العربية طوال خمسة عشر قرنا في أروع صوره ثم هو يغطي الوطن العربي أجمعه في خير ما يمثله من هذا الإنتاج الفكري ( زيادة على الكثير جدا من الخطابات العفوية )"[3]، وتمثل الذخيرة العربية اقتراحا حضاريا يعد إضافة علمية نوعية يسهم في تقدم العلم ويرسم استراتجياته المستقبلية فالمشروع يعنى بلم شتات المعارف الموجودة سابقا لإعطاء تصور لها في المستقبل وهذا التصور يتفاعل ويؤسس لاقتراحات سابقة وأخرى لاحقة[4] ففي مرحلة أولى للمشروع سيتم حيازة:
- النص القرآني بالقراءات السبع وكتب الحديث الستة
- أهم المعاجم اللغوية ( وحيدة اللغة والمزدوجة )
- الموسوعات الكبرى الهامة عربية الأصل والمنقولة عن اللغات الأخرى
- عينات من الكتب المدرسية والجامعية القيمة الرائجة في الوطن العربي أو في البلد الواحد
- عينات من الكتب الخاصة باكتساب بعض المهارات منها تعليم اللغة العربية على الطريقة الحاسوبية
- عينات من الكتب التقنية
- عينات من البحوث والدراسات ذات الأهمية العلمية المنشورة في المجلات المتخصصة
- عينات من المقالات الإعلامية الصحفية والإذاعية والتلفزيونية والمداخلات المنطوقة في اللقاءات العلمية
- أهم ما حقق ونشر من كتب التراث الأدبية والعلمية من العصر الجاهلي( شعر الشعراء المدون) إلى عصر النهضة [5]، وهذا العنصر الأخير هو الأهم في المشروع.
هو مشروع يعتمد على وسائل التكنولوجيا الحديثة ( الحاسوب ، شبكة الإنترنيت،...) ، بحيث يتم تخزين وحيازة الكتب والمؤلفات العربية القديمة والحديثة والتي لها صلة بالتراث اللغوي العربي بواسطة الحواسيب ، وبعد ربطها بمحرك بحث يتم وضعها تحت تصرف كل باحث ومتطلع عبر موقع في الإنترنيت ، وعلى هذا الأخير أن يختار كتابا معينا أو عصرا معينا أو كاتبا بعينه،.... ، وله كذلك أن يختار الكل ، بعدها له خانة معينة ( أو ما يسمى مربع النجاح ) ليكتب فيها كلمة أو جملة ليقوم محرك البحث بتزويده بكل الكتب أو المقالات الموجودة فيها ، وهذا ضمن الصفحة الموجودة فيها ،وهذا حسب اختياراته الأولى ، ويظهر له عدد التكرارات إن على مستوى المؤلف الواحد أو عند كاتب معين أو في عصر معين ، فهي بالتالي مدونة لغوية شاملة
فهو مشروع علمي حضاري فكري لغوي من شأنه أن يسهل عمل الباحثين والدارسين والمتطلعين ، وهذا بشكل سريع، ومعرفة أول استعمال لها ( عصر ، كتاب ، مؤلف)، وحصر كل المؤلفات التي وردت فيها الكلمة ، وليس كما هو الحال في السابق عندما يخطأ المرء في رصد أول استعمال للكلمة، في أي عصر ، وفي أي كتاب ، أو حصر كل المؤلفات المتكلمة عنها ، أو أنه عاجز عن إيجاد الكتب المنشودة ، أو أنها مفقودة أو طبعت طبعة واحدة ونفذت...، وهذا ناتج عن عجز في فكر الباحث أو تقصير من جهات أخرى كالمكتبات مثلا، وعليه فالمشروع هو مصدر موثوق من المعلومات العلمية والأدبية واللغوية وشامل ومحدد ودقيق الاستعمال.
فكرة المشروع :
صاحب فكرة المشروع هو أستاذنا الدكتور العلامة عبد الرحمن الحاج صالح ، الذي دافع عن فكرة المشروع لمدة ثلاث وعشرين سنة، ومازال، بالرغم من أن المشروع تبنته جل إن لم نقل كل الدول العربية ، وكثير من المنظمات وخاصة جامعة الدول العربية.
وأول الفكرة عرضها العلامة الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح في مؤتمر التعريب الذي انعقد بالعاصمة عمان سنة 1986 ، فأوضح أهمية المشروع في البحوث اللغوية والعلمية ، خاصة على مستوى توحيد المصطلحات ورصد المفاهيم،...، واستثمار وسائل التكنولوجيا الحديثة في ذلك[6].
وعرضت الجزائر المشروع على المجلس التنفيذي للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في ديسمبر 1988 فوافق أعضاؤه على تبنيه في حدود إمكانيات المنظمة[7]، ونظمت جامعة الجزائر مع المنظمة العربية للتربية والثقافة و العلوم في ماي 1991 أول ندوة للمشروع شارك فيها بعض ممثلي الهيئات العلمية العربية وخرجوا بتوصيات تخص تنظيم العمل وكيفية المشاركة ، ورصد هيئات المتابعة، ومنه تقرر تنظيم ندوة ثانية تجتمع فيها المؤسسات الراغبة في إنجاز المشروع[8] ، وتقرر أن يستضيف الندوة مركز البحوث والدراسات العلمية بدمشق سنة 1995، ولكن لم يحصل ذلك[9].
وكانت هناك عدة اجتماعات وندوات وملتقيات لحصر الأطراف المشاركة أو كيفية مشاركتها أو إقناع بعض الهيئات من أجل تبني المشروع ، ومن أهم تلك الندوات هي : الندوة الدولية حول حوسبة الذخيرة اللغوية العربية المنعقدة بالجزائر من 03 إلى 05 نوفمبر 2001، والتي شارك فيها عدة باحثين ودارسين عرب من الجزائر ، تونس ، المغرب، مصر ، الأردن، والكويت، والتي دارت محاورها حول أهمية المشروع وتوظيف وسائل التكنولوجيا الحديثة لخدمة المشروع وتطويعها من أجله ، من أجل فعالية أكثر،" ومن حسن حظ المشروع أن تبناه المجمع الجزائري للغة العربية ، فنظم المجمع بالمشاركة الجزئية لجامعة الجزائر ندوة تأسيسية انعقدت في الجزائر بين 26و 27 ديسمبر بالرعاية السامية لفخامة رئيس الجمهورية وجمعت تسع دول عربية ووعد الباقي من المدعوين بالمشاركة في الندوة المقبلة ، وخرجت هذه الندوة بتوصيات وقرارات هامة ، وأنشأت لجنة دولية دائمة للمتابعة والتخطيط والتنسيق" [10].
وآخر اجتماع كان بعاصمة السودان الخرطوم سنة 2002 بجامعة الخرطوم وفيه تقرر أن يقدم اقتراح إلى جامعة الدول العربية للتكفل بالمشروع ، وفيه تقرر تسمية المشروع بـ:" مشروع الذخيرة العربية " بعد أن كان يسمى بـ: مشروع الذخيرة اللغوية العربية ، فالمشروع وإن كان في أصله لغويا إلا أنه يتجاوز الجانب اللغوي لشموليته، [11] ، والمشروع لا ينظر إلى اللغة العربية وآدابها فقط ولا إلى العلوم اللسانية وحدها ، وإنما ينظر إلى العلوم الإنسانية والاجتماعية والعلوم الأساسية والتكنولوجيا على حد سواء ، لأن اللغة هي الوسيلة بالنسبة للباحث في أي علم من العلوم [12]
وفي14 سبتمبر2004 تبنى المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية المشروع بالإجماع، والذي يقوم على أن تكون هناك لجنة قطرية أو وطنية في كل بلد يترأسها المسؤول المحلي للمشروع ( ترشحه حكومته ويعينه الأمين العام لجامعة الدول العربية) ، وكل واحد من هؤلاء يمثل دولته في الهيئة العليا للمشروع وهو المسؤول عن متابعة المشروع في بلده ، والتنسيق والتخطيط في الهيئة العليا ، وكل دولة تشكل خلايا الحيازة والمتابعة والبحث ( كل خلية متكونة من 03 إلى 10 أفراد للحيازة يشرف عليهم دكتور ويضاف لهم مشرف تقني برتبة مهندس حاسوبي) ، هذه الخلايا تقوم بمهام حيازة الإرث الضخم من التراث اللغوي العربي وفق برنامج محدد لكل دولة من طرف الهيئة العليا للمشروع، ومقر الهيئة العليا للمشروع تكون بأرض الجزائر بمقر المجمع الجزائري للغة العربية.
وقد وافقت 18 دولة وقدمت مرشحيها إلى غاية 12 أفريل 2006، وفي27-28 جوان 2009 تم تنظيم اجتماع بالجزائر ضم ممثلي جل الدول العربية ، وهيئة جامعة الدول العربية من أجل تبنيها للمشروع بشكل رسمي نظرا لأهميته العلمية والفكرية والحضارية، وعين الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح رئيس المجمع الجزائري للغة العربية ، وصاحب فكرة المشروع، رئيسا لمشروع الذخيرة العربية ، ومقره بالمجمع الجزائري للغة العربية، ووجب التنويه بأن منذ بداية الفكرة وإلى غاية اليوم كثير من الدول والهيئات العلمية أعجبت بالفكرة وانطلقت في حيازة الكتب والمؤلفات ذات الصلة بالتراث اللغوي العربي بشكل حر أو منظم وفق الهيئة العليا للمشروع.
وهناك عدة لجان بالمشروع أهمها:
- لجان الحيازة : وهي تقوم بحوسبة النصوص التراثية اللغوية، والعلمية، والنصوص ذات الصلة بالمشروع.
- لجنة المعاجم: تهتم بالمعاجم الكبرى القديمة ، معاجم حديثة مزدوجة اللغة، معاجم المصطلحات العلمية ،...
- لجنة التنسيق والمتابعة : وهي بدورها تتشكل من لجان وهي :
01 - لجنة التراث :مهامها حصر النصوص المراد حيازتها، التنسيق لكيلا يحدث التكرار في حيازة النصوص،ومتابعة أعمال المشروع، العمل والحث على تحقيق بعض الكتب المخطوطة القيمة غير المحققة
02 - لجنة الترجمة للبحوث العلمية : وهي تعمل على متابعة الجديد في الساحة العلمية من بحوث ومقالات ودراسات أجنبية والعمل على ترجمة النفيس منها خاصة ما يخدم اللغة العربية
03- لجنة الحاسوبيات : وهي لجنة تعمل على النظر في مشاكل المشروع من جوانبه التقنية وتذليلها وتطويرها بما يخدم المشروع ويجعله أكثر نجاعة.
أهداف المشروع :
يهدف المشروع أساسا إلى :
- " الذخيرة كبنك معلومات آلي : إن الهدف الرئيسي لمشروع الذخيرة هو أن يمكّن الباحث العربي أيا كان وأينما كان من العثور على معلومات شتى من واقع استعمال العربية بكيـفية آلية وفي وقت وجيز "[13] فالمشروع يهدف لإنشاء بنك آلي للغة العربية ( بنك نصوص)، بحيازة وحوسبة نصوص المؤلفات ذات القيمة الكبيرة ( كتب ، معاجم ، مقالات، رسائل، أطروحات،...) في الآداب وغيرها،فهو " يتضمن أمهات الكتب التراثية الأدبية والعلمية والتقنية وغيرها ، وعلى الإنتاج الفكري العربي المعاصر في أهم صوره بالإضافة إلى العدد الكبير من الخطابات والمحاورات العفوية بالفصحى في شتى الميادين"[14] ، وللباحث حرية البحث فيها( عن كلمة ، جملة) عبر وسائط ووسائل التكنولوجيا ( الحاسوب ، الإنترنيت)، في عصر معين ، أو عند كاتب معين ، أو في مؤلف ما ، ...، أو اختيار كل الكتب والعصور ، وهذا للوقوف على أول استعمال للكلمة المعينة( لفظ عادي أو مصطلح علمي) ، وحصر كل المؤلفات التي وردت فيها هذه الكلمة ، ومنه يصبح البحث أكثر دقة وشمولية، مع ورود تكراراتها في كتاب معين أو عصر معين أو عند كاتب بعينه، كل هذا بشكل سريع لأن المعطيات ستعالج بشكل محوسب وفق التكنولوجيات الحديثة ( الحاسوب و الإنترنيت)، ومن شأنه وضع حد لتداخل الكثير من المصطلحات والمفاهيم وهي أزمة حقيقية في ميدان العلوم.
- الذخيرة كمصدر لمختلف المعاجم والدراسات : سيستخرج من هذا البنك ( المسمى عند المهندسين بقاعدة المعطيات النصية ) العديد من المعاجم نذكر منها :
- المعجم الآلي الجامع للألفاظ العربية المستعملة : وفيه تحدد معاني كل مفردة وسياقاتها التي ظهرت فيها ، ويحتوي على جميع المفردات العربية التي وردت في النصوص المخزنة القديمة والحديثة .
- المعجم الآلي للمصطلحات العلمية والتقنية المستعملة بالفعل : سيحتوي على المصطلحات التي دخلت في الاستعمال ولو في بلد واحد أو جهة معينة لأنها وردت في نص واحد على الأقل ويذكر مع كل مصطلح ما يقابله في اللغتين الإنكليزية والفرنسية ، أما ما لم يدخل في الاستعمال وورد فقط في معجم حديث فيشار إليه فقط مع ذكر مصدره ، وسيجزأ هذا المعجم إلى معاجم متخصصة بحسب فنون المعرفة ، ومجالات المفاهيم .
- يشكل المشروع معجم آلي جامع للغة العربية مع المقابل الفرنسي والإنكليزي يستخرج من البنك الآلي المذكور ( معجم مفردات)
- مع وجوب ذكر أن المشروع يهدف إلى ترجمة الأعمال الهامة بلغات أخرى تخدم الجوانب اللغوية العربية ، أو لها علائق وترابط بينها، إلا أنه عمل تطوعي تعمل وفقه لجنة مختصة ترصد أهم البحوث الأجنبية وتعمل على ترجمتها ووضعها في محرك البحث الخاص بالذخيرة العربية وهذا كل ثلاث أشهر حتى يضمن المواكبة لمسايرة البحوث والتطورات العلمية بعد أن كانت الأعمال تترجم بعد أن يأتي عليها حين من الدهر، بل وتصبح ترجمتها غير مجدية في حين آخر.
- ويهدف المشروع إلى تسهيل وتنويع ومتابعة الدراسات اللغوية ، وميادين أخرى غير لغوية منها الدراسات التاريخية وخاصة تاريخ الحضارة العربية وتاريخ الفكر العربي الاجتماعي والعلمي والديني وغيرها ، كذلك الدراسات الاجتماعية والنفسية بحصر مجالات التصورات الخاصة بكل فئة في كل قطر أو إقليم عبر العصور ودراسة تفاعلها ومدى تأثيرها .[16]
- وعلى هذه الأهداف يدرك بأن الغرض منه بحثي ويهدف لحفظ اللغة بحفظ وحيازة الكتب التراثية، وحفظ علوم اللغة كالنحو والصرف والبلاغة والعروض وفقه اللغة ...، ومعرفة أحوال المفردات والتعابير ، من أول استعمال ، وسياقاتها ، ودخيلها ومولدها ، ....، وليس الجانب اللغوي فقط بل يتعداه لكل العلوم والمعارف التي لها صلة بالعلوم والمعارف ، خاصة بعد إعادة التسمية بـ مشروع الذخيرة العربية ، فالمشروع يهدف وإن قيل سابقا بأن الشعر هو ديوان العرب فإن مشروع الذخيرة العربية هو ديوان العلوم العربية في العصر الراهن[17]
- الهدف المهم من وراء المشروع هو أنه مصدر مهم وموثوق لإنجاز البحوث العلمية بشتى أنواعها ، مع ضمان الدقة والشمولية ، وخدمة كل متطلع أو مستزيد للمعارف ، ودعم عملية التعلم والتعليم في كل الأطوار، ومعرفة التطور العلمي عبر الأزمنة بشكل عام أو خاص.
عوائق المشروع:
المشاريع الصغيرة لها عوائقها فما بالنا بهذا المشروع الضخم الهام ، بل بالعكس كلما كان المشروع هاما كانت عوائقه كبيرة وكثيرة وما يواجه المشروع من عوائق منها :
- عائق الكمية الكبيرة من المعطيات المراد حيازتها [18]تراثنا اللغوي العربي على مدار خمسة عشر قرنا تقريبا ضخم من حيث المؤلفات ، ومن حيث تعدد الضروب والفروع، بل إن حصر العناوين أمر صعب بذاته ، وهو أمر يدعو للفخر ، ويدعو لتبني صعوبته بشكل رسمي ، صحيح أن مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة ، لكن هذا الأمر وصعوبته لا ينكره أحد ، وإن كانت الدول والهيئات ستتقاسم حيازة هذا الإرث المشترك ، لكن يبقى العائق مطروحا ، ولنقل عندئذ أن المشروع هو مشروع أجيال، مع ذكر أن هناك بحوث تجري بكيفية الماسح الضوئي للنصوص ومن ثم تحويلها لصيغة الوورد word ، وإن كانت نسبة نجاحه تبقى دون المطلوب وهذا لا يغلق باب البحث ، وهي طريقة لو تنجح ستسرع العمل بكثير فبواسطته سنجز في يوم واحد ما سينجز في شهر بالطريقة العادية وسينجز في أسبوعين ما سينجز في سنة.
- المشروع تبنى فكرة المشاركة الحرة لضخامة المشروع وتكاليفه الباهظة ، وبالتالي توزيع العمل على أكبر عدد ممكن من المؤسسات العربية [19]، ففي الندوة الأولى التي انعقدت بالجزائر من أجل إرساء المبادئ الأساسية لإنجاز المشروع ( يونيو 1991م) تبنت فكرة المشاركة الحرة للمؤسسات العلمية والجامعية ومراكز البحث ،...،[20] وهو ما يطرح عائق تكرار حيازة المؤلف الواحد من طرف عدة جهات وهنا وجب التنسيق التام بين الجهات والأطراف المشاركة[21] .
- عائق حصر الكتب التي لها صلة بالتراث اللغوي العربي ، كما هو معلوم بأن ما دار في فلك النحو والصرف ، وفقه اللغة ، والبلاغة ، والعروض ، هو من التراث اللغوي العربي، وهذا لا يعني الحصر بل هناك كتب لها صلة بالتراث اللغوي العربي ، حتى وإن كانت غير لغوية ، ككتب التاريخ ، والتفاسير ، والفلسفة،...، ليست كلها حتما ولكن بعضها له صلة بالتراث اللغوي العربي ، فغريب القرآن والحديث الشريف من صلب كتب التراث اللغوية لأنها تفاسير لغوية ، أضف إلى ذلك بأن المعلومات النيرة والدقيقة والفريدة في عالم اللغة العربية ضمتها كتب أخرى لا صلة لها باللغة ككتب التاريخ مثلا لسبب واحد وهو أن المؤرخ التأريخي مثلا لا يذكر معلومة قيمة في اللغة ورد ذكرها في كتب اللغة بل يذكر ما لم يذكر فيها، وهنا يطرح مشكل تحديد قائمة الكتب المحازة ذات صلة بالتراث اللغوي العربي، وهنا وجب وضع خلايا للحصر والمتابعة ، والتدقيق والفرز.
- عائق توحيد طرائق النشر الأولي وتقنيات الحصر والإحصاء ( عائق تقني يقضى عليه باتفاق الأعضاء المشاركين على توحيدها وتسميتها للعمل وفقها وعدم الحياد عنها)، فالأمر يتعلق بالنسبة لما يحتاج الحاسوب من البرمجيات (soft-ware) ليستطيع الإجابة المناسبة للأسئلة التي تطرح عليه ، وهناك بحوث جادة ، وهناك أخبار بأن هذه البرمجيات قد تم إنجازها وقد عرضت على المشاركين في ندوة وطنية بالجزائر[22]
- عائق أن هناك بعض الكتب المخطوطة الهامة والقيمة في اللغة العربية غير محققة، وهو عائق وجب نهضة حقيقية في مجال تحقيق هذا الإرث العظيم من التراث اللغوي ، وإلا كان العيب فينا كيف لا وأجدادنا ألفوا ونحن عجزنا حتى على تحقيق ما ألفوا.
- عائق اختيار أفضل الكتب من حيث القيمة العلمية [23] التحقيقات وأحسنها للكتب والمؤلفات ، لأن المؤلف الواحد يمكن أن تجد له عدة تحقيقات على نقيض أن هناك مخطوطات غير محققة ، وهذا العائق يزاح باختيار لجنة تزكي وتفاضل بين التحقيقات المتعددة لتوصي بحيازة طبعة معينة .
- هناك بعض العوائق على مستوى الحيازة وهو ما اكتشفناه وفق خبرة البسيطة في ميدان المشروع ، وهو أن بعض الكتب طبعت وفق معايير ووسائل مطبعية سابقة (حيث كانت الحروف تركب يدويا في صفحة المطبعة ) ،ولكن عند حيازتها وفق التكنولوجيات الحديثة نجد صعوبة في كتابة بعض الألفاظ مثلا ، في بعض الكتب يكتبون الألف ( ا) وفوقها همزة وتحتها همزة مثلا كلمة اسجاح ويضعون همزة فوق الألف وأخرى تحتها ليدرك القارئ بأن استعمالها على هذا الجانب وعلى الآخر سواء لكن وفق الحاسوب الحالي لا يمكن كتابتها بهذا الشكل ، وكمثال آخر يكتبون كلمة مذكر ، ويضعون الدال فوق الذال ، للدلالة على استعمال الوجهين ولكن في الحاسوب لا يمكن كتابتها، وكمثال حي في هذا الباب هو ما جاء في كتاب التلخيص في معرفة أسماء الأشياء لأبي هلال العسكري ما نصه " التنين بالفارسية أزدَها"[24] ولكن فوق الزاي ثلاث نقط ، ولا يمكن كتابتها بهذا الشكل ، هذا أولا وثانيا : عائق في كتابة بعض الهوامش للكتب المحققة بحيث كل صفحة تكتب وفق هامشها كما هي في الكتاب لكن في بعض المرات يتعذر ذلك لامتلاء حجم الصفحة المحازة أضف إلى ذلك بعض الاقتباسات والاختصارات التي يعتمدها بعض المحققين في الهوامش فهي لا تشكل عائقا أمامنا لكنها تشكل عائقا على الباحث في ما بعد لأنه لا يفهم معناها[25]، بعض هذه المشاكل هي تقنية فمنها ما وجدنا له الحل ومنه لا يمكن إيجاد حل له إلا بطريقة تقنية ، واجتهادا منا وجدنا الكثير من الحلول لجل هذه العوائق ولكن في الأخير هذه الحلول تؤثر على عملية البحث في ما بعد.
- يضاف إلى هذا بعض الأخطاء المطبعية وهي كثيرة ، ولا يمكن لعالم من العلماء المتقدمين أن يقع فيها ولكن عند طباعتها ، تقع أخطاء مطبعية ، كوضع الدال مكان الذال[26] ، وأمر من هذا القبيل يحدث كثيرا ، وهو ما يجعل عائقا آخر أمام الحيازة ووجب التنبه لهذه الأخطاء، كما يجب عدم التسرع بالحكم بالخطأ فالإنسان لا يبني إدراك الخطأ لمحدودية معرفته باللغة ، ففي بعض المرات نجد الكثير يصحح لأنه يعرف كلمة واحدة ، وعندما يجد كلمة تشبهها نوعا ما ( وهي صحيحة لغة وهو لا يعرفها ) يقول بأن هذا خطأ مطبعيا والأصح هي الكلمة التي يتقنها ويعرفها هو .
- يطرح عائق آخر وهو متعلق بعملية البحث في ما بعد ، ومتعلق بإشكالية المصطلح والمفاهيم وهو على شقين الأول متعلق بتعدد المفاهيم للمصطلح الواحد ، والثاني متعلق بتعدد المصطلحات للمفهوم الواحد وكمثال على الأول نجد على سبيل المثال لا الحصر كلمة " تضمين " فلو أراد الباحث أن يبحث عن كلمة " لحن " فسينتج له وفق البحث في المشروع ثلاث مفاهيم وهي:
1- اللحن: وهو ترك الصواب في القراءة [27]. وهو ما يعرف بالأخطاء غير مبررة في النطق أو الكتابة من نصب ما وجب رفعه، أو جر ما وجب نصبه ، ...
2- اللحن : وهو نوع من أنواع الإشارة ويستعمل للاحتراس،[28] وهو يرتبط بفن التلميح. وهو اللحن المقصود في الآية الكريمة: ﴿ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم ﴾ [29]
3- اللحن : اللحن في القرآن والآذان هو التطويل في ما يقصر والقصر في ما يطال [30]، ومنه أصل تسمية الألحان والتلحين في الموسيقى سحبت من أصلها في ترتيل القرآن ، والآذان إلى باقي الألحان.
كذلك لو أراد الباحث البحث عن كلمة " تضمين " كمصطلح علمي وليس ككلمة عادية فسينتج له خمسة مفاهيم مختلفة
1/التّضمين في علم النّحو [ أو علم البيان] (saturation sémantique/sémantic saturation) هو إشراب كلمة معنى أخرى لتتعدّى تعديتها نحو الآية "﴿عينا يشرب بها المقرّبون﴾"[31] فالعين يشرب منها وليس بها ،والفعل شرب تعدى بالباء لتضمينه معنى ارتوى، وقد يكون في الأسماء أو الأفعال أو الحروف[32]، ومن العلماء من يضع هذا النوع في المجاز ، وهو ما يجعله يندرج في علم البيان[33] .
2/ التّضمين في علم العروض (enjambement/enjambement)، عده بعض العلماء عيبا من عيوب القافية إلى جانب الإيطاء ، الإجازة، ، الإقـــواء، ، الإجازة، السّناد،..." وهو تعلق بيت من أبيات القصيدة ببيت يليه من جهة اللفظ أو المعنى[34].
3/ التّضمين المزدوج وهو أن يتكلم المتكلّم بعد رعايته الأسجاع يجمع في أثناء القرائن بين لفظتين متشابهتي الوزن، والرّوي كقوله تعالى : ﴿"وجئتك من سبإ بنبإ يقين ﴾"[35]"-[36].
4/ التّضمين في علم البديع (insertion dune citation,quotation/insertion of a.) أمّا التّضمين في علم البديع فهو أن يضمّن الشّعر شيئا من شعر الغير مع التّنبيه عليه إن لم يكن مشهورا عند البلغاء"[37].
5/ التضمين في علم الصوتيات : والمضمّن من الأصوات : ما لا يُستطاع الوقوف عليه حتّى يوصل بآخر قال الأزهري : والمضمّن من الأصوات أن يقول الإنسان قف، فل بإشمام اللام إلى الحركة"[38].
وبعد هذه الأمثلة ، يتضح لنا أن هناك مصطلح واحد له أكثر من مفهومين ، ووجب على الباحث أن يفرق بين المفاهيم في عملية البحث وإن كان جليا من خلال المفاهيم ، ولكن وجب التنبه خاصة إذا علمنا بأن الكثير من الباحثين يخلطون بين المفاهيم ويجعلونها واحدة خاصة في ما تعلق بمصطلح اللحن ، وما قلناه هنا ينطبق على كل المصطلحات التي يجب على الباحث التفريق بينها.
الشق الثاني هو أكثر عمقا من الأول ، وهو ما يتعلق بتعدد المصطلحات للمفهوم الواحد ، وكمثال على هذا نقدم مفهوم التورية ، وإن كان مفهومها في غنى عن تعريفها نعرفها بتعريف الخطيب القزويني(ت739هـ) " هي أن يطلق لفظ له معنيان قريب وبعيد ويراد بها البعيد " [39] ،والتورية تسمى أيضا :
الإيهام 2- التوجيه 3- التخيل 4- والمغالطة[40] ، 5- التوهيم 6- الترشيح[41] 7- التعمية [42]8- الإشارة [43]، ويرى ابن حجة الحموي (ت837هـ) وابن معصوم المدني( ت1119هـ) بأن أقرب اسم لهذا النوع هو اسم التورية لمطابقته المسمى لأنه مصدر وريّت الحديث إذا أخفيته وأظهرت غيره[44]، ولكن هذا لا يمنع المصطلحات الأخرى بأن تكتنف مفهوم التورية فمثلا الإيهام أيضا أحق بالتسمية لأن صاحب التورية يوهم السامع بالمعنى القريب وهو يريد المعنى البعيد، والمصطلح من إشكاليات العلوم خاصة إذا كان من نوع تعدد المصطلحات للمفهوم الواحد، وأدرجنا هذا العائق لأن الباحث عن كلمة تورية في المشروع سيوافيه محرك البحث بكل الكتب التي تكلمت عن اسم التورية فقط ، لكن الكتب التي تكلمت عن التورية بأحد المصطلحات السابقة فلا تظهر، وما قلناه عن التورية يقال عن المفاهيم الأخرى متعددة المصطلحات، وللقضاء على العائق نجد أنفسنا أمام أمرين الأول على الباحث مسبقا أن يعرف بأن للتورية عدة أسماء وعليه البحث عنها بشكل منفصل ، والثاني وهو قيام لجنة من الخبراء تعمل على حصر تعدد المصطلحات للمفهوم الواحد ومن ثم برمجت محرك البحث ليستدعي كل المصطلحات التي لها علاقة بالمفهوم المحدد من خلال مصطلح واحد يريد الباحث البحث عنه ، وإن تم الأمر الثاني بالرغم من أنه ليس هينا فعند البحث عن كلمة تورية ستظهر كل الكتب التي تناولت التورية ويظهر معها كل الكتب التي تناولت المصطلحات الأخرى بشكل آلي وفق برمجة خاصة مسبقة.
- يطرح عائق حقوق المؤلفين للكتب التي ينشرونها ، وكذلك دور النشر( ملكية فكرية ، وملكية حقوق النشر)، وهو مشكل قد يطرح بأقل حدة ، نظرا لقيمة المشروع ، وهناك حل بأن يكون تفحص الذخيرة بواسطة اشتراكات ، تجمع وتقسم على من يمتلكون حقوق الملكية الفكرية وحقوق النشر باتفاق مسبق [45] ، وهناك حل آخر لهذا العائق وهو إصدار رؤساء الحكومات في كل بلد قرار يفضي بالسماح للجنة الذخيرة المحلية باقتناء نسخة من كل مؤلف يصدر في البلد يستغل كشاهد على الاستعمال ، مع المحافظة التامة على حقوق التأليف[46] يتم ذلك باستثمار الجانب الإحصائي فقط من غير عرض النص الأصلي ، يعني أن يعرف الباحث أن الكلمة المعينة هي في كتاب كذا وكذا وصفحة كذا [47]
أهداف مشروع الذخيرة العربية لتكثيف تعليم اللغات
- إذا كان مشروع الذخيرة العربية يكتسي طابعا علميا فكريا حضاريا من خلال التسمية فهو مشروع يأخذ أبعادا أخرى فهو أيضا مشروع تربوي ثقافي تعليمي ، فالمشروع هو في متناول الطلبة والباحثين والدارسين كما هو في متناول التلاميذ بل إنه بغية كل مستزيد أو متطلع مهما كان مستواه ( على الأقل أنه يعرف ما يريد ويعرف استخدام تقنية البحث في المشروع ) ، بل إنه بتقنيته البحثية البسيطة يجعله سهل الاستعمال من طرف الكل ومصدر موثوق ويتميز بالدقة والشمولية.
- في البدء ومن خلال اسم المشروع " الذخيرة العربية " يتخيل بأنه خاص باللغة العربية ويمكن أن يساهم في تكثيف اللغة العربية فقط ، ولا يمكنه أن يساهم في دعم تكثيف اللغات الأخرى، وهنا يمكننا القول بأن هذا المشروع ألا يمكن أن يحتذي به من طرف اللغات الأخرى، كأن نسمع يوما بمشروع الذخيرة الفرنسية ، الذخيرة الإنجليزية ، الإسبانية ،....
- وهو مشروع رائد وجب أن يحتذي به على مستوى العلوم الأخرى كقول الذخيرة التاريخية العربية ، الذخيرة الفقهية الإسلامية ، الذخيرة الفلسفية العالمية ، ...، وهي مشاريع من شأنها أن تحل كثيرا من المشاكل الراهنة.
هناك مشروع اسمه الذخيرة اللغوية الفرنسية trésor de la langue française ومن الذخائر النصية المحوسبة نذكر القاعدة المسماة بـ frantext وهي تحتوي على 3500كتاب باللغة الفرنسية تنتمي إلى القرن السادس عشر حتى القرن العشرين وما يزال أصحابها يثرونها بنصوص أخرى حديثة [48] ، وهي ليست بحجم الذخيرة العربية أولا من حيث الحجم ، فتراثنا العلمي من الجانب التوثيقي والتأليفي أكبر من تراث الأمم الأخرى مجتمعة، وثانيا أن المشروع الفرنسي مقصور على اللغة الفرنسية، وهو واضح من اسمه بينما مشروع الذخيرة العربية فهو شامل، وثالثا وهذا هو الأهم هو أن المشروع الفرنسي لا يمكنك البحث فيه بل إنه مشروع محصور زمنيا من القرن السادس عشر على القرن العشرين ، وليس كما هو الحال في مشروع الذخيرة العربية فزمانها يبدأ بدواوين الشعراء الجاهليين وينتهي إلى آخر بحث أو مقال أو كتاب قيم في عصرنا ، كما أنه اعتمد في المرحلة الأولى على تصوير الكتب وحفظها في بنك معطيات فالباحث فيها يمكن مطالعة كتاب عن طريق تقنية pdf ، ولا يمكنه البحث فيه أو في مجموعة كتب أو عصر معين، وما لاحظناه بأن بعض الكتب تتوفر على هذه التقنية ولكنها ليست معممة، وثالثا فهذا المشروع لا يهتم بنقل المصطلحات إلى اللغات الأخرى كالعربية والإنجليزية مثلا على عكس مشروع الذخيرة العربية فلقد رأينا بأن يعتمد على نقل آلي إلى لغات أخرى كالفرنسية والإنجليزية، وما قلناه هنا ينطبق تماما على شركة غوغل google والتي تسعى على إعداد موسوعة الكتب العالمية ، وهو مشروع بدئ فيه منذ فترة ، ولمسنا منهم إرادة في ذلك بعد نشرها عدة إعلانان في كل صحف العالم وبلغات أهلها تطلب من أصحاب الكتب التقرب لمصالحها في مدة معينة من أجل تسوية الأمور القانونية قبل استغلال محتويات الكتب في موسوعتها، ولكن هذا المشروع ناقص لأن الباحث لا يمكنه البحث فيه لأنه بصيغة pdf وهو ما يجعله يفقد صفة الدقة ولا يساعد في عملية البحث إلا في مجال ضيق وهو مطالعة كتاب معين.
- المشروع يهتم بحيازة القواميس والمعاجم اللغوية وحيدة اللغة ومزدوجة اللغة بين العربية ولغات أخرى [49]، وهو من شأنه تعزيز تعلم لغات أخرى غير العربية وإثراء الرصيد اللغوي في شقة المتعلق باللغة العربية وهو مشروع يحوز على معجم آلي جامع للغة العربية مع المقابل الفرنسي والإنكليزي يستخرج من البنك الآلي المذكور ( معجم مفردات) وهو ما من شأنه تعزيز تكثيف تعلم اللغات الثلاثة ، وهذا على عكس القواميس والمعاجم الورقية والتي من شأنها أن تقفز على بعض الكلمات عمدا أو سهوا فهذا المعجم الآلي سيكون أكثر اتساعا ودقة يتميز بالمرونة والسهولة والشمولية وأكثر سرعة ووضوح ، وهو ما يجعلنا ندرجه في خانة تكثيف تعليم اللغات وفق هذه الخصائص.
- الشيء المهم في جانب تعزيز تكثيف تعليم اللغات هو أن المشروع يهتم بجانب الترجمة للبحوث النفيسة بلغات أخرى غير العربية إلى العربية، وللباحث حق الاطلاع على النص الأصلي والنص المترجم وهو ما يدفع بروح المقارنة ومنها يعزز تكثيف تعلم اللغات لأنه ببساطة الباحث لا يقف ترجمة لفظية ( لفظ مقابل لفظ) بل إنه يقف أمام ترجمة أساليب وتعابير، وهي بكل تأكيد تختلف عن الأولى، وهذا الاهتمام بلغ حتى بإدراج لجنة خاصة تهتم بالترجمة في هذا الجانب، إلى جانب لجان أخرى مثل لجنة التراث ، ولجنة الحاسوبيات،...، وهو ما يعكس اهتمام المشروع باللغات الأخرى.
- إن من أهداف المشروع " حصر جميع الطرائق التعليمية المتعلقة بتحصيل مهارة معينة ، كتعليم اللغة العربية بحسب أعمار المتعلمين ومستواهم ولغة منشئهم ، وتعليم الفنون المختلفة بالعربية" [50]يساهم المشروع في عملية تكثيف تعليم اللغات إذا علمنا أن أحد اهتمامات المشروع بطرائق تعليم اللغات بالحاسوب وخاصة اللغة العربية ، ويهدف المشروع باختيار الأحسن وفق مسابقات لاختيار أحسن المناهج والطرائق لتدريس وتعليم اللغات وهو من شأنه تكثيف تعليم اللغات واللغة العربية خاصة ، " ولهذا ستدخل الذخيرة اللغوية العربية أنواع كثيرة من النصوص منها الموسوعات العلمية والتقنية العربية أو المعربة ( مع النص الأجنبي الأصلي) ، وطرائق لتعليم العربية ومختلف الطرائق لتعليم تقنيات معينة بمستويات متنوعة "[51] .
- المشروع من أحد اهتماماته حيازة الكتب والمراجع المدرسية والجامعية خاصة التي لها أهمية في عملية التعلم والتعليم [52]،والمشروع يسد ثغرات التعليم ويصلح ويكمل نقائصه فالأستاذ أو المعلم لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكمل كل الدروس وأن يوصل الدرس بكامله لكل التلاميذ والطلبة ولا حتى أن يتطرق لكل قضايا اللغة العربية وبالتالي فالمشروع وسيلة تتمم هذا وذاك وهو لا يعترف بحدود الزمان والمكان ، ويمكن للمطلع الولوج إليه في أي زمن أو من أي مكان مربوط بشبكة الإنترنيت ، كما سيمكن المتطلعين والباحثين من اكتساب مهارات وكفاءات لغوية بتحصيل وبشكل سريع للغة العربية أو لغات أخرى مثل الفرنسية أو الإنجليزية
- والمشروع لا ينظر إلى اللغة العربية وآدابها فقط ولا إلى العلوم اللسانية وحدها ، وإنما ينظر إلى العلوم الإنسانية والاجتماعية والعلوم الأساسية والتكنولوجيا على حد سواء ،[53] ، فالمشروع له بعد علمي فكري حضاري فهو مشروع جامع ( لغوي ، علمي ،تربوي، ثقافي،...) فهو مصدر موثوق للمعلومات وهو في متناول كل باحث وطالب وتلميذ بل كل مستزيد أو متطلع ،وهو في خدمة الملقنين أو المدرسين فهو يساعدهم لإعداد دروسهم والتحضير لها بشكل جيد ودقيق ويتسم بالشمولية، وكما أن المدرس بتعددها والجامعات باختلافاتها أدخلت بها وسائل التكنولوجيا الحديثة من حواسيب والإنترنت ، فسيصبح المشروع سهل المنال ، بل يصبح المنفذ الوحيد لأنه مشروع علمي تربوي ثقافي ، عكس مواقع أخرى ، والطالب والتلميذ يجد فيه كل ما يريد ويمكنه طرح الأسئلة عكس مواقع أخرى يمكن أن لا يجد المتطلع بغيته أو بشكل ناقص عن ما يبحث[54]، والمشروع له عدة جوانب أهمها جانب لغوي ، وآخر ثقافي ، فالجانب اللغوي فهو ديوان العرب لأنه يمثل الاستعمال الحقيقي للغة العربية قديما وحديثا ، والجانب الثقافي وهو علمي تربوي في ميادين علمية ، تقنية ، تاريخية ، اجتماعية،....[55]، يضاف إلى هذا أن المشروع يهدف بوجه خاص حيازة :عينات من الكتب المدرسية والجامعية القيمة الرائجة في الوطن العربي أو في البلد الواحد ، عينات من الكتب الخاصة باكتساب بعض المهارات منها تعليم اللغة العربية على الطريقة الحاسوبية، عينات من الكتب التقنية ، عينات من البحوث والدراسات ذات الأهمية العلمية المنشورة في المجلات المتخصصة ،... [56]، وهو ما من شأنه ليس تعزيز تكثيف تعليم اللغات خاصة العربية فقط، وإنما تعزيز عملية التعلم والتعليم في كل المقررات الدراسية، وفي كل المراحل التعليمية.
- بواسطة هذا المشروع سيتم توحيد المصطلحات العلمية وغيرها في الوطن العربي [57]،كما أن المشروع يساهم في وضع حد لتداخل المصطلحات والمفاهيم العلمية وحتى تداخل المعاني الدلالية للألفاظ ، وهو عائق أو إشكالية يعاني منها حتى الباحثين والدارسين وليس المبتدئين ، فالمشروع سيساهم في وضع حدود فاصلة بين المصطلحات والمفاهيم العلمية لأن الباحث بعد كتابة مصطلح في مربع النجاح يستخرج له المشروع كل التعاريف وكل الكتب التي تكلمت عنه ومنها يمكن أن يحدد المفهوم الصحيح أو عدة مفاهيم ويفرق بين المصطلحات المتداخلة أو حتى معاني الكلمات ودلالات الألفاظ المتجانسة أو المتشابهة أو الأضداد...، وهو ما يعزز تكثيف تعلم اللغة العربية وسيصبح بإمكان الباحث أن يعرف أكثر من مترادف أو ضد من الأضداد بعد أن كان بالكاد يجد واحدا هنا وآخر هناك، ومعرفة المصطلحات أمر مهم لأنها متعلقة بمفاهيمها ومتى عرفت عزز تعلم اللغات ، فاللغة مرتبطة بالعلوم والمصطلحات لها مكانتها في كل علم ، والمشروع يمكن " الباحثين والمؤسسات العلمية من وضع المصطلح الأكثر موضوعية الذي يتسم بالوضوح والإحاطة بالمفهوم إحاطة كافية ،[...]، ويؤدي ذلك إلى الإسهام في تضييق الفجوة بين الباحثين العرب بما يوحد المصطلحات بينهم بالرجوع إلى واقع الاستعمال "[58]
- المشروع من شأنه أن يعزز تكثيف تعلم اللغة العربية من جانب أن الكثير لا يمكنه حصر أنواع حالات الإعراب مثل أنواع البدل أو أنواع التمييز ...ويضاف إلى ذلك سوق شواهد لهذا وذاك وهو مشكل يواجه الجميع لكن مع المشروع بمجرد كتابة ما تريد تجد أمامك كل الأنواع وما اتفق عليه وما اختلف وتطورها وآلاف الشواهد من القرآن الكريم والحديث الشريف والشعر، بل بالعكس ستجد نفسك محتارا في الاختيار والاختصار، وما قلناه في الإعراب يقال في كل حالات النحو والصرف والبلاغة والعروض وفقه اللغة وعلوم اللغة العربية.
- ويعزز المشروع كذلك الجوانب الدلالية للألفاظ فكثير من الألفاظ انقرضت ولم يعد لها استعمال وهو ما يصادفنا في شعر الشعراء المتقدمين والمشروع في معرفة دلالتها وتطورها ومتى ظهرت ومتى اختفت ، وفي أي سياق تستعمل " فالمشروع يسمح بتصفح لمعاني الكلمات من خلال سياقاتها عبر الزمان وتاريخ ظهور بعض الكلمات الفصيحة والمولدة أو اختفائها، ورصد دقيق وشامل لاستعمال العربية في إقليم خاص في عصر من العصور ، ورصد منتظم للاستعمال الحقيقي لمصطلحات ميدان فني معين"[59]، وهو ما يشكل ما يعرف بغريب اللغة ، يضاف إلى ذلك أننا بالكاد نجد مترادفا أو ضدا للكلمة معينة لكن مع المشروع سيكون لك زخم هام من المترادفات والأضداد ، ويساعد المشروع كذلك على وضع حدود فاصلة بين بعض التداخل الدلالي لبعض الألفاظ ، ومعرفة بعض المبهمات اللغوية ، فللجمل ألف اسم وللأسد أكثر من سبعين اسم ، وللنملة أكثر من عشرين اسم ، وما هو اسم صغير الحية ، وكيف نفرق بين استعمال لفظتا الدرة واللؤلؤة على حسب السياق، وإذا كان للجوع عدة أسماء كالجوع والطوى والمسغبة والمخمصة، فمتى نستعمل هذا اللفظ دون ذاك ،وإذا كان للألفاظ : سار ، مشى ،سرى ، وهام، لها نفس المدلول وهو الانتقال، فكيف ومتى نستعمل كل لفظ، وغيرها من الأسئلة على هذه الشاكلة، وقد يتعب الإنسان للإجابة عنها وإن وجد شخصا فهو غير ملم بها كلية ، وقد لا يجد طرفا آخر يدله على كتاب يجد فيه بغيته ، وإن علم بأمر الكتاب لا يكاد يجده ، لكن مع المشروع الأمر سهل ويتميز بالدقة والوضوح وستجد الجواب سريعا ومعزوا بصفحته وجزئه وصاحب الكتاب وكل الكتب التي تكلمت عن سؤالك بمتنها وصفحتها، وهو ما يمنح التلميذ والطالب والباحث معلومات موثقة من مصادرها وتتميز بالدقة والشمولية
- يعتقد الكثير من الناس أن تعلم لغة ما أمر موقوف بفهم ألفاظها المسموعة وتكلمها من جهة أو كفاءة في كتابتها وقراءتها من جهة أخرى وهو أمر خاطئ نسبيا لأن تعلم لغة ما يعني أنك قادر على القدرة على التبليغ بأكثر من أسلوب وفهم المعاني ومعرفة دلالات متعددة للفظ الواحد وأضداده وأن تعرف بلاغتها وأساليبها ، وأن تعرف نحوها وصرفها وفقه لغتها ، وليس مزاولة لغة تكلما وكتابة يجعلك تجيدها ، فلو سئلت عن معنى كلمة عقنقل أو سجنجل أو كلكل( كتبنا بعض الكلمات التي يمكن للبعض أن يعرف معناها ، فما بالنا بغريب اللغة من كلمات أخرى والتي تبدو غير مألوفة إطلاقا) ولم تجب فكيف لك أن تقول بأني متمكن من اللغة العربية، ويضاف إلى معاني الكلمات المترادفات والأضداد وأسماء الأشياء والأماكن وتعدد الدلالات وسياق استعمالها ،...، وهنا في اللغة العربية نجد أن مشروع الذخيرة العربية يحل هذه الإشكاليات في وقت قصير ومن مصادرها ويمكنك التكلم في ما بعد عن هذه المسائل بكثير من الثقة والدقة والشمولية، وهذا ما يسمى تكثيف تعلم لغة ما وهو التحكم أكثر من الحالات الإعرابية ومعاني الألفاظ ودلالتها وتنوعها ومعرفة سياق استخدامها ، والتدرج الدلالي لها ومترادفاتها وأضداد الكلمة ومعرفة أسماء الأشياء وتطورها....، وبلاغة اللغة وفقهها...، وهي أمور تتعلم بواسطة ملقن والملقن في كل الأحوال يبقى قاصرا عن الإلمام وهو بدوره قد يحيل على كتاب معين والاستزادة الكلية ينبغي لها كتاب فإن أردت كتابا معينا فالمشروع يضعه بين يدك أو أردت كل الكتب الحاصرة لظاهرة ما فستجد ذلك عبر المشروع وإن أردت حتى ما اتفق عليه أهل العلم وما اختلف فكله سيظهر لك بسرعة الضوء عبر هذا المشروع الحيوي الرائد.
- القواميس والمعاجم التي وضعها المتقدمون لا تتسم بالشمولية( فجذر بعض الكلمات بالشكل المعجمي لا يتطرق إلى كل المعاني والاشتقاقات ،...) ، والباحثون باختلافهم يجعلونها المستقى الوحيد لجميع أعمالهم و يهملون كتب أخرى هامة في هذا الجانب[60]، ككتب تهتم بدلالة الألفاظ ، أو الأضداد أو الترادفات ، ...، وغيرها من الكتب التي تعنى بالألفاظ من جوانبها اللغوية، وهو مشروع سيدعم القواميس والمعاجم العلمية مثل معجم لسان العرب لابن منظور أو القاموس المحيط للفيروز آبادي ، ...، لأنها توجب على المستزيد منها معرفة جذر الكلمة ، وهو ما يتعذر على المبتدئين وحتى على المتمرسين أحيانا أخرى ، أضف إلى ذلك أن القواميس والمعاجم التقليدية عاجزة على ربط الدلالات وتعددها وتنوعها وتطورها ومتى ظهرت أو اختفت عن الاستعمال وتعدد المترادفات أو الأضداد أو الفروق الدلالية مثلا بين كلمة حنا وحنى اللهم في ما ندر ( قد يبدو الفرق واضحا بينها عند البعض لكن عند البعض الآخر لا يعرف متى يستعمل كتابة هذا اللفظ أو ذاك- وفق الدلالة الخاصة لكل لفظ- خاصة المبتدئين)، لكن مع المشروع الكل سيجد نفسه مرتاحا من كل هذه العوائق لأنه ببساطة سيجد ما قالته كل هذه المعاجم والقواميس وغيرها من الكتب المهتمة ليس بشرح الكلمة دلاليا ولكن كل ما يتعلق بها من كل الجوانب وهو ما سيثري الجانب اللغوي لكل المستويات والتطلعات، يضاف إلى هذا المعاجم التي سينجزها المشروع متخصصة مثل: المعجم التاريخي للغة العربية ، معجم الألفاظ الحضارية ( القديمة والحديثة)، معجم الأعلام الجغرافية ، معجم الألفاظ الدخيلة والمولدة،...
خاصة إذا علمنا أن من بين أهداف المشروع إنجاز معاجم مختلفة كما مر معنا آنفا ومن بينها معاجم أساسية ووظيفية لتعليم اللغة العربية [61]
- إذا علمنا أن من الوظائف الأساسية للمشروع وما يندرج في ضمنه من معاجم هو تحصيل معلومات كافية تخص :
- تحصيل معلومات تخص الكلمة العربية عادية كانت أم مصطلحا
- تحصيل معلومات تخص الجذور وصيغ الكلم
- تحصيل معلومات تخص أجناس الكلم
- تحصيل معلومات تخص حروف المعاني
- تحصيل معلومات تخص صيغ الجمل والأساليب الحية والجامدة منها
- تحصيل معلومات تخص بحور العروض والضرورات الشعرية والزحافات والقوافي وغيرها
- تحصيل معلومات تخص المفهوم الحضاري أو العلمي
-.... [62]
وكل ما ذكر سابقا يشكل رافدا هاما ، ونبعا صافيا في تعزيز تعلم وتعليم اللغة العربية لاتصالها بمناهج التعليم ومقرراته، ليس هذا فحسب بل سيعزز تعلّم وتعليم كل المقررات الدراسية والجامعية في كل الأطوار.
هذا البحث سينشر بحول الله وإن شاء الله في مجلة المجمع الجزائري للغة العربية العدد 12 نوفمبر 2010
التعليقات (0)