عندما كنا أطفالا .. كانت عقوبة الكذب هي أكبر عقوبة وأشدها على الإطلاق ، فكل غلطة كان لها مبرر ، وكل كبوة كان لها صدر أم حنون يغفر ويمحو ، إلا الكذب .... فلم يكن له مبرر ولا مسوغ ولا عذر .
لم أكن أعرف لماذا كان الكذب بهذه المنزلة ، حتى كبرت قليلا وتعرفت على قول الرسول صلى الله عليه وسلم عندما سئل عما إذا كان المؤمن من الممكن أن يزني ويسرق ولكن ليس المؤمن الذي يكذب .... هنا بدأت تتضح لي الصورة شيئا فشيئا ... حتى كبرت وكبر معها عقلي وكبرت معها مشاكلي الحياتية ... لأكتشف بأم عيني أن الكذب هو أكبر معصية يمكن أن يقع فيها الإنسان السوي ، والكاذب أشد فتكا في المجتمع ممن ينتهك الأعراض أو يسلب الأموال .
في الحقيقة ... إني مستغرب من هذه النتيجة التي توصلت لها ، مع عدم تبريري لأي هاتك عرض أو سالب مال ، لكن الكذب مدعاة لأي رذيلة ، ومسوغ لكل حرام .
ولعل الكذب هو الجريمة الوحيدة الجامعة والموجودة في كل الجرائم المعروفة ، ولكم أن تسألوا ضابط التحقيق أو قاضي المحكمة .
عندما كنا أطفالا .. كنا نظن أن الأطفال هم وحدهم من يكذب .. أما الكبار فهم صفحة الطهارة التي لا يشوبها أي كذبة ، ولكن كما ذكرت ... كنا أطفالا لا نعي ما ندرك .. حتى كبرنا وعرفنا أن الكبار هم من يكذب وليس الأطفال .. ولكن العجب العجاب عندما علمنا أن أكبر الكبار هم أكبر الكذبة على وجه الأرض .. هذه هي الطامة الكبرى التي صعقنا بها .
عندما كنا أطفالا ... لم نكن نتوقع أن تفاجئنا صحيفة .. أو قناة تلفزيونية بكذبة واضحة وضوح الشمس ... لم يكن ذلك مدرج في أرشيف عقلنا الطري أبدا .. حتى بغتنا برجالات دولة عظام ... يكذبون كما لم نكن نكذب عندما كنا أطفالا ...
حاليا .. أصبح للكذب هيكل كامل ، وله مدربون وأساتذة ، وفيه مختصون .. فلا غرو أن تجد كذاب متخصص في الإعلام وآخر في السياسة ، وكاذب قد احترف الاقتصاد ، وآخر قد أتم شهادة الماجستير أو الدكتوراه في علم الكذب الاجتماعي .
والعجب أن ينتج هذا الكذب من شخصيات أو هيئات أو قنوات إعلامية لم تكن تنتظر منها أية كذبة ، ولكن الواقع مختلف جدا عن المنشود .
أقولها وللأسف .. أن بعض الكيانات والتي من المفترض أن تكون محترمة ، هي كيانات كاذبة كذابة ، ورأس هرمها كبير كذابيهم ، ولا يزال الرجل فيهم يكذب ويكبر ويكذب ويكبر ، حتى لا يبقي له ورقة توت يستتر بها .
أتمنى أن أرجع طفلا يصدق أن كذبته على والدته بأنه غسل يديه وهو لم يغسلها هي أكبر كذبة في الوجود ، لأنني بعد كل هذا الكم الكبير من الكذب أصبحت أشك في إنسانيتي ...
التعليقات (0)