في تلك الايام التي لا نريد ان نتذكرها,وعندما كنا نعرف الارغفة الحافة باسماء اطفالنا,كانت عبارات الترحيب بضيف الفجأة تتزاحم مع انشغال الفكر باستعراض صور الاصدقاء الذين يمكنهم ان يوسعوا من بعض ضيق الحصار الذي يأخذ بتلابيب بيوتنا الخالية مما يملأ العين ويعين على القرى,ولكن حتى في ذلك الزمن المجترئ من العمر,كان العراقي ينام "قرير العين هانيها" رغم هم الدين وضيق ذات اليد لأنه لم يجعل ضيفه يذهب دون ان ينال بعضا مما جبل عليه..
وقد تكون هذه المروءة العراقية هي ما اثقلت على النفس والقلب طوال الساعات الطوال ما بين الاخبار التي تداولت اعتذار الحكومة العراقية عن عدم استقبال لاجئين سوريين باسباب تأرجحت بين"الامني"و"اللوجستي"والاعلان عن توجيه "قوات الجيش والشرطة والهلال الاحمر العراقي باستقبال النازحين السوريين ومساعدتهم وتقديم الخدمات لهم".
فليس هناك من بيان او تصريح حكومي قادر على انتزاع صورة العوائل السورية التي تقطعت بها السبل من عقل ووجدان المواطن العراقي ولا التفكير بالنساء والاطفال الذين ضاقت بهم طرقات الشام بما رحبت,وتساؤلاتهم الحائرة عن تلك الحواجز التي تمنعهم عن الارض التي لطالما كانت ملاذا واذرعا مفتحة ورائحة هيل تقر بها عين اللاجيء الضعيف الذي جارت عليه البلاد التي تحسست خطواته صغيرا وحوت عظيمات الناس الذين يحمل اسماءهم.
لا نجد مجالا للشك في انه كان للقيادة العراقية الكثير من المبررات للتردد في استقبال الاهل في الشام الجريح الذين يمموا شطرنا للاتكاء على الكتف التي لطالما خبروها في محنهم السوداء وعندما تأتي الايام بارزائها..ولكن السويعات التي فصلت بين القرارين قد توحي بتهافت هذه المبررات او اعتمادها على رؤية محددة بلحظوية لا تستحضر تاريخ التعشق الطويل من الايام التي جمعت بين الاهل الذين يشربون من نفس النهر لقرون.
نعرف ان الارض رمل ومدى..ولا نجهل الخواء الذي تحتويه,ولكن طيبة العراقيين ونخوتهم قادرة على ملئها دفئا وامنا ونار ودلال قهوة تعبق برائحة الشهامة العراقية وايثارهم على انفسهم ولو على خصاصة القحط اليباب..وان مروءة العراقيين التي امتدت كلمة طيبة ومواكبا وسماطا ممدودا على طول الوطن وشوارعه وهي قادرة على ان تمسح الذل عن الجباه المسحوقة بالحرب,والنفوس المعذبة التي يراد لها ان تعيش حفلات من العبث الطويل ومكابدة انتقال العنف الى مستوى العنف الشامل الفاقد للبصر والبصيرة.
قد يرى الكثير في كلامنا هذا جهلا في دروب السياسة الموحلة المتشابكة,واسرافا في تقديم القيم والاخلاق العراقية على دواعي الامن والسلامة في وقت تختلط فيه ارقام الشهداء,وهذا ما لا ننكر ولا ندعي خلافه,فان هذه الاخلاق العراقية بالذات هي ما جعلتنا لا نزدرد ان تقف بيننا وبين قيمنا الكتل الصماء وملح الجحود,وهذا ما يجعلنا نجافي المضاجع اتقاء لطيف الوجوه الحائرة الوجلة ما بين موت وموت وصحراء وابواب مغلقة..
ليس كل المرات التي تأتي فيها متأخرا تكون خيرا من المرات التي لا تأتي فيها ابدا..فهناك من التأخر ما ينقلب عليك خيبة وخطلا وسوء تقدير..وللأسف نحن مضطرون إلى أن نؤكد مرات ومرات،انه ما خاب من استشار,على ان يحسن اختيار المشير.
التعليقات (0)